الاعتداءات الجنسية والحياة اليومية لأطفال الشوارع

نيللى على
نيللى على

آخر تحديث: السبت 16 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

قرأت فى الصحف وعلى مواقع الإنترنت، عن الاعتداءات الجماعية على المتظاهرات فى الشوارع، ولو لم أكن قرأت العناوين، لظننت أن الكتاب اهتموا فجأة بالحياة اليومية لأطفال الشوارع. وكان من المنطقى أن افترض أنهم أصبحوا مراقبين حريصين على المتابعة، نزلوا إلى الشوارع لتسليط الضوء على مدى انتشار وطبيعية ثقافة الشارع التى يحياها كل طفل صغير فى كل ليلة. ولكننى قرأت العنوان؛ الذى تشير مفرداته إلى أنه يتعلق بالفتيات، والشابات والسيدات الأكبر سنا من «ولاد الناس»، والطبقتين العاملة والمتوسطة (لأن أطفال الشوارع هم الطبقة المستبعدة). وقد تم تدبيج هذه المقالات لأن «المواطنين» تعرضوا للضرب، وتعرض شرف «المواطنين» للانتهاك، وانتهكت حقوق الإنسان الخاصة بالمواطنين. أما أطفال الشوارع؟ فهم ليسوا بمواطنين، بل إنهم حتى لا يحملون بطاقات هوية. وعندما يتعرضون للاغتصاب، والقتل بالرصاص، والموت، على أبواب الملجأ، فليست هناك جريمة، لأن الأمر لا يتعلق بمواطنين. وهكذا، لا يتعلق هذا الطوفان من المقالات بشأن التحرش، والاعتداءات الجنسية، وعصابات الاغتصاب فى الشوارع، بأولاد الشوارع.

 

•••

 

  ولكن، لأن هذا هو الواقع اليومى لأولئك الأطفال، فقد عرفت بنفسى الشوارع على النحو الذى اكتشفه الآخرون مؤخرا. ومن ثم، أعتقد أننى أستطيع أن ألقى ضوءا مختلفا، أو نظرة من زاوية مختلفة، على ظاهرة تثير فزع الكثيرين للغاية، ويشعر كثيرون بغرابتها. وأرى أن هذا أحد الأوجه القبيحة للشارع. وكما أن لكل إنسان ولكل صديق، وجها قبيحا، لا تراه، أو تعرفه، أو تزدريه، إلا إذا أمضيت معه وقتا طويلا كافيا. فلا يمكن إخفاء حقيقته، وفجاجته إلى الأبد، كما أن نشوة الصورة المتخيلة، عن التضامن الذى يحققه الشارع خلال فترات الثورات، يبدأ فى التآكل، ويصبح الشارع وجميع سكانه غير المواطنين حقيقة، لا يمكنك أن تهرب منها، وهى الحقيقة التى شاركت بنفسك فيها والتى أثارت مخاوفك أيضا.

 

  وبمناسبة الحديث عن الفزع، فقد بدا الكثير من الاهتمام والرعب، إثر الاعتداء بشفرة على أحد ضحايا هذه الاعتداءات. وقد تعجبت للمفارقة فى توقيت هذا الاعتداء. ففى الشهر الماضى، كنت قد اصطحبت احدى فتيات الشوارع اللاتى أتعامل معهن إلى جراح تجميل كريم، عرض على فتياتى، إجراء جراحة مجانا لمعالجة الندوب التى عانين منها، فى أثناء مثل هذه الاعتداءات فى الشوارع. ويعتبر الرعب جانبا من جانب ثقافة الاغتصاب فى الشوارع؛ حيث تسجل علامة على وجه كل طفل أو فتاة تعرض للاغتصاب. وتكون هذه العلامة عادة على شكل منحنى تحت عين الضحية، تعنى أنها لم تعد عذراء. وسوف يتم تسجيل الاعتداءات اللاحقة وهى كثيرة عبر ندوب أصغر، فى أى مكان آخر على الجسد. ولا ينسى أى منا فى الملجأ فتاة كانت محظوظة؛ حيث فلتت من الجرح فى الوجه، لكنها احتاجت لخياطة 16 غرزة أسفل ظهرها، حيث تم طعنها بالسكين عندما كانت تهرب من مغتصبيها.

 

  وأنا لست خبيرة بنظرية المؤامرة، لكننى مستشارة فى مجال أولاد الشوارع، ومخاطر الشوارع. ومن ثم، عندما قرأت التفسيرات حول أن الحزب الوطنى الديمقراطى والإخوان المسلمين هم من دفعوا الغوغاء إلى هذه الاعتداءات الجنسية، كنت مترددة. فقد تذكرت أنه ما من أحد دفع أجرا للرجال الأربعة فى الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم لاغتصاب مايا ذات السبع سنوات، والتى كانت تعيش فى الشارع منذ أيام قليلة فحسب. حيث يعتقد المعتدون أنه كلما كانت الطفلة صغيرة فى السن؛ قلت مخاطر الإصابة بالإيدز.

 

•••

 

  ويجلب العيش فى الشوارع معه الكثير من المخاطر، وكلما عشت فى الشارع، كلما زادت احتمالات تعرضك للخطر. فهل يجعلنا ذلك نوافق على ما يحدث؟ بالطبع لا، ولكنه يلقى الضوء على محنة الأطفال الذين لا يلقون نفس الاهتمام، والرعب عندما تقع عليهم هذه الاتهامات، يوميا. كما يركز على أن الشوارع أصبحت تثير الرعب، لأننا سمحنا لها بألا تكون آمنة. ويوضح كيف يتم دائما تجاهل القانون وإنفاذه فهل يستحق هذا الرعب أن يعامل بقدر أقل من الغضب لمجرد أنه صار واقعا يوميا؟ لا، ولكن الغضب، والدعم الذى ينبغى أن يأتى بعده الإصلاح، يتعين أن يمتد إلى أولئك الذين لا يحظون بالاهتمام الرسمى فى هذه الاعتداءات لأن الاعتداءات فى الشوارع منذ بداية العام لم تكن 25 اعتداء فحسب. وقد شهدت للمرة الأولى الرعب من الاعتداء الجنسى فى التحرير، وكنت أشعر بالغضب مع كل قصة أسمعها. وقد حان الآن الوقت كى نستيقظ على حقيقة الشوارع، فبينما أصبحنا سباقين إلى الحفاظ على الشوارع آمنة من أجلنا «نحن»، نحتاج أن نوسع كل هذا ليمتد إلى الأطفال الذين ليسوا ضمن حساباتنا، من يحتاجون أن ينقل الكبار ألمه وتجربتهم، لأنهم يحظون باهتمام بالغ.

 

  وسيقول لكم أولاد الشوارع، إن الاغتصاب الجماعى ليس سوى مجرد البداية بالنسبة لهم، ويأتى بعد ذلك مباشرة الدعارة وتهريب المخدرات والمواد الإباحية. وما تشهده الطبقة الثورية الآن، ليس سوى بداية ما يشهده آلاف الأطفال فى شوارعنا، بنين وبنات، هل تتخيلون ذلك؟

 

•••

 

  ومازالت بوصلة اللوم مختلة، فكما يوجه الناس اصبع الاتهام إلى أطفال الشوارع، لأنهم فى الشوارع وليسوا فى البيت، متجاهلين كل الأسباب التى دفعتهم إليه، يوجهون الآن نفس الإصبع إلى الإناث اللاتى يتعرض للاعتداء فى التحرير وغيره من الأماكن، بدعوى أن خطأهن أنهن لم يقرن فى بيوتهن آمنات. القضية هى المساءلة؛ فبمجرد أن نتعلم معنى هذه الكلمة، ريما يكون الشوارع أثر أمانا بالنسبة لنا جميعا.

 

 

 

باحثة فى علوم الأنثروبولوجى بجامعة لندن ومتخصصة فى دراسة اطفال الشوارع

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved