عندما تُكرر الأخطاء والبلادات

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 16 مارس 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

فى هذا الشهر، منذ مائة عام بالتمام والكمال، اتفقت الدولتان الاستعماريتان بريطانيا العظمى وفرنسا، وبإشراك لروسيا فى الحصول على جزء من الغنيمة، اتفقتا على توقيع اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة. وكان العرابان الموقعان الإنجليزى سايكس والفرنسى بيكو.

كانت عبارة عن اتفاقية قصد بها إكمال سرقة وتوزيع ممتلكات الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، تلك السرقة التى بدأت قبل أربع سنوات من إبرام الاتفاقية بتنازل السلطان التركى عبدالحميد عن مناطق غنية فى آسيا الصغرى لروسيا، وعن قبرص ومصر لبريطانيا العظمى، وعن تونس لفرنسا، وعن ليبيا لإيطاليا، وعن بوسنا للنمسا.

لكن الجشع الاستعمارى الغربى لم يقف عند تلك التنازلات. فما إن بدأت الحرب العالمية الأولى فى سنة 1914 وانضمت الإمبراطورية العثمانية العجوز المتفككة إلى الجانب الألمانى، حتى وجدت الدول الثلاث، بريطانيا وفرنسا وروسيا، فرصتها الذهبية لسرقة وتوزيع أجزاء جديدة فيما بينها، فكانت الوسيلة نقاشات سرية، أعقبتها تفاهمات سرية، وانتهت بتوقيع تلك الاتفاقية السرية اللصوصية التى، بالنسبة لنا نحن العرب، أدت إلى تقسيم المشرق العربى واحتلاله واستعماره من قبل فرنسا وبريطانيا.

ما يهمنا بالنسبة لاستعادة ذكرى تلك الاتفاقية المشئومة وما فعلته بأرض العرب وشعوبها هو أن نسأل أنفسنا: «هل إن الغرب الاستعمارى، وفى قلبه الحركة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية، فى طريقه إلى إتمام ما بدأته اتفاقية سايكس – بيكو وتعميمه فى هذه المرة على كل الوطن العربى، من أقصى مغربه إلى أقصى مشرقة؟»

***
والجواب هو أن كل الدلائل تشير إلى أنه «نعم»، إذ أن كل الظواهر وكل الآلاعيب وكل البلادات التى رافقت توقيع تلك الاتفاقية منذ مائة عام نراها ماثلة أمامنا فى هذه اللحظة المفجعة المجنونة التى يعيشها كل الوطن العربى. دعنا نذكر، للدروس والعبر، بعضا من تلك التماثلات والمقارنات بين ما جرى من قبل وما يجرى اليوم.

أولا: لقد أعطت بريطانيا وعودا للعرب، عن طريق محادثات ووعود كاذبة لملك الحجاز الشريف حسين وابنه فيصل، بأنها وبقية الدول الأوروبية الاستعمارية المعنية سيحترمون رغبة العرب فى الخروج من تحت الحكم العثمانى واستقلالهم فى دولة واحدة، لكن بريطانيا حنثت بذلك الوعد وتقاسمت بلاد العرب مع الآخرين ونقلتهم من استعباد قديم إلى استعمار احتلالى جديد. وقد تم ذلك بسرية تامة، إذ يذكر التاريخ أن الشريف حسين ومن حوله لم يعرفوا عن اتفاقية سايكس – بيكو إلا بعد ثمانية عشر شهرا من توقيعها. وحتى بعد أن عرف ذلك ظل الشريف حسين وابنه فيصل، يثقان ثقة عمياء فى الوعود البريطانية على وجه الخصوص.

اليوم، بعد تلك التجارب المريرة، كم من أنظمة الحكم العربية، تعرف حقا تفاصيل ما تدور من نقاشات وما تحاك من صفقات فى كواليس وأروقة مؤسسات اتخاذ القرارات على مستوى الدول الكبرى وعلى مستوى مختلف الهيئات الدولية؟ كم من رجالات الحكم العرب الذين يضعون الآن كل بيض بلادهم فى سلُة هذا الحاكم الأجنبى أو ذاك؟ حتى إذا ما تغير ذلك الحاكم ضاعت السلُة وما فيها.

هل حقا أن العرب يعرفون ما يخطط لمستقبل أقطار من مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان والأردن وليبيا ومصر وكل الخليج العربى، أم أن سايكس – بيكو جديدة تطبخ على نار هادئة؟

ثانيا: بعد سنة واحدة من إمضاء تلك الاتفاقية المفجعة، وبالرغم من انضمام العرب للحلفاء ضد الأتراك، إلا أن بريطانيا لم تتردد بإصدار وعد بلفور الشهير الذى مهد لإقامة كيان صهيونى فى فلسطين. لقد كان مكافأة الغرب لوقوف العرب فى صفوفهم والمساهمة فى هزيمة تركيا.

***
اليوم يطلب الغرب من العرب وضع كل إمكانياتهم المالية والبشرية والدينية لهزيمة الإرهاب الدولى، الذى ساهم الغرب بصور لا حصر لها فى إنشائه ورعايته والذى أصبح شرا دوليا فقط عندما بدأ ذلك الأخطبوط يتهدد مجتمعاتهم، ويتكلمون عن حلف مقدس جديد بين الغرب والعرب. ما أشبه الليلة بالبارحة.

لكن هل حقا أنه عندما تنتهى المعارك ضد الجهاد التكفيرى العنفى المجنون سيتعاطف الغرب مع قضايا العرب العادلة من مثل قضية الشعب العربى الفلسطينى؟ ألن يوجد ألف تبرير وتبرير لعدم المساس بالمستوطنات ورجوع اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين؟

هل سيسمح الغرب للعرب أن يتصرفوا بثرواتهم النفطية والغازية، إنتاجا وتسويقا وتصنيعا، دون وصاية وخطوط حمر أمريكية؟ هل سيسمح لفوائض تلك الثروات أن تستعمل اقتصاديا حسب مصالح الأمة العربية، أم ستوضع أمامها المحددات والعراقيل لتصب استعمالاتها فى صالح الرأسمالية العولمية التى يديرها الغرب مع حلفائه فى الشرق؟

دعنا نكون صريحين: إذا لم يتوقف العرب عن ارتكاب نفس البلادات التى ارتكبوها منذ مائة عام، ويتوقفون عن الاستعانة بالخارج ضد بعضهم البعض، ويلعبون دورا محوريا غير هامشى فى إطفاء حرائقهم بأنفسهم، وفى القفز فوق هرطقات الصراعات الدينية والمذهبية والقبلية والحزبية الضيقة، وفى التوقف عن العيش فى الماضى ومحنه ومآسيه وسخافاته.. إذا لم يفعلوا كل ذلك بروح العقل والاستنارة والقيم الأخلاقية ومنجزات العلوم، فانهم سيعيشون فواجع سايكس – بيكو جديدة كل قرن إلى أن يخرجوا من التاريخ والجغرافيا والاجتماع البشرى. وسيكون خروجا بائسا.


مفكر من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved