بطل يشبهنا كثيرًا..

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 16 أبريل 2011 - 9:43 ص بتوقيت القاهرة

 صدرت مجلة «توك توك» للقصص المصورة قبل ثلاثة أشهر وقد تصدَّر غلافها عسكرى المرور بكامل هيئته بما فى ذلك (الشُرط) التى تميزه على أكمام البدلة والتى قيل فى بعض معاجم اللغة أن اسم «الشرطة» اشتق منها. اصطف إذًا على الغلاف ليحرر المخالفات للمواطنين، ممتعضا وقاطبا حاجبيه بشكل ملحوظ كما لو كان يقول لهم: «ضبطكم، وكل شىء مدون هنا عندى!».

يختلف هذا الشرطى عن زميله الذى ظهر على غلاف العدد الثانى من المجلة ذاتها والذى يتناول الثورة فى مجمله، وقد كشف عن أسنانه الحادة وضغط فكه إلى أسفل واكتست ملامحه بالغضب، خرج هذا الأخير عن شعوره ووقف مع رجال الأعمال والإعلام والبلطجة والسلطة فى مواجهة فيس بوك الشعب.

الفنانون الشباب الخمسة (شناوى، مخلوف، قنديل، رحمة، توفيق)، الذين يشكلون مجلس تحرير المجلة ومصدر تمويلها الوحيد، استدعوا تلقائيا أيقونة العسكرى من الذاكرة البصرية واستخدموها كرمز فلكلورى للسلطة، تماما كما فعل رسامون آخرون ومنهم الراحل بهجت عثمان فى سلسلته الكاريكاتورية الشهيرة «حكومة وأهالى» ببداية الثمانينيات. فقد اختار بهجت للتعبير عن هذه الثنائية شخصية عسكرى البوليس الذى يرتدى البدلة الميرى ويبرم شاربه كالصقر ليكون ممثلا للحكومة فى مقابل الفلاح المصرى بالزعبوط والصديرى نائبا عن الشعب. بطلا بهجت متطابقان فى الملامح رغم اختلافهما فى الزى، كلاهما من عينة الأبطال المحبطين أو البطل المضاد. كذلك هو الحال بالنسبة لنموذج البطل فى «توك توك»، الذى يعانى دائما من نقص ما ويروى ما حدث له ثم يعاود الكرة إلى نقطة البداية، وكأنك يا أبوزيد ما غزيت! بالاختصار بطل يشبهنا كثيرا.

هناك تماس دائم بين الحالة الراهنة وسخرية الشارع وما تسجله القصص المصورة (كوميكس) أو الفن التاسع كما يسمونه، فهو وسيلة خلاقة لكتابة التاريخ وتوثيقه معنية بشدة بالتفاصيل اليومية التى تنضح بها الرسومات من خلال خط درامى واضح، تماما كما لو كنا نشاهد فيلما ونتعرف على ملامح الحياة فى فترة محددة بواسطة الملابس والديكور والخلفيات، إلى ما غير ذلك. تغير تعبير وجه العسكرى مثلا من عدد إلى آخر من مجلة «توك توك» له دلالاته، ومشهد الفتيات المحجبات وهن يلتقطن صورة مع دبابات الجيش فى الشوارع ــ كما سجله شناوى برسوماته ــ سيظل عالقا بالذاكرة الخاصة بأيام الثورة والتحرير. أما موقعة «أم الكراتين» كما رسمها أنديل قد تذكّر الكثيرين بما حدث لهم ليلة 27 يناير أثناء مرورهم بمنطقة وسط البلد بمحض المصادفة! يعى الرسام الشاب ذلك جيدا ولا يريد الانصياع «لهوجة الثورة» والإنتاج الفنى، فلكى تكتسب هذه الذكريات المصورة المزيد من العمق والأبعاد الاجتماعية والسياسية يحتاج المبدع إلى وقت، والتاريخ علمنا كذلك أن الحكم على الأشياء يحتاج إلى وقت...

الرسامون الخمسة ظلوا حتى أواخر شهر فبراير غير قادرين على العمل، يتساءلون هل يجب تناول ما حدث بالرسم أو مجرد الانضمام إلى الملايين ومشاركتهم الإحساس بالثورة؟ ثم انتابتهم حالة من الحماسة وأنجزوا هذا العدد من المجلة الذى يحمل إلينا روحا مصرية خالصة، رغم أصول فن الكوميكس ومرجعياته الغربية.

قد يطول الوقت بنا أو يقصر إلا أن فى نهاية الأمر سيكون لدينا ربما العديد من مطبوعات القصص المصورة المختلفة أو أعداد تذكارية منها تحتفى بالثورة المصرية، كما حدث فى فرنسا بالنسبة لثورة 1968، فيتناولها الرسامون بالبحث والتمحيص أو المراجعة من خلال نظرتهم النقدية الساخرة ومفرداتهم المنتمية لعصر التوك توك المزدحم بالحكايات المصورة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved