أولوية الإجابة على أسئلة الحاضر

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 16 أبريل 2015 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

فى لقاء فى بيروت مع أخوة من المفكرين والمثقفين العرب طرحت السؤال الآتى :

ما هى مهمة مراكز البحث والدراسات العربية ومن فى داخلها وخارجها من المفكرين والمثقفين العرب فى الوقت الحاضر الذى تعيشه الأمة العربية؟ هل يستمرون فى نحت منحوتاتهم الفكرية الكبرى، مثل العقلانية والحرية والعلمانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وغيرها، أم يتفرغون للإجابة على أسئلة هامة جديدة طرحتها حراكات وتفاعلات ونتائج الربيع العربى، وأصبحت على ألسنة الكثيرين من شباب تلك الحراكات؟

الأسئلة الجديدة التى تطرح ليست فى معظمها معنية بأفكار وأهداف وأحلام الأمة النظرية الكبرى التى نوقشت عبر القرنين الماضيين والتى تقبع فى أفق المستقبل البعيد، ليس لأن تلك الأفكار والأهداف والأحلام غير بالغة الأهمية وأن الوصول إليها يمكن تأجيلة، وإنما لأنهم كمناضلين وثوار يتحسسون طريقهم يوميا فى معارج وظلمات الحاضر الراهن الذى يصرخ فيهم: وماذا عن الحاضر والغد القريب؟

لقد ذكرت مثالا صارخا لسؤال يطرحه على أنفسهم يوميا الكثير من المواطنين وشباب حراكات الربيع العربى: إنه سؤال الديمقراطية.

إنهم يقولون إن أحداث السنوات الأربع الماضية قد أظهرت أن الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية مشابهة لتلك الأنظمة الممارسة فى المجتمعات الديمقراطية العريقة تتحداه جوانب من تاريخ الأمة ويتحداه الواقع الذى أفرزه ذلك التاريخ.

فتاريخ الحكم فى كل بلاد العرب، قديما وحتى حديثا أحيانا، قام على مبدأى الغلبة والاستئثار بالسلطة. ومن أجل إضفاء الشرعية على ذلك كان لابدُ من الاعتماد على جماعة ما فى المجتمع، أحيانا أقلية وأحيانا أكثرية، تقدم على غيرها وتمنح امتيازات مادية ومعنوية أكثر من غيرها لأسباب عرقية أو مذهبية أو قبلية أو مصلحية زبونية بحتة.

ونتيجة لكل ذلك وجدت فى مقابلها جماعات أخرى تشعر بالغبن والظلم والتهميش، وهى تختزن فى باطنها الجمعى غضبا يجعلها غير قادرة على انتظار مجىء الديمقراطية الكلاسيكية لتنصفها من خلال مفاهيم المواطنة المتساوية وغيرها.

إنها تريد المشاركة فى السلطة والامتيازات فى الحال لرد تلك المظالم وإنهاء ذلك التهميش.

•••

ويطرح ذلك الواقع العربى سؤالا آخر يتعلق بكيفية التعامل مع أنظمة الحكم التاريخية الممتدة فى القرون العديدة الماضية وكيفية احتواء ذلك، بتراضٍ ودون عنف، فى الأنظمة الديمقراطية المستقبلية.

من هنا يتساءل هؤلاء المواطنون والشباب عن نوع من الديمقراطية الانتقالية، المبنية على التصالح والتشارك والتمثيل الانتخابى فى آن واحد، بحيث تكون مدخلا مؤقتا يسبق الوصول إلى الديمقراطية الكلاسيكية الناضجة.

هنا يأتى الدور المطلوب لمراكز الدراسات والمفكرين وهو تقديم إجابات عن تلك التساؤلات فى القريب العاجل. ولعلهم ينطلقون للوصول إلى الإجابات المطلوبة من دراسة نقدية لبعض المحاولات العربية فى بلدان من مثل تونس والمملكة المغربية ومصر والأردن، وصولا إلى تصورات قابلة للتطبيق ومؤدٍية فى النهاية إلى انتقال مجتمعات العرب إلى الديمقراطية السياسية والاقتصادية العادلة التى طرحت حراكات الربيع العربى بعضا من شعاراتها.

وينطبق الأمر على تساؤلات أخرى تطرح نفسها بقوة فى الوقت العربى الحالى المتأزم وتحتاج إلى إجابات عملية تفصيلية. هناك سؤال عن كيفية الخروج من التشرذم النضالى السياسى الحالى فى المجتمعات المدنية العربية والانتقال إلى تكوين جبهات أو تحالفات أو تيارات قوية وفاعلة فى الحياة السياسية على المستويين الوطنى والقومى. إنها أسئلة عن مكوٍنات تلك التحالفات وطرق بنائها وأساليب عملها. وفى قلب تلك التساؤلات موضوع التفاهم بين القوى القومية واليسارية والليبرالية العربية وبين قوى الإسلام السياسى الديمقراطى المعتدل وبناء أسس لتجنُب الصراعات العبثية الطفولية التى لا تخدم الانتقال إلى الديمقراطية وإنما تصب فى خدمة الثورات المضادة وقوى الاستبداد.

إن الحفر فى الأشكاليات التى تطرحها تلك الأسئلة يجب أن يوضع فى قمة الأولويات. وذلك أن عدم تقديم إجابات مقنعة وعملية منهجية سيبقى المواطنين، محليا وعربيا، فى حيرة وبلبلة تؤدى إلى نكوصهم لحالة اللامبالاة والخوف التى هدفت حراكات الربيع العربى خروج الأمة منه.

إن معرفة الأهداف الكبرى والإيمان بها دون معرفة منهجية ومراحل التوجه إليها والوصول إلى تحقيقها هو وضع غير صحٍى ومدمٍر للسياسة. مهمة مراكز الدراسات والمفكرين والمثقفين ألا يسمحوا بدوران أمة العرب فى تلك الدائرة المفرغة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved