فى كل ظلام نور.. ومع كل تحدٍّ فرصة

هنا أبوالغار
هنا أبوالغار

آخر تحديث: الإثنين 16 مارس 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

جاء وباء الكورونا ليذكرنا أننا أمام المرض سواسية، فلم تسلم منه دولة لغناها أو تطورها، مخاطره تكمن فى سرعة انتشاره وتضاعف عدد المصابين السريع حيث أن مع زيادة عدد المرضى يزيد الحصد الإجمالى من الضحايا عددا بالرغم من أن نسبة الوفيات ما بين ١ــ٢ بالمائة (قد تكون أقل) وأغلبيتها فيمن هم فوق السبعين عاما ويعانون أمراض الجهاز التنفسى.
الإنسانية مدينة لعشرات الأوبئة المماثلة التى حصدت أرواحا بالملايين فى القرنين الأخيرين وما تعلمناه منها. وجود جهات مثل منظمة الصحة العالمية (WHO)، ومؤسسات بحثية ضخمة مثل مركز السيطرة على الأمراض فى الولايات المتحدة (CDC)، والجامعات والمراكز الطبية البحثية القومية فى كل بلد لدراسة ومتابعة ظهور وانتشار أمراض جديدة سواء كانت هذه الأمراض معدية (يسببها ميكروبات: فيروسات، بكتيريا، فطريات، طفيليات…) أو كانت أمراض غير معدية لكنها تصل فى انتشارها إلى حد الوباء مثل مرض السمنة والبول السكرى وتصلب شرايين القلب، دفعت العلماء للبحث عن حلول فى هيئة تطعيم، أو دواء، وفى اكتشاف طبيعة الميكروبات وطرق إرشادات عامة لمكافحته وعلاجه ويعد ذلك كله من أهم أسباب تطور صحة الإنسان على مدى القرن الماضى وطول متوسط عمر البشر فى يومنا هذا.
فمثلا نسب وفيات الأطفال تحت خمس سنوات كمقياس لتطور المنظومة الصحية وتنمية مجتمع بأسره (عدد الأطفال من كل ١٠٠٠ مولود فى عام بعينه متوقع أن يموتوا قبل عيد ميلادهم الخامس)، وقد انخفضت فى مصر خلال خمسين عاما من ٢٥٠ فى عام ١٩٦٨ إلى ٢٢ طفلا فى الألف فى عام ٢٠١٨، وفى البلدان الأكثر تنمية مثل السويد كان عدد الوفيات ١٤ فى الألف فى عام ١٩٦٨ وأصبحت ٢,٨ فى ٢٠١٨. ويعود هذا إلى اكتشاف ثم تطوير صناعة التطعيمات والمضادات الحيوية (والتى انتهت فاعلية كثير منها بسبب سوء استخدامنا لها). بالإضافة إلى محلول معالجة الجفاف الذى، بالرغم من بساطته، أنقذ حياة عشرات الملايين من الأطفال.
***
أصبح الالتهاب الرئوى البكتيرى يتصدر السبب الأهم للوفاة دون الخامسة ثم تليه الوفيات المرتبطة بالنزلات المعوية، ومازال تطعيم الطفل المصرى ضد المكورات الرئوية خارج التطعيمات الإجبارية لوزارة الصحة المصرية وذلك لارتفاع سعره، كما أن مصر لم تدخل تحت مظلة منحة الـ«جافى» للتطعيمات، وهى تحالف مكون بالأساس من مؤسسة ميليسا وبيل جيتس التنموية ومعها منظمة الصحة العالمية والبنك الدولى واليونيسف وهم يغطون تطعيمات أطفال من ٧٦ دولة بناء على متوسط دخل الفرد فى هذه الدول. أخذت مصر خطوات جيدة بإضافة تطعيم الإنفلونزا البكتيرية المسبب لوفيات من الالتهاب السحائى والرئوى وكلنا أمل أن يلحق بهم تطعيم المكورات الرئوية الذى باستطاعته أن يخفض عدد الوفيات دون الخامسة وينقذ حياة عشرات الآلاف من الأطفال. كما أنه سيوفر ملايين الجنيهات فى علاج الأطفال من النزلات الشعبية والالتهاب الرئوى وهم يملأون أَسرة المستشفيات الحكومية والجامعية والعنايات المركزة فى أنحاء الجمهورية كل شتاء.
جدير بالذكر أن ٣ ملايين طفل يموتون كل عام قبل سن الخامسة بسبب أمراض متعلقة بسوء التغذية وهم يشكلون نصف وفيات هذه الفئة العمرية فى العالم ومعظمهم يموتون من أمراض معدية مثل الالتهاب الرئوى أو النزلات المعوية نتيجة لتأثيره السلبى على المناعة. وبالتالى الاستثمار فى غذاء أطفالنا خاصة فى المرحلة من ٦ أشهر حتى عمر المدرسة سينقذ أرواحا كثيرة.
أما الشباب فى الفئة العمرية من ١٥ــ٢٥ عام سواء فى العالم أو فى مصر، فالسبب الأول فى الوفاة هو الحوادث، سواء كانت حوادث سيارات، أو حوادث نتيجة وقوع من أماكن مرتفعة أو التعرض لحوادث أثناء اللعب أو الرياضة، والسبب الثانى هو الانتحار حيث أن نسب التوتر والقلق والضغوط الموضوعة على الشباب فى هذا العمر فى المدارس والرياضة التنافسية، وقلقهم على مستقبلهم فى عالم قاسٍ شديد، ومصر لديها أحد أعلى معدلات حوادث السيارات فى العالم.
***
ما سبق يعنى أن لدينا فرص كبيرة لمنع أمراض تحصد أطفالنا وشبابنا تستحق منا الوقت والجهد والمال ورفع الوعى بها مجتمعيا وإعلاميا.
نحن ننسى أن أجسادنا لديها قدرة رائعة على حمايتنا حتى من الكورونا، وكثير من «الأعراض» التى نحاول أن نسيطر عليها ومنعها هى فى الحقيقة جندى فى جهازنا المناعى، فالرشح هو زيادة فى إفرازات النسيج المبطن للأنف هدفه غسله، كذلك دموع العين، والبلغم الذى يبدأ فى التكوين فى جهازنا التنفسى العلوى والسفلى هدفه طرد الميكروبات. ارتفاع درجة حرارة جسمنا هدفها تغيير المناخ الداخلى ليصبح غير مناسب لتكاثر الفيروسات والبكتيريا. بالإضافة فإن بداخل جهازنا الهضمى والتنفسى ملايين الميكروبات الحميدة التى تتصارع مع الميكروبات الدخيلة المرضية لتدافع عنا بطرق عبقرية هذا الجيش نبنيه على مدى حياتنا ونقتل جزء منه مع كل مرة نأخذ فيها المضاد الحيوى (المضاد الحيوى منقذ لنا فى حالات مرضية ومؤذٍ فى حالات أخرى ويجب ألا يؤخذ إلا بأمر من الطبيب). وهذه الميكروبات الحميدة تتغذى على الأكل الصحى الذى لم يتعرض للتصنيع، الفاكهة، الخضروات، الجبن، الزبادى الغير مصنع، الدقيق الغامق فى العيش والمكرونة، إلخ كل ما به ألياف. نستطيع أن نمنع انتشار الأمراض إذا ما استخدمنا الميديا فى شرح أن جسمنا يفرز الميكروبات فى سوائل جسد المريض. ففيروسات الجهاز التنفسى تنتقل بالرزاز مع العطس والسعال وإفرازات الأنف، أما ميكروبات الجهاز الهضمى فتنتقل عن طريق قاعدة الحمامات الملوثة وأيدى المتعاملين مع الأكل. هذه الميكروبات تبقى لساعات عدة على الأسطح وتنتقل إلى كل من يلامسها.

فلماذا الكورونا فرصة؟
لأننا فى لحظة لدينا انتباه المجتمع والميديا الكامل واستعداده لاستيعاب نصائح صحية عامة ستحميه من أمراض أكثر انتشارا وأكثر خطورة على المدى الطويل على أطفالنا: مثل أهمية غسل اليدين بالماء والصابون كل ساعة إلى ساعتين فهذا يحمى الفرد وكل من حوله. أن نعطس أو نسعل فى كوعنا وليس فى أيدينا حيث ننقل بها الرزاز إلى الآخرين. أن نحترم مرضنا ودورنا فى حماية الآخرين منه ونبقى فى البيت عندما يظهر علينا أعراضه (فتأخذ المدارس والحضانات وأماكن العمل الإجازة المرضية مأخذ الجد ولا تستقبل الأطفال المرضى). أن تكون عاداتنا الغذائية جيدة فنضمن بناء جهاز مناعى قوى. وأن نثمن التطعيمات ونرتكز فى قراراتنا بخصوص تطعيم أبنائنا على أبحاث موثقة وليس مقالات فى مجلات غير علمية. أن نسعى كمجتمع ودولة لإدخال مصل المكورات الرئوية فى تطعيمات وزارة الصحة.
أن نرفع من الوعى بضرورة مواجهة أسباب التوتر والاكتئاب والقدرة على تشخيصه من قبل كل من هم مسئولون عن سلامة الأطفال والشباب سواء فى البيت أو المدرسة أو العيادات الطبية، ثم التعامل معه بجدية كمرض يحتاج علاجا.
التركيز على الاستثمار فى سلامة الطرق المصرية بشكل علمى ومدروس، أن تتحمل الدولة مسئوليتها فى تطوير الطرق وتطبيق قانون المرور، والأسرة والمدرسة المسئولية فى تعليم الأطفال قواعد السلامة فى المرور، لبس حزام الأمان سواء فى الكرسى الأمامى أو الخلفى، وضع الأطفال دون الخامسة فى كرسى سيارة خاص بسنهم، تعليم الأطفال قواعد عبور الشارع ومعنى إشارات المرور.
نبذل جهدا رهيبا فى البحث عن المعلومة واتخاذ اللازم للوقاية من الكورونا، وهو أمر هام، لكن علينا واجبا طويلا جدا فى حماية أبنائنا من مخاطر يمكن تفاديها تحصد عشرات الآلاف من الضحايا سنويا من كل الأعمار هى أخطر علينا وعلى أبنائنا من الكورونا وتستحق نفس القلق وأكثر.
فإذا كانت الكورونا سببا أن نغير من أنفسنا، فشكرا لها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved