من غرائب الشائعات

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 16 أبريل 2017 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

لم تجف دموع الحزن على ضحايا تفجير الكنيستين فى طنطا والإسكندرية، ومع ذلك انتشر فى مصر سيل من الشائعات التى تهز الثقة فى كل ما جرى. وليس مستغربا أن تنتشر الشائعات فى بلد تشيع فيه البلبلة والثرثرة، خصوصا بعدما أصبح بمقدور أى أحد أن تكون له جريدته الخاصة، وقناته التليفزيونية التى هو مديرها ومذيعها. مع ذلك فأزعم أن شائعات هذا الزمان تميزت بأمرين. أولهما أن غير المعقول فيها أصبح ينافس المعقول والمقبول. وثانيهما أن غير المقبول صار له من يصدقه ويروج له.
أحدث ما صادفته من ذلك القبيل اتصالات تلقيتها من أناس محترمين وتساؤلات سمعتها من أناس لا أعرفهم فى الشارع تساءلوا عما إذا كان حادث تفجير الكنسيتين مدبرا ليكون ذريعة لإعلام الطوارئ وإسكات كل الأصوات وتمرير كل ما تريد السلطة تمريره من قضايا عالقة أو متعثرة. بعض الذين حدثونى لم يكونوا يتساءلون، ولكنهم كانوا يرون القصة عن اقتناع بخلفيتها. وهؤلاء كانوا يستندون إلى خبر قيل أن إحدى الصحف الكويتية قد نشرته، وتحدثت فيه عن أن الشاب الذى فجر كنيسة طنطا كان داعشيا يعمل بالكويت، لكن السلطات الكويتية ألقت القبض عليه وقامت بترحيله إلى مصر. إلا أن الأجهزة المعنية المصرية لم تكترث به وأطلقت سراحه، وقد اختفى الرجل لبعض الوقت ثم تبين أنه «أبو فلان» الذى فجر نفسه فى الكنيسة.
أحد المحترمين الذين حدثونى وعبروا عن تصديقهم للقصة قال إن مصر حين تتسلم داعشيا من الكويت ثم تتركه مطلق السراح فإن ذلك يصبح أمرا غريبا للغاية، لأن المعتاد فى مثل تلك الحالة أن يتم احتجازه هو وأهله وأصدقاؤه، حتى يتم التحرى عنهم جميعا، وبعد سنة أو اثنتين أو ثلاث يطلق سراح الأهل والأصدقاء، ويضم المذكور إلى المتهمين فى أى قضية. وليس مستغربا أن يتم استنطاقه لكى يعترف بكل ما يريده منه المحققون.
سألت صاحبى عما إذا كان واثقا من صحة الخبر الذى قيل أن الصحيفة الكويتية نشرته، فكان رده أن ذلك لم يحدث، إلا أن تسلل الحوادث التى تلاحقت بعد ذلك يؤيد صحة الخبر. وخص بالذكر من تلك الحوادث قرار إعلان الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر لترهيب الجميع وإسكاتهم، ثم مسارعة مجلس النواب إلى تشغيل ماكينة الموافقة على الطوارئ، وعلى التعديلات التى اقترحت على قانون الإجراءات الجنائية. ثم عرض الاتفاقية الخاصة بجزيرتى تيران وصنافير على البرلمان فى ذلك التوقيت بما يضمن الموافقة عليها وتحدى قرار المحكمة الإدارية العليا بأبطالها. أضاف أن المسارعة إلى إصدار تشكيلات المجالس الثلاث المختصة بضبط الخطاب الإعلامى ووضع حد للسخط الحاصل فى مصر بسبب تفشى الغلاء وتعالى مؤشرات الإحباط السياسى. وهى قرائن تؤيد أن التفجير كان مفتعلا ومدبرا، وأن الصدمة التى أصابت المجتمع جراء التفجير أذهلت الناس وجعلتهم على استعداد لتقبل أى إجراء يسهم فى وقف الإرهاب وقمع الإرهابيين.
محترم آخر أضاف إلى ما سبق أن تطبيق الطوارئ فى مصر كان الحل الوحيد الذى يمكن فى ظله تمرير «صفقة القرن» التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بالتفاهم مع الرئيس الأمريكى الجديد الساعى إلى تحقيق «الإنجاز» وفاء منه لإسرائيل ولتغطية فشله فى سياساته الداخلية.
استغربت أن تنتشر الشائعة على ألسنة البعض. واستغربت أيضا أن يكون آخرون على استعداد لتصديقها. ولم أجد لذلك تفسيرا إلا أنه ناشئ عن تفاقم أزمة ثقة المجتمع. والحاجة الملحة إلى ردم الفجوة المتسعة بينه وبين السلطة. وإذ أزعم أن بيان النفى لتلك الخلفية الذى أصدرته وزارة الداخلية حسم الأمر، رغم أنه تأخر عدة أيام، إلا أن أزمة اهتزاز الثقة التى كشفت عنها التجربة تحتاج إلى دراسة لأنه ليس «فى كل مرة تسلم الجرة». ذلك أن نفى الواقعة إذا كان ميسورا، فإن تصحيح المناخ أكثر تعقيدا وصعوبة..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved