درس الجاسوس الإسرائيلى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الخميس 16 أبريل 2009 - 5:01 م بتوقيت القاهرة

 حينما نجحت إسرائيل فى أن تسلب أمريكا أعز ما تملك من أسرار تكنولوجية وعسكرية، على يد جاسوسها الشهير جوناثان بولارد.. لم يتعد رد الفعل الأمريكى أكثر من تقديمه للمحاكمة التى حكمت عليه بالسجن المؤبد حيث لا يزال قابعا فيه منذ عام 1984 وحتى الآن!

لم تقطع أمريكا علاقاتها مع إسرائيل، ولم تلغ إحدى صفقات الأسلحة بينهما، ولم تنقص دولارا واحدا من معوناتها الاقتصادية إليها.. فواشنطن تدرك أن التناقضات بينها وبين إسرئيل أقل بكثير من تناقضاتها مع العالم العربى، وأن إسرائيل تلعب دورا مهما فى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وبالتالى فقد وضعت القضية فى حجمها، بدون زيادة ولا نقصان.

ورغم أن بولارد لم يكن أول الجواسيس الإسرائيليين على أمريكا ولن يكون آخرهم ـ وإن كان بالفعل أخطرهم ـ حيث نجح فى تهريب ألف وثيقة أمريكية سرية إلى إسرئيل.. فإن حكايته ربما تكون درسا ينبغى أن نضعه فى الاعتبار ونحن ننظر إلى ما فعله حزب الله فى مصر ومحاولته تهريب أسلحة إلى حماس فى غزة.

حزب الله نفذ «عمليته الأخيرة» فى مصر، انطلاقا من كونه حزبا له طبيعة مزدوجة.. نصفه حزب سياسى براجماتى، يدخل فى تحالفات مع قوى مسيحية وعلمانية وسنية، ويقبل أنصاف الحلول من خلال اشتراكه بنواب فى البرلمان وبوزراء فى حكومات لبنانية مختلفة.

أما نصفه الآخر فهو حزب ثورى يعمل تحت الأرض بميليشيات عسكرية مدربة تدريبا جيدا، ومسلحة على أفضل مستوى عرفته البشرية فى حرب العصابات. وهذا النصف المختفى عن الأنظار له حسابات أخرى نجح حسن نصر الله فى توظيفها على أفضل ما يكون خلال حرب 2006 ضد إسرائيل وألحق بها، كما قال هو شخصيا عن حق: هزيمة استراتيجية.. زلزلت كل النظريات العسكرية السابقة، وأثبت الحزب أن الجندى المسلح بالصواريخ فى بيئة جغرافية مناسبة، يمتلك قوة تفوق أحدث ما فى ترسانة الجيوش الأمريكية من أسلحة!

وقد تكون هناك مفاجآت فى التحقيقات مع خلية حزب الله، إلا أننى شخصيا لا أستطيع أن أصدق ما كتبه بعض الزملاء فى الصحف الحكومية من أن هذه الخلية كانت تخطط للقيام بعمليات إرهابية ضد مصالح مصرية تتضمن تفجير مواقع استراتيجية، وأن اعترافها بتهريب الأسلحة إلى حركة حماس فى غزة كان مجرد تغطية لهذه العمليات.. فالحزب الذى استطاع أن يقهر الجيش النظامى الإسرائيلى بعمليات بطولية خارقة لا يمكن بسهولة أن يلوث سمعته بعمليات إرهابية رخيصة يخسر فيها كل رصيده فى الشارع العربى بل واللبنانى أيضا.. ليتحول إلى حركة إرهابية منبوذة!

ومع أنه قد لا يمكن الدفاع عن الخطأ الذى ارتكبه حزب الله.. لكن الحفاظ عليه قويا وصلبا يصب بالقطع فى مصلحة القاهرة الاستراتيجية، فهو على أقل تقدير أحد كوابح التحرش الإسرائيلى بسوريا أو إيران أو حتى.. مصر نفسها!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved