الإرهاب بين الإسلام والمسيحية!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 16 مارس 2019 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

أكتب هذه السطور ومازالت التحقيقات جارية بخصوص الحادث الإرهابى الذى طال مجموعة من المسلمين المسالمين بينما كانوا يؤدون صلاة الجمعة فى مسجدين مختلفين بمدينة «كريست تشرش» بنيوزيلندا! الحادث أسفر حتى الآن عن وفاة ٤٩ مسلما وإصابة العشرات ومنهم من هو فى حالة حرجة، بينما أعلنت الشرطة فى نيوزيلندا عن اعتقال بعض المشتبه بهم ورجحت بعض المصادر أن عدد الإرهابيين الذين نفذوا العملية أو اشتركوا فيها ربما يصل إلى أربعة أشخاص، بينما أشارت العديد من الصحف العالمية لهوية أحد الإرهابيين المتهمين بقتل المصلين فى المسجدين بينما كان يقوم بتصوير حى للمذبحة ويبثه على مواقع التواصل الاجتماعى! أتيح لى أن أشاهد مقطعا من الفيديو المتداول لعملية القتل ورأيت مشهدا أشبه تماما بالألعاب الإلكترونية، حيث يمشى قناص موجها سلاحه المثبت عليه كاميرا ليقتل كل من يقف فى طريقه!
أحد الجناة المحتملين وصفته الشرطة النيوزيلندية بالمنتمى لليمين المتطرف وهو أسترالى الجنسية لم يرتكب الفعل الإرهابى بشكل عشوائى بل قام بالتنظير والتأسيس الأيديولوجى له فى عشرات الصفحات التى كتبها قبل الحادث، التى أظهرت أنه باختصار أحد المنتمين لجماعات «التفوق الأبيض» white supremacists وهى جماعات تنتشر فى الغرب وتؤمن بتفوق الجنس الأبيض وترفض حركة المهاجرين إليها باعتبارهم من الملونين الأقل سموا وتحديدا توجه هذه الحركات خطابها المعادى ضد المسلمين باعتبارهم مجتلين وغزاة يجب محاربتهم! يؤسس العديد من الناشطين فى مثل هذه الحركات العنصرية مواقفهم على آيات من الإنجيل وبعضهم يستحضر التراث المسيحى فى تأسيس مواقفه!
***
لم تتردد رئيسة الوزراء النيوزيلندية فى وصف الحادث بالإرهابى وكذلك كان موقف العديد من السياسيين فى الغرب وكبريات الصحف العالمية وتعليقات كبار المحللين والمعلقين على الحادثة الإجرامية. فور سماعى عن الحادث قمت بالاتصال بإحدى الصديقات ممن هاجرن إلى نيوزيلندا منذ سنوات وقد طمأنتنى على نفسها وأسرتها وأكدت على تعاطف المواطنين العاديين مع المسلمين وبذل الشرطة النيوزيلندية كل الجهد لتأمين الجاليات المسلمة ودعوتهم لعدم الذهاب إلى المساجد إلى إشعار آخر خوفا من وجود هجمات أخرى لاحقة.
رغم أن الموضوع مازال يحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد لاستيعابه والحصول على معلومات كافية بشأنه، إلا أن القراءة الأولية لما حدث تثير إشكالية تقليدية حول مدى ارتباط الأعمال الإرهابية بشكل حصرى بالديانة الإسلامية وما إذا كان لفظ «الإرهاب الإسلامى» دقيق وبالتالى قد يقابله مصطلحات أخرى مثل «الإرهاب المسيحى»، أم أن المسألة قاصرة فقط على الديانة الإسلامية؟
من حيث المبدأ، لا يمكن تجاهل التاريخ، والخبرة التاريخية تقول إن الدين كان دائما ــ ولايزال ــ أحد مصادر الإلهام للعنف والقتل والسبى والإرهاب. عبر التاريخ أرتكبت العديد من المذابح فى حق الإنسانية بواسطة منتمين لأديان مختلفة إبراهيمية وغير إبراهيمية. يستوى فى ذلك الإسلام مع المسيحية مع اليهودية مع الشنتوية والهندوسية... إلخ بل وفى كثير من الأحيان كان أبناء نفس الدين الواحد يرتكبون المجازر البشرية ضد بعضهم البعض بينما يدعى كل طرف أنه الممثل الحصرى لصحيح الدين! تاريخ دول الخلافة الإسلامية ملىء بهذه المجازر ولكن تاريخ المسيحية أيضا به العديد والعديد من هذه المذابح عبر التاريخ الحديث والقديم!
شاءت خبرة شخصية بائسة ومؤذية مررت بها خلال الشهور الماضية أن أقترب أكثر من بعض المنظمات المسيحية فى أوروبا وبعضهم ممن يعمل حصريا على قضايا مسيحى المشرق، وهى قضايا مهمة قطعا ولا يمكن إنكار خطورتها أو بشاعة ما تعرض ويتعرض له المسيحيين فى العديد من البلدان العربية من تمييز وحرمان من حقوق المواطنة وقتل على الهوية... إلخ، لكن الغريب أن منصة بعض هذه المنظمات لا تقل عنصرية عن الجناة الذين ظلموا واضهدوا مسيحيى الشرق! إحدى هذه المنظمات التى قادنى حظى العاثر للتعرف على بعض أفرادها، نشرت دراسة يُفترض أنها علمية مليئة بالكراهية والتمييز العنصرى الفج ضد الإسلام ورسوله وعامة المسلمين هكذا دفعة واحدة دون أى تفرقة أو حتى أبسط درجات الفهم للدين الإسلامى ومبادئه! أوصاف عنصرية وبغيضة فاضت بها الدراسة المنشورة فى منظمة رسمية لا أعلم كيف تسمح بها قوانين الدولة التى تعمل بها هذه المنظمة!، ليس الكاتب بشخص عابر أو متعصب، بل هو أحد من يمكن وصفهم بالمتخصصين الغربيين فى دراسة الدين الإسلامى، ورغم أننى لا يمكننى أن أزعم أن كل من يعمل فى هذه المنظمة يوافق على كل ما جاء فى هذه الدراسة العنصرية، إلا أن مثل هذه الدراسات والأفكار تغذى الخطاب العام للكراهية الموجهة ضد المسلمين وغيرهم من المهاجرين باعتبارهم مجموعة من البربر يريدون غزو البلاد المسيحية لسبى نسائها والاستعلاء على سكانها الأصليين! ليست الكلمات الأخيرة من عندى ولكنها إحدى فقرات هذه الدراسة التى تصدر من بعض ممن يدعون المحبة والتسامح بينما هم لا يقلون عنصرية عن غيرهم من المتطرفين من مختلف الأديان، بعض هؤلاء المتعصبين شعارات محبتهم ليست إلا فوقية لا تقل عن فوقية المستعمر الذى يحتل ويدمر ويلتهم خيرات البلاد التى احتلها تحت دعوى التنوير!
لكن هل كانت هذه الدراسة المنشورة فى تجربتى الشخصية البائسة مجرد إنتاج فكرى فردى شاذ؟ الحقيقة لا، هناك خطاب سياسى وأكاديمى ودينى ينتمى للتيار اليمنى المتطرف الصاعد بقوة فى الغرب يحض على كراهية المسلمين صراحة ويتعمد تشويه أو اجتزاء لحظات من تاريخهم وهذا الخطاب أدعى أنه يغذى مثل هذه الهجمات ضد المسلمين الأبرياء السلميين ولا عجب أنه وبعد حادثة «كريست تشرش»، خرج أحد نواب البرلمان الأسترالى ببيان رسمى عنصرى ويحض على الكراهية صراحة ضد المسلمين والإسلام والمثير للدهشة أن أجد فقرات من هذا البيان المتطرف تكاد تكون مأخوذة بالنص من الدراسة المذكورة أعلاه! بل إن البيان يزيد فى استخدام آيات من الإنجيل فى تبرير العنف ضد المسلمين، ولولا أننى على قدر متواضع من الاطلاع والمعرفة بالإنجيل وبسيرة المسيح العظيمة المتسامحة العادلة، لكنت اقتنعت أن المسيحية تحرض على العنف والإرهاب بالفعل! لكن كم مسلم أو غير مسلم لديه نفس الفرصة من الاطلاع على المسيحية ورسالتها المتسامحة المحبة؟ بكل تأكيد مثل هذه الخطب السياسية والدينية التى تصدر من بعض السياسيين أو المثقفين المسيحيين تساهم فى تغذية التطرف والعنف والإرهاب المتبادل!
***
لا يمكن التعميم، فلا الإسلام والمسلمين إرهابيين كما يدعى صاحب الدراسة المنشورة على موقع منظمة مسيحية تدعو إلى المحبة والمساواة وهى فى حقيقتها عنصرية، ولا كما يدعى سياسى منتخب فى دولة ديمقراطية قامت بالأساس على مستعمرات البيض والبعثات التبشيرية! ولا المسيحية ديانة عنصرية تدعم تفوق الرجل الأبيض وتنظر بدونية لغير المسيحيين كما يدعى بعض المسلمين المتعصبين، الحقيقة أن بعض المتطرفين من رجال الدين والمثقفين والجماعات والمنظمات الدينية ومدعو التدين هنا وهناك هم من يتعمدون تقديم مثل هذه الأطروحات المتطرفة لتفسير كلام الله فى غير محله من أجل السيطرة على أتباعهم من الجهلاء أو المتعصبين وإقناعهم باختيار الله لهم دون غيرهم للنعيم والمنحة الأبدية!
آن الأوان لكى تنشط الجاليات العربية والإسلامية فى أوروبا وأمريكا وأستراليا وغيرها ليس فقط للدفاع عن مواقف مبدأيه أو مصالح ضيقة كبناء مسجد هنا أو هناك، ولكن للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية والمدارس والجامعات وكل منابر الفكر والرأى للرد على المخاوف بشأن المهاجرين المسلمين وللضغط على السياسيين اليمنيين أصحاب الخطب المتطرفة، كذلك فعلى الجاليات الإسلامية أن تبحث عن دمج حقيقى لأبنائها فى المجتمعات الغربية، دمج لا يرفض الآخر ولا ينظر إليه بدونية ولا فوقية، دمج لا يهدف إلى تغيير الآخر أو تبشيره بالإسلام، بقدر ما يهدف إلى فهم واحترام ثقافات الآخرين وقيمهم الحضارية من أجل تعايش مشترك تحتاجه البشرية بشدة فى هذه الأيام، وللحديث بقية.

أستاذ مساعد العلاقات الدولية الزائر، جامعة دنفر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved