عالمنا الذى نكاد أن نفقد!!

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الخميس 16 أبريل 2020 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب «لبيب قمحاوى» على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك مقالا تناول فيه كيف أن فيروس كورونا سيغير من شكل العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولى، ليس هذا فحسب بل وكيف سيغير الوباء من طبيعة علاقات البشر الإنسانية والاجتماعية، وما هى أهم القضايا التى يجب أن ينصبَّ عليها اهتمام قادة العالم بعد انحسار هذا الوباء.. نعرض منه ما يلى.
أين عالمنا اللذيذ الجميل المتفائل الذى حظينا به واعتدنا عليه، ونراه الآن ينسل من بين أيادينا ونكاد أن نفقده أو نفقد معظمه؟
عند انتهاء وباء الكورونا تماما فإننا سنفتح أعيننا على عالم جديد. وهذا سيكون عالما منهكا مصدوما مرعوبا خارجا من قمقم الحجر الصحيّ أو الموت العارم. عالمًا جديدًا يسير بين الرماد وعلى أنقاض عالم قديم منهار وحضارات وقِيَم تمّ سحقها جميعا تحت أقدام وباء الكورونا بلا رحمة. حتى العلاقات الإنسانية والترابط العائلى ستكون قد دُمّرت تحت وطأة خطر الموت الجزافى أو الانعزال والتباعد الاجتماعى عن الآخرين تجنبا لذلك الخطر.
العقيدة والإيمان والتراث والموروث الحضارى بأشكالهم المختلفة سوف يصبحون جزءًا من الماضى الذى فشل تماما أمام جبروت وباء جرثومى صغير حقير فى حجمه، تحدى الإنسان وقيمه ومعتقداته وانتصر عليها جميعا، وإلى الحد الذى جعل من إنسان ما بعد الكورونا كائنا خائفا مرعوبا مفزوعا ومفجوعا فى آدميته وإنسانيته وفى افتقاره المفاجئ الجديد إلى القدرة على حماية نفسه وعائلته وكل ما يحب ومن يحب، وإلى الحد الذى أُرغم فيه على الابتعاد عنهم حتى ينجو بنفسه وحياته.
إذا تفاقم الوباء وطال واستفحل، فإن إنسان ما بعد الكورونا قد يعيش وحيدا ويموت وحيدا. لا عزاء للناس ولا أفراح لهم أيضا. الصلاة الجماعية وشعائر العبادة لجميع البشر سوف تتقلص، وشعائر الموت والفرح كما نعرفها سوف تختفى.
المال والجاه والمنصب والنفوذ كل منها سوف يفقد أثره كقيمة وكدرع حماية لأى شخص وبحيث يصبح من يملك ومن لا يملك سواء بسواء أمام الخطر الفاجع فى واقعه والمفجع فى نتائجه.
سوف نفتقد جميعا حميمية العلاقات الإنسانية التى اعتدنا عليها ومنها صداقات الطفولة والمدارس والجامعات. سنفتقد مشاعر الحب والكراهية، واللقاء والهجر، والسلام والعناق، ولمس الآخرين ولمسهم لنا، والمبنية كلها على التواصل بين البشر. سنفتقد إنسانيتنا وما يجمعنا وما يفرقنا. سنفتقد جمال الدنيا وتحدّى العمل ومتعة السفر. سنفتقد ما نعرفه وتربينا عليه لصالح ما لا نعرفه ونسعى إلى اكتشافه. التوحد والوحدة الموحشة ستكون النتيجة الحتمية للعزل والتباعد الاجتماعى خصوصا إذا ما طال أمد ذلك العزل والتباعد وشمل أوجه الحياة المختلفة بما فيها التعليم والعمل ليصبح كل شيء عن بعد. حتى متعة التسوق ابتدأت تنسحب لصالح التسوق عن بعد، مستبدلين بذلك لذة لمس المشتريات وفحصها بالاكتفاء بالنظر إلى صورتها وقراءة المعلومات عنها.
يعيش العالم الآن وللمرة الأولى الواقع الخيالى الذى تم عرضه سابقًا من خلال العديد من الأفلام السينمائية الخيالية عن العالم الموحش المتوحش فى حقبة ما بعد أى وباء جرثومى مُفترَض. وقد يكون فى ذلك درسا للبشرية فى أهمية الاتفاق على ما هو فى خير ولخير البشرية عوضا عن تخصيص موارد الأرض وخيراتها لخدمة وحشية الإنسان وطمعه وحروبه العبثية، واستنزاف موارد الطبيعة لمنفعة القلّة دون أى احترام لندرتها وأهميتها لمستقبل البشرية جمعاء.
إن أهمية الاستثمار فى قضايا البيئة والمحافظة على نظافتها وعلى التوازن الطبيعى فى هذا العالم المزدحم بالبشر هى قضايا يجب أن تحتل الصدارة فى عالم ما بعد الكورونا، وعلى البشرية أن تتعلم الدروس التى طالما تجاهلتها بأن الأرض والأجواء هى ملك للبشر وليس للأمم الغنية فقط، وأن الثروة والموارد الطبيعية هى كنز لا يُعوّض وأن على البشر مسئولية المحافظة عليها.
عالم ما بعد الكورونا، بكل ما له وما عليه، سيكون فى واقعه من صنع أيادينا وهو النتيجة الحتمية لما فعلناه من سوء. إنه الدرس الذى يتوجب علينا جميعا أن ننقله إلى الأجيال الجديدة بصراحة وشجاعة ودون أى مواربة. البكاء والعويل والتحسر والندم لن يعيد لنا ما فقدناه أو نكاد أن نفقده. المطلوب الآن هو تعلم الدروس من أخطائنا والتأكد من أن تلك الأخطاء لن تتكرر، ومسئولية الشعوب فى حسن اختيار قادتها، خصوصا قادة الدول الكبرى المؤثرة على مستقبل العالم، تبقى فى هذا السياق.
أرضنا الجميلة الكريمة المعطاءة قد حوّلها بنى البشر إلى مكبّ للنفايات وللمواد السامة ومخلفات الحروب، أساءوا إلى طبيعتها وحيواناتها ونباتاتها وأجوائها وطيورها ومياهها، وجعلوا منها كوكبا فى طريقه إلى الموت، ورحما لكل عيوب البشر ونقائصهم وجبروتهم وأنانيتهم المفرطة فى كل ما يريدون ويرغبون حتى ولو كان فى ذلك دمار الأرض وخيراتها.
الكوكب الأزرق النابض بالحياة فى طريقه الآن ليصبح كوكبا أسود تفوح منه رائحة الموت والفناء، ما لم يستيقظ بنى البشر ويصحى ضميرهم، أو ما تبقّى منه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved