كيف ينبغى أن يكون الإعلام؟


قضايا إعلامية

آخر تحديث: الأحد 16 فبراير 2020 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة Columbia Journalism Review مقالا للكاتب Lee Siegel تناول فيه نقده لطريقة تناول وسائل الإعلام للأزمات فى الولايات المتحدة، وخاصة الأزمة الراهنة فى تبرئة ترامب من تهمه رغم مخالفاته الصريحة للدستور الأمريكى، ويعرض الأساليب التى ينبغى على وسائل الإعلام اتباعها فى مواجهة هذه الأزمة.. نعرض منه ما يلى.

نحن فى خضم أزمة سياسية، والمشكلة الرئيسية أنه لا يوجد عدد كاف من الناس يعى بأننا فى أزمة. بعد أن تمت تبرئة دونالد ترامب فى مجلس الشيوخ، تُركنا مرة أخرى مع مضمون ــ ولكن ليس شكلا ــ كارثة سياسية.
يتحتم على وسائل الإعلام: الإعلام والتنبيه والإنذار عند الضرورة. ومع ذلك، فإن الشعب الأمريكى يتحتم عليه أيضًا مواصلة حياته بأفضل ما يمكن. كيف تعبر إذن وسائل الإعلام عن جزعها عندما تصبح مقتنعة، رغم محاولات التضليل القوية، بأن البلاد فى أزمة؟
كتب هيجل ذات مرة أن «قراءة الصحيفة فى الصباح هى صلاة الصباح الواقعية. يشكل الفرد موقفه من العالم سواء بإيمانه أو من خلال معرفته بما يحدث حوله. السابق يعطى نفس القدر من الأمان مثل الأخير، يدرك المرء من خلاله موقفه» الأخبار، بعبارة أخرى، توضح علاقة الشخص بالحياة، تمامًا كما يفعل الدين.
ولكن فى حالة الأزمات، تهدد الديمقراطية وحرية تداول وسائل التواصل الاجتماعى للأخبار مسئولية الإعلام. فإن طريقة تناول وسائل الإعلام لخبر ما، وغالبا ما يتم عرض الكارثة على أنها تمثل عصرنا، تجعلنا نغفل عما هو مهم حقًا فيما يحدث.
يفهم ترامب الديناميكية الهشة التى تدفع وسائل الإعلام بشكل أفضل من أى شخص آخر ولم يكن عليه أن يأمر باغتيال قاسم سليمانى لصرف الانتباه عن مسألة محاكمته. فأى فعل غاضب أو استفزازى، أو حتى تغريدة، من جانبه كان من شأنه أن يقوم بالمهمة. فبعد اكتشاف الكاميرات لترامب وهو يتحدث مع الممثل فينس فون لمدة 30 ثانية تقريبًا فى مباراة لكرة القدم الأمريكية، يمكن البحث عن «دونالد ترامب» و« فينس فون» على جوجل والوصول إلى ما يقرب من خمسة ملايين نتيجة. اليقظة الإعلامية التى تبقى ترامب تحت المراقبة إلى حد ما تسمح له أيضًا بتوجيه الانتباه فى أى اتجاه يختاره.
نحن الآن على وشك الدخول فى مرحلة جديدة من الاضطراب الإدراكى، تتناقض فيها الأزمة الواضحة أمامنا مباشرة مع راحة وازدهار حياتنا، إلى جانب كونها مجرد أسلوب للإعلام لتشتيت الانتباه عن الأحداث التى تدور حولنا.
***
اللحظة التى برأ فيها مجلس الشيوخ ترامب ــ اللحظة التى أعطى مجلس الشيوخ فيها مباركته لرئيس يعرِّض الأمن القومى للولايات المتحدة للخطر من أجل تعزيز طموحه السياسى وإحباط كل محاولة للتحقيق فى تصرفاته ــ كان يجب على وسائل الإعلام أن توقف أعمالها المجدولة وتركز على هذا الحدث.
كان على صحيفة نيويورك تايمز أن تنشر، فى الصفحة الرئيسية والصفحة الأولى، افتتاحية تعلن حالة الطوارئ الوطنية. كان يجب على CNN تخصيص يوم كامل ليلا ونهارا للجان تعلن عن ذلك. كما كان ينبغى أن يحدث ذلك فى كل كيان إخبارى آخر ليبرالى أو غير حزبى نسبيا.
بدلا من ذلك، غرقت دورة الأخبار فى حركتها المعتادة البالية. بحلول منتصف اليوم بعد تبرئة ترامب، نشرت صحيفة التايمز مقالتين فى بداية صفحتها الرئيسية عن المشاريع المهدرة للمال والوقت فى ولاية أيوا، والمشهد الانتخابى فى كاليفورنيا. وإذا كنت من مستخدمى التطبيق، كان عليك التمرير لأسفل عبر سلسلة من المقالات للحصول فى الأخير على مقال حول تبرئة ترامب. صفحة التحرير افتتحت بعنوان مُرضٍ يقول «الاتحاد يتعثر» ويعلن أن تبرئة مجلس الشيوخ لترامب «يجب أن يكون بمثابة إنذار لجميع الأمريكيين». كان هناك افتتاحية قوية من قبل السيناتور الديمقراطى من ولاية أوهايو، شرود براون، وصف فيها خوف زملائه عند اعترافهم له بمعرفتهم أن ترامب مذنب.
على الجانب الآخر من الصفحة الرئيسية لصحيفة التايمز، كان هناك خبر عن رد فعل ترامب على التبرئة، حيث غطت حدث احتفال موظفيه فى أحد فنادق واشنطن، وخبر آخر حول منافسته نانسى بيلوسى.
امتلأت الصفحة الرئيسية لواشنطن بوست بمقالات عن التبرئة، لكن اثنين منهما عرضا الحدث كدراما شخصية بين ترامب وبيلوسى وترامب وجون روبرتس. ثم عادت إلى موضوعاتها المجدولة والانتخابات التمهيدية، كما لو أن الديمقراطية لا تزال تعمل.
كما هو متوقع، نشرت صحيفة وول ستريت فى بداية صفحتها الرئيسية عنوانًا يقتبس ما قاله ترامب خلال المساءلة بأنه «مر من خلال جهنم». كان هذا هو العنوان الوحيد الذى يتعلق بالمساءلة والمحاكمة.
فى جميع أنحاء العالم الإخبارى، كان هناك القليل للغاية يتناول صراع الولايات المتحدة فى أزمتها، بصرف النظر عن المقالات التى تناولت عموما ما يمكن أن يفعله ترامب بعد إطلاق عنانه، أو المقالات حول فيروس كورونا، أو التدفق المستمر للمقالات حول ترامب وبيلوسى.
***
ماذا ستفعل وسائل الإعلام؟ متى سيظهر تفاهة فيضان الأخبار المقررة بانتظام بطريقة تمنع الرجوع إليها؟ الآن بعد أن ظهر انتهاك ترامب للدستور ــ حتى فى نظر بعض أتباعه الأكثر ولاءً فى مجلس الشيوخ ــ بوضوح، كيف يمكن لوسائل الإعلام الاستجابة بفعالية؟
بعد انتخاب ترامب مباشرة، أمضت وسائل الإعلام عامين، على الأقل، فى إيجاد روابط ــ بطريقة هستيرية ــ بين ما تمر به الولايات المتحدة وأوروبا الفاشية. لكن لم يتناول أى شخص فى وسائل الإعلام الحجة القوية بأن أكثر ما سهل قيام الثورات الفاشية فى أوروبا هو وجود ثقافة ضعيفة لم تستجب للتهديدات حولها. إن وسائل الإعلام أصبحت وحشا يبحث عن جذب الانتباه وتضع ما هو تافه ومأساوى بشكل سلس جنبًا إلى جنب.
إذن كيف يجب أن تستجيب وسائل الإعلام؟ أولا، يجب على كل منفذ إعلامى تخصيص مساحة خاصة؛ على الصفحة الأولى أو الصفحة الرئيسية، أو ساعة طويلة خاصة كل مساء، أو برنامج جديد تمامًا وفريد من نوعه يركز على حالة الطوارئ الوطنية مثل برنامج تيد كوبل «Nightline، وهو برنامج ليلى بدأ كسلسلة خاصة تركز على أزمة الرهائن فى إيران. يجب أن تلد الأزمة الوطنية أماكن جديدة، ومساحات جديدة فى أماكن قديمة، وشخصيات جديدة.
ثانيا، يجب أن يتجاوز الإعلام فى تغطيته للأزمة ترامب، لأن الظروف التى ظهر من خلالها ويستغلها ستستمر لفترة طويلة بعد رحيله. تحت عنوان يشير إلى وجود أزمة وحالة طوارئ، يجب أن يكون هناك تغطية لهذه الظروف التى غيرت الحياة الأمريكية. كم هو مثير أن نلقى نظرة على أرشيف الصحف المحلية ومقارنة إيقاع الحياة قبل ترامب باللحظة الحالية. بإلقاء نظرة على قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، وأغلفة المجلات الكبرى، والأحداث المثيرة للجدل قبل أربع سنوات، ومقارنتها بالثقافة الآن سنبدأ فى التساؤل عن السبب الذى أحدث هذا التغيير؟
أخيرًا، قبل إعلان أن ترامب هو المجرم، يجب أن تثبت وسائل الإعلام أنهم فوق الأيديولوجية. يجب البدء بإقرار أن الاقتصاد يبحر بسلاسة خلال العاصفة السياسية. فلطالما أن الناس يبلون بلاءً حسنا، أو يشعرون بأنهم ــ أو على الأقل البلد نفسه ــ يزدهرون، فإن التغيير فى الوضع الراهن سوف ينظر إليه على أنه اضطراب غير مرحب به.
لجعل إعلانهم عن حالة الطوارئ موثوقًا فيه، يجب على وسائل الإعلام الاعتراف بسحر ترامب الأسود. لقد غضب الجميع، طوال عملية المساءلة، من الجمهوريين فى مجلسى النواب والشيوخ الذين صوروا أن الأمور كلها بخير. لا يجب على الإعلام الليبرالى ارتكاب نفس الاعتداء على الواقع. على وسائل الإعلام إظهار ثورتها ضد ترامب، ومنحه ومنح أتباعه ما يستحقونه، وبعد ذلك ستكون هناك حرية فى التركيز على المسألة الطارئة المطروحة ــ تخليص الولايات المتحدة من أخطر شخصية ديمقراطية.
هذا هو ما ينبغى أن تبدو عليه وسائل الإعلام التى لم تنكسر، مثلما انكسرت ديمقراطيتنا، فى لحظاتنا الراهنة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى:من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved