المنتقم

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: السبت 16 مارس 2019 - 4:40 ص بتوقيت القاهرة

ظل فيلم «المنتقم» اخراج صلاح أبو سيف 1948، مجهولا لأجيال عديدة حتى رأيناه على اليوتيوب، وقد تصورت دوما أن الفيلم مقتبس عن رواية «الكونت دى مونت كريستو». فى السينما يعتبر أحمد سالم كظاهرة خاصة كممثل ومخرج، وكاتب سيناريو، ومنتج، وفى مقالنا عن فيلم «المستقبل المجهول» ذكرنا المزيد من المعلومات، وبدا كأنما أحمد سالم قد أحس بأن الرصاصة التى تكمن فى جسده سوف تقتله، فظل يعمل بلا توقف، وأراد الاستفادة من نجاح فيلم «الماضى المجهول» الذى أخرجه عام 1946، فكان اسم الشخصية فى الأفلام التى يقدمها دوما هو أحمد علوى، وهو شخص ينتمى إلى عائلة راقية تعلم أولادها، أو ابنها الوحيد وهو دوما عالم، أو طبيب، مثل عالم الكيمياء كريستو، وهو الأبعد عن هذا الأمر تماما، فالفيلم كتب قصته ابراهيم عبود، وكتب السيناريو والحوار معا كل من نجيب محفوظ، وصلاح أبوسيف. والفيلم من انتاج أحمد سالم الذى كان يعمل بشكل مكثف.
الفيلم كله يعتمد على حكاية أحمد علوى، والحياة التى يعيشها، وقبل أن نذكر نقاطا مختصرة عن القصة، فان أحمد علوى يستعين بمن كانوا معه فى أفلام أخرى مثل محمد كامل الذى يقوم دوما بدور الخادم النوبى ادريس وبشارة واكيم، وفى العناوين سوف نكتشف اسم كمال عطية الذى كان يعمل فى تلك الفترة كمساعد مخرج، وهو هنا أيضا مؤلف أغنيات، كما أن عناوين الفيلم بها أسماء عائلية عديدة، مثل المونتيرة وفيقة أبوجبل زوجة صلاح ابوسيف وأم أولاده، كما أن الكثير من الأسماء على العناوين عملت فيما بعد فى الاخراج ومنهم محمود فريد، وكما أشرنا فى مقالنا السابق، فإن أحمد سالم أحب كثيرا مسألة الذاكرة المفقودة التى يصاب به بطله، فأحمد علوى هو الذى اصاب فقد ذاكرته، فى الماضى المجهول، أما الزوجة التى جسدتها مديحة يسرى، فهى التى فقدت الذاكرة فى «المستقبل المجهول»، بينما كان فقدان البصر هو الحدث الرئيس فى فيلم «المنتقم» باعتبار أن هناك خصومة بين الدكتور أحمد، وزميله فى الدراسة والعمل الدكتور صادق، الذى يدبر مؤامرة علمية يصاب أحمد على أثرها بفقدان البصر اثر انفجار كيميائى دبره صادق، ما يجعل الفتاة الارستقراطية إلهام ابنة صاحب المؤسسة، ويتزوجها، بعد أن ابدت الفتاة استياءها الشديد أن تعيش برفقة انسان فاقد البصر، ويظل أحمد فى حالة انتظار طويلة كى ينتقم من خصمه بالاسلوب نفسه، أى انه بعد أن يسترد بصره اثر عملية جراحية فى الولايات المتحدة، يضع كميات من محلول كيميائى فى الجهاز الذى يعمل عليه الدكتور صادق كى ينفجر فى وجهه، فاذا اضاف الباحث المزيد انفجر المعمل، الا أن أحمد علوى يتراجع عن الانتقام فى اللحظة الأخيرة، دون أن ينتقم.
الفيلم من بطولة نور الهدى التى عملت أمام سالم فى أكثر الأفلام التى قدمها، هى فى الفيلم تحمل الاسم نفسه «نور»، ويقدمها الفيلم فى صورة الفتاة الرومانسة التقليدية، التى تعمل سكرتيرة للشاب المريض، وهو دور مشابه ومكرر لادوارها فى فيلم «المستقبل المجهول» وقد ملأت الفيلم بأغنيات كتب واحدة منها الشاعر كامل الشناوى، والطيبون هنا يظلون على اخلاقهم دوما، يتلاقون معا، ويقابلون المصاعب فيتجاوزونها، ومنهم أحمد الذى يتصور أن السكرتيرة نور على علاقة حب مع شخص يأتى لزيارتها فيتعامل معها بجفاء شديد، إلى أن يعرف أنها أخته، وهو أمر مشابه تماما لما ٍرأيناه فى فيلم «ملاك الرحمة»: ليوسف وهبى 1946.. وبالتالى فاننا امام فيلم ليس فيه أى جديد، فالاشرار هم أنفسهم بمطامعهم فى الحياة مثل لولا صدقى، ومحمود المليجى، والخدم هم أنفسهم مثل النوبى محمد كامل، والعشاق هم أنفسهم مثل الأم التى تجسدها العظيمة دولت أبيض، أما بشارة واكيم فهو رجل الصناعة الذى يشع بهجة من حوله.
رغم اننا أمام فيلم من كتابة نجيب محفوظ الذى كان يكتب فى تلك الفترة روايتيه «زقاق المدق» و«بداية ونهاية»، وإخراج صلاح أبوسيف، فإن ما ذكرناه هنا يؤكد أننا امام فيلم صنعه أحمد سالم ويكاد يخلو تماما من اسلوب الكاتبين والمخرج، وأنه يخص المنتج الممثل فى المقام الأول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved