لماذا فازت حنان الحروب؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 16 مارس 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

لأنها آمنت بقضيتها بصدق، وبدون تزلف «المتشعبطين» على حس القضية الفلسطينية، إن لم يكن بخاطرها فرغما عنها، وهى ابنة مخيم الدهيشة فى بيت لحم، والتى تربت على آلام اللجوء فى بيوت صغيرة، تطل على شجر الصفصاف، كان يأكل ورقها مناضلون أيام الانتفاضة الثانية، ليظلوا على قيد الحياة، فيما يستثمر مسئولون قوة تحملهم، مقابل صلاحيات مرور المعابر بدون توقف!

تربت فى مخيم تشبه بيوته باقى البيوت ما عدا السقوف الآيلة للانهيار، والطريق إليها المعبد بالصبر والكبرياء، إلى حين أمل.

ثابرت على دراستها بقوة الحالم بالخروج من فوهة الضيق، عن طريق التعليم الذى يعتبره الفلسطينيون تاريخيا قدرا مكتوبا لا مناص منه، رغم أى ظروف لوجستية أو أمنية أو اقتصادية محتملة، وبالمناسبة فى نفس هذا الأسبوع حققت مدينة غزة، المرتبة الأولى على مستوى العالم، فى القضاء على الأمية. يحدث هذا فى المدينة المحاصرة المتهالكة من التعب والحرمان والعدالة.

حنان الحروب، الفائزة بجائزة أفضل معلم فى العالم والتى تشرف عليها مؤسسة «فاركى» التعليمية الخيرية، أكملت تعليمها الجامعى بعد الزواج، كحال آلاف البنات الفلسطينيات فى الداخل، من اللواتى حظين بأزواج متفهمين عصريين يقدرون قيمة المرأة ودورها فى المجتمع، أخذت على عاتقها مهمة الهروب من جلباب التعليم النمطى المتكرر خصوصا فى المرحلة الأساسية، لأنها ببساطة مرت بتجربة ولا أصعب فى حياتها، وهى مفصل آخر فى أسباب نجاحها، حين شاهدت مع أطفالها زوجها وهو يهوى على الأرض مصابا برصاص الاحتلال، ولمست بنفسها وقع الأثر النفسى على أولادها الذين أصيبوا بالهلع، وهم يشاهدون أباهم مصابا كل ليلة فى أحلامهم، وكل صباح فى كراساتهم ودفاترهم.

هذه التجربة وتجارب أخرى ليست أقل قسوة دفعت بحنان للتفكير طريقة مختلفة خارج الصندوق، لتلقى العلوم والمعارف العامة عن طريق اللعب. وفى هذا يحضرنى أن كثيرا من المربين المعلمين الفلسطينيين، ممن لم تصب أرواحهم بعد بالتعب، يفعلون ذلك فى مدارسهم ومع البنات والأولاد المسئولين عن تعليمهم. وفى السياق أتحدث عن الكاتب اللامع والمربى الرائع زياد خداش، الذى تصيبنا الفيديوهات المسربة عن يومياته كمدرس للمرحلة الأساسية، بالدهشة والتعجب، كما تصيبنا نصوصه الأدبية الجميلة بالدهشة والإعجاب.

خداش والحروب وكثيرون أعتقد أنهم خارج الإضاءة التى تسمح بها أعرافهم، أو ربما طريقة تعاطيهم مع وسائل التواصل الاجتماعى، من المعلمات والمعلمين الفلسطينيين، تعلموا من فقر التجربة الشخصية كيف يثرون فلسفتهم التربوية والتعليمية بجهودهم الخاصة، متكئين على أمل التغيير وشرارة الحياة المتقدة فى عيون الصغار.

المختلف أن حنان الحروب وهذا السبب الرئيسى لترشيحها ومن ثم فوزها، على ثمانية آلاف معلمة ومعلم من العالم، أنها قد أعدت برنامجا تربويا وتعليميا مسجلا باسمها، عن التعلم باللعب لا بالعنف، أصبح فيما بعد المادة الأساسية فى دورات المعلمين فى الضفة الغربية. وهو البرنامج الذى نجحت أهدافه بالكامل حين جربته على طلبتها فى مرحلة التعليم الابتدائى، فى مدرسة سميحة خليل فى البيرة.

يقدر لحنان وزميلاتها وزملائها المعلمين، جهودهم الفردية النابعة من مرار التفاصيل، والمنصبة مباشرة فى نفوس الأطفال المختلفين جدا عن أقرانهم فى أى بقعة فى العالم. يقدر لهم كذلك صمودهم الأخير أمام قرارات رسمية لا تقرأ جيدا، ظروف المعلم فى الداخل الفلسطينى، وانتزاعهم حقوقهم العادلة فى نهاية المطاف، ما رمى بظلاله فى حفل إعلان الفوز، والذى دعت فيه الحروب أن يكون هذا العام، عام المعلم الفلسطينى، والذى يستحق كل الأعوام بجدارة.
  
  الغد ــ الأردن
  
حنان كامل الشيخ

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved