قطعة البازل الناقصة

باسم يوسف
باسم يوسف

آخر تحديث: الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:52 م بتوقيت القاهرة

أنبهر بالطريقة التى يفصل بها الإسلامى الحقائق على مقاسه. فهو دائما يذكرك بما يحدث فى بلاد الفرنجة الكافرة كدليل على عدالة مطالبه. ولكنه حين يفعل ذلك يتجاهل الصورة الكاملة ويأخذ جزءا صغيرا جدا من الحقيقة كقطعة بازل صغيرة ليثبت وجهة نظره.

مثال لذلك حين يتكلم معك عن دور الدين فى الدولة. فهو يتباهى بالمعلومة المحفوظة أن ملكة بريطانيا هى راعية الكنيسة وأنه لا يمكن أن يأتى ملك من خارج طائفة البروتستانت. أو أن هناك ست عشرة دولة فى العالم يذكر دستورها أن المسيحية هى الديانة الرئيسية للدولة. ثم يفرح ويطنطن باكتشافه لهذه القطعة الصغيرة كدليل على أن حتى الدول العلمانية لا تفصل الدين عن السياسة. ولكنه يتجاهل بقية الصورة أن الملك فى بريطانيا يملك ولا يحكم وليس له أن يتدخل فى التشريعات ولا أن يفرض أمرا دينيا على الناس. وأن بقية هذه الدول تذكر المسيحية كدين دولة فى الدستور ولكنها لا تفرض على الناس أحكاما دينية وتحتفظ بطابعها المدنى الذى يساوى بين الناس على أساس إنسانى وليس دينيا.

ثم يستمر الإسلامى فى إبهارك بمعلوماته المنقوصة. فيملأ الدنيا صراخا على منع المآذن بسويسرا ومنع النقاب فى فرنسا والمظاهرات المناهضة لبناء ما عرف باسم مسجد الحادى عشر من سبتمبر فى نيويورك. كل هذه الأحداث كافية ليدشن البكائيات عن حال الإسلام المضطهد فى العالم وعن أحوال المسلمين البائسة تحت الحكم العلمانى الشرير..

ولكننا اذا نظرنا للصورة الكاملة فنجد أن أول من هب للدفاع عن النقاب هم الفرنسيون أنفسهم. وأن رشيد نكاز الجزائرى الأصل الفرنسى الجنسية كان رأس الحربة فى هذه المعركة.

ولكنهم كالعادة نشروا لرشيد نكاز صورة يمشى فيها بجانب منتقبة وقالوا عليها زوجته وأنه مسلم غيور على دينه. وكل هذا غير صحيح فهو شخصيا ضد النقاب وعلمانى حتى النخاع. بل إن الصندوق الذى أنشأه لدفع الغرامات للمنتقبات أطلق عليه «صندوق الدفاع عن العلمانية والحرية» وقد فعل ذلك لأن الحريات لا تتجزأ عندهم فهو مؤمن بحق المرأة فى ارتداء ما تحب ولكنه فى نفس الوقت ضد فرضه عليهم من ازواجهم فهو يدافع عن السيدات اللاتى ترتدين النقاب اقتناعا وليس قسرا حتى لو كان النقاب الذى لا يعد من ركائز الإسلام بل وحوله جدل كبير بين المسلمين أنفسهم إن كان فريضة أم لا.

نفتح العدسة أكثر لنجد أن المسلمين فى فرنسا أو سويسرا لم يتعرض أحد لشعائرهم أو مساجدهم أو إمكانية الدعوة للإسلام. وأن حظر المآذن فى سويسرا لم ولن يطول المساجد والاعتراض كان على مظهر معمارى. وان ٤٨٪ من السويسريين اعترضوا على هذا القانون واعتبروه سبة فى تاريخهم.

نفتح العدسة أكثر وأكثر فنرى أن اليمينيين المتطرفين فى نيويورك الذين اعترضوا على بناء مسجد الحادى عشر من سبتمبر بدافع العنصرية والكراهية وبمساندة قناة فوكس نيوز وباقى ماكينة الإعلام اليمينى فى أمريكا قد تمت مواجهته ليس فقط عن طريق المسلمين ولكن عن طريق اليسار الديموقراطى الأمريكى والليبراليين بل واليهود الإصلاحيين ومنهم جون ستيوارت مقدم «الدايلى شو» فى امريكا الذى هاجم ايضا حظر بناء المآذن فى سويسرا.

ولكن الإسلامى يتجاهل كل ذلك ويتجاهل الحريات الممنوحة للمسلمين فى بلاد الغرب الكافرة ويركز على الاستثناءات التى لا تمس صميم العبادات مثل حظر النقاب فى دولة أو بناء المآذن فى دولة أخرى. ويتناسى أيضا ان هذه القرارات الشاذة جاءت كرد فعل لخطاب الكراهية الدينى الموجود فى أوروبا وامريكا على يد كثير من الشيوخ المتطرفين. فماذا سيكون رد فعلك إن كنت إنجليزيا أبا عن جد مثلا وسمعت واحدا مثل أبو حمزة يكفر الإنجليز ويحرض عليهم وهو يعيش فى حمايتهم وكنفهم ويخطب فى مساجدهم. قس على ذلك الكثير من الأمثلة المتطرفة التى لفظتها بلادها واستقرت فى بلاد الغرب «لتعكنن عليهم».

ولكن الصورة الأكبر التى يتناسها الإسلامى منشغلا بقطعة البازل الصغيرة أن الحريات التى يزعم أن الغرب انتزعها من المسلمين هناك لا تقارن بكم الحريات التى انتزعها من يحكمون باسم الاسلام فى بلادنا. فنحن نعطى لأنفسنا الحق فى الدعوة للإسلام فى دول الغرب الكافر ونوزع المصاحف فى شوارع لندن وباريس وبرلين. ولكننا هنا نعتبر التبشير جريمة، ودخول السياح الإيرانيين نشرا للتشيع، ونحاصر بيتا تردد أن مسيحيين قد أقاموا فيه صلوات، ونحرق بيتا آخر لمجرد أن مواطنا مصريا بهائيا يعيش داخله. بل إن بعض الدول قد تقبض على مسيحيين وهم يحتفلون بالكريسماس فى بيوتهم.

تخيل لو ان أيا من ذلك حدث فى هذه البلاد للمسلمين. وهو أن حدث فى أكثر البلاد عنصرية فإن القانون والدستور لا يقبله ويعاقب من يقوم به حتى لو كان مرتكب الجريمة من أغلبية هذا البلد.

يمكنك أن تتباكى على الحريات المسلوبة كما شئت، وان تلهى الناس بالتركيز على قطعة البازل الصغيرة. ولكن حتما سيأتى يوم ستنظر إلى الصورة كاملة وتدرك أن مجتمعاتنا هى المثال العصرى للعنصرية وعدم التعايش وكراهية الآخر. ستدرك أن المسلمين الذين تدافع عنهم وتستخدمهم كدليل على مدى عنصرية الغرب يفضلون ان يظلوا هناك على الرجوع لهذه المجتمعات التى تسمى إسلامية وقد نزع منها العدل والتسامح والتعايش الذى هو أساس هذا الدين.

ربما أولى بنا كمسلمين أن نتباكى على العنصرية والكراهية التى تفشت فى مجتمعاتنا. أولى بنا أن نتباكى على دين لم يعد يعيش بيننا إلا بمظاهره. أولى بنا أن ندع المسلمين فى الغرب لحالهم. بدوننا هم افضل كثيرا. بدوننا الدين أفضل كثيرا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved