«دنيا الماس».. الفوضى الممتعة

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 18 أبريل 2020 - 2:17 م بتوقيت القاهرة

إلى أى مدى يمكن أن تقامر فى الحياة؟ بداخل كل منا مقامر، نعم، لكنها تخضع دائما لطبيعة شخصيتنا وعواطفنا المتباينة، ولقدرتنا الذهنية ومدى تطابق ما نقامر عليه مع صفاتنا النفسية، ومدى قدرتنا على مواجهة الحياة.
أنا بطبيعتى أعيش واقعى بالفطرة، مقامرا بما تمليه على أحلامى ومشاعرى وأحاسيسى وأسكن داخل وجدانى، ألتقط جزءا من النجاح أو عدم التوفيق يشكل حالة رضا دون أن أحاول أن أهزم أحدا أو أهزم.
ولكن هناك مقامرون حقيقيون فى الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مثل شخصية بطل فيلمنا المدهش uncut Gems أو «دنيا الماس» للمخرجين جوش وبينى سافدى، الذى يركز بعمق على عقلية وسلوك شخصية المقامر، المولع بالمقامرة والرهان، بالأحجار والماس طبعا، طموح للغاية، يريد أن يسيطر على كل تفاصيل حياته وعواطفه المتباينة التى لا تهدأ مثل احداثه بين التوتر والانفعال والابتهاج وتدمير الذات، وهو ما نجح فيه باقتدار بطله الممثل آدم ساندلر بأدائه الفعال والرائع فى تقمصه، ليجعلنا نعيش معه قصة مغامرته بكامل انفعالاتنا شكلا ومضمونا وربما يكون واحدا من افضل ادواره على شاشة السينما،
يجسد ساندلر فى الفيلم الذى ينتمى إلى الكوميديا السوداء فى ابهى صورها التشويقية، دور هاورد هانتر تاجر مجوهرات شره ومدمن للعبة فى نيويورك، حيث يمتلك متجرًا صغيرًا للمجوهرات فى منطقة الماس فى مانهاتن ولديه عدد قليل من الموظفين.
فى الأحداث عام 2012، قضى هانتر معظم حياته المهنية محاولا التغلب على المراهنين، وتلاحقه الكاميرا بسرعة من البداية إلى النهاية وكأنها تسجل لهثه وشغفنا به كفرد وكرجل محاط بدراما عائلية مفككة، حيث لن تتوقف عن مشاهدته والتعاطف معه والأمل فى أن يصل لما يريده.
يعيش هانتر حالة قلق دائمة بسبب العوامل المحيطة من حوله، التى صنعها جميعا بنفسه، فهو يقيم علاقة خارج إطار الزواج مع موظفة فى محله، هى جوليا فوكس ويطارده هاجس أن تكشفه زوجته دينا «إيدينا مينزل» التى سئمت من اهماله. مطارد ايضا من قبل عصابات المراهنات التى اقترض منها، ويماطل فى سداد ديونه. كما يعيش بداخله لحظات الإخفاق فى عقد صفقات تجارية، ويخيل للمشاهد أنه سيغمى عليه نتيجة تراكم تلك العوامل التى جعلت من حياته جحيما لا يطاق، فهو مطارد طوال الوقت.
فى الفيلم نرى لاعب كرة السلة الأمريكى، الشهير كيفين جارنيت، لاعب فريق بوسطن سيلتيكس المتقاعد حيث يجسد شخصيته الحقيقية بشكل أخاذ، وهذا أفضل أداء تمثيل واقعى لشخصية رياضية حقيقية فى تاريخ السينما المعاصر، وكأن المخرجان ارادا أن نشعر بأن هؤلاء البشر حقيقيون، حتى لو جرت الأمور بسرعة ولم تستطع إدراك كل شىء، لكنك ستشعر بهذه الأصالة الحقيقية فى النهاية وما يجعلنا نلمس تلك الواقعية ان الأخوان سافدى قد صورا كل المشاهد تقريبا فى مواقع حقيقية، منها مشاهد خارجية فى شوارع مدينة نيويورك.
تبدأ الأحداث بوصول حجر كريم خام متلون من منجم فى إثيوبيا، إلى هاورد الذى يظن أن قيمته تصل إلى مليون دولار عندما يسجله فى صالة مزاد. وعندما يزور جارنيت وحاشيته محل هاورد أثناء وجود الفريق فى المدينة للعب ضد المضيف، يُغرم جارنيت بالحجر الكريم، ويطلب من هاورد أن يستعيره لبضعة أيام مقابل رهن خاتم بطولة الرابطة.
يخوض جارنيت مباراة حامية معتقدا أن الحجر الكريم لديه قوى سحرية تجلب الحظ السعيد للاعب، وبالتالى الفوز فى المباريات. ويقرر الاحتفاظ به مدة أطول، بالمقابل يأخذ هاورد ــ الذى لا يقل جنونا عن جارنيت وغير قادر على السيطرة على حياته، وعاجز عن التغلب على إدمانه المراهنة، خاتم البطولة الخاص باللاعب ــ ويرهنه بمبلغ ضخم مشروط بفوز فريق جارنيت أى سيلتكس. بالإضافة إلى المراهنة على اللاعب نفسه وتسجيله أهدافا. لو نجحت المراهنات سيتحرر هاورد من ضغوط حياته وشبح الإفلاس، ولو فشلت فهو ميت.
الفيلم يشعرك بدوار أثناء مشاهدته نتيجة اسلوب إلقاء الصدمات فى وجهك كمتلقٍ، حتى ولو كانت مغلفة بالفوضوية، وهو النهج الذى سار عليه الأخوان سافدى، وتغوص الكاميرا داخل أعماق منجم ألماس، ثم تغوص داخل توترات هانتر وكأن الحجر الذهبى يؤصل لتغذية الجشع داخل الإنسان والانبهار بكل ما هو ثمين ويلقى به إلى الهلاك.
فى الفيلم هناك أكثر من ملمح فنى تصب كلها فى صلب حبكة الموضوع، فالحوارات متداخلة، حيث نجد ان أكثر من شخصية تتحدث فى وقت واحد، حالة من الصخب لهواجس وحواس مرتعشة وشعور بجنون له حساباته من الغش والكذب لزوج سيئ عاشق غيور لا يستطيع التوقف عن المقامرة والإغراق فى الديون وكأنه نوع من البوح بالارتجال، حتى الصورة والألوان الرائعة لداريوس خوندجى تنقلنا لزمن كاشف لعصر المراهنات وتلهمنا به، فالسينما افضل شىء للسفر عبر الزمن، وهو التفرد الذى تتميز به سينما الأخوان سافدى فى السينما الأمريكية حيث يرهقانا بالامتاع إنهما لا يهتمان بالأفلام السهلة والمألوفة فى حكايتها ولا بالشخصيات الاخلاقية التى تمنحنا العظة بل مشغولون ببث الضوضاء المزعجة وعليك ان تقبل نموذجها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved