مراجعة 13 أبريل.. نقد الذات

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 16 أبريل 2022 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا بتاريخ 14 أبريل للكاتب طلال سلمان تناول فيه ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية الـ47 وأسباب الصراع والشرخ بين المواطنين ومحاولات الطوائف اللبنانية الاستقواء بالخارج.. نعرض منه ما يلى.

لم يكن 13 أبريل 1975 يوما مفاجئا لى. عندما غادرت منزلى فى شارع أسعد الأسعد فى الشياح، كعادتى كل صباح، متوجها إلى «السفير» فى نزلة السارولا فى الحمرا، كنت أرى فى الشوارع والأزقة والأحياء الضيقة وجوها كئيبة وقلقة، فالناس تركض إلى يومياتها من خبز ومأكل ومشرب وملبس، وما لم يكن مُنتظرا أن يكون هذا تاريخ بداية حربنا الأهلية التى اندلعت شرارتها الأولى من شارع قريب من منزلى فى عين الرمانة.
ما سبق 13 أبريل هو تأسيس بكل معنى الكلمة لتلك الحرب، بمعنى أن فكرة الانفجار الأهلى كانت شبه مُتيقنة لا بل مُنتظرة. فلقد كان الشرخ كبيرا بين اللبنانيين أنفسهم وبين فئة منهم وبين الفلسطينيين.
ولو أردنا أن نكون منصفين أكثر لقلنا أن التأسيس لتلك الحرب وضعت مداميكه الأولى فى العاصمة المصرية عام 1969. اتفاق القاهرة كان بالشكل يُراد له أن ينظم علاقة ما بين الدولة اللبنانية ممثلة بجيشها وعماده إميل البستانى وبين منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بزعيمها ياسر عرفات (أبو عمار) بعدما ألقت الثورة الفلسطينية بأعباء حضورها فى المشهد اللبنانى، ولعل هذا الاتفاق ساهم فى تسريع الانفجار بسبب تداخل القضيتين اللبنانية والفلسطينية وتشابكهما وهو أمر لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا.
ليس الوقت مناسبا لنكئ الجراح ولكن من المفيد للأجيال الطالعة والمقبلة أن نقول إن فلسطين هى المقدس؛ القضية؛ والإرادة. ولأنها كذلك، كنا وما زلنا وسنبقى معها غير أن ذلك يستدرجنا إلى سؤال 13 أبريل اللبنانى. تلك البوسطة «الحافلة» البلا سلاح كانت مجرد ذريعة، فحجم التناقضات الداخلية كان كبيرا وقد بلغ ذروته، وما مرور «البوسطة» فى عين الرمانة إلا ذريعة فهل كان هذا المسار ليوصلنا إلى فلسطين؟ حتما لا. وإذا قبلنا بتلك المعادلة، فإنها حتما تبعدنا عن فلسطين ولا تقربنا منها أبدا.
كان لبنان منقسما على نفسه بقضاياه الكبرى (موقعه الإقليمي) والصغرى (الصلاحيات والتوازنات والسلطات.. إلخ). ولعل خطورة لحظة عين الرمانة أنها جعلت كل لبنان على صورة هذا الحى، فالفلسطينى اللاجئ موجود فى طرابلس والجبل (ضبية وتل الزعتر) وبعلبك وصيدا وصور وبيروت وكل شرارة فى أى من هذه الأمكنة ستجعله على تماس مع كل البيئات اللبنانية، وهذا الأمر سيشكل خطرا على وجود الفلسطينيين وقضيتهم. ومن نافل القول إن حماستنا لقضية فلسطين بلغت حدا جعلنا ننظر إلى الأمور على طريقة الأسود والأبيض أو الـ«مع» والـ«ضد»، فكان أن غابت المراجعة والنقد وكدنا أن نُضيع القضية. كان علينا أن ندرك أن تداعيات شرارة عين الرمانة ستصل إلى كل بيت لبنانى وفلسطينى، وهذا ما حصل. مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين والمخطوفين والمفقودين والمهجرين والمهاجرين ودمار مدن وقرى ومخيمات.. إلخ.
لقد اختصر العنوان الفلسطينى كل تناقضاتنا، فصار إحساس المسلمين أن التصدى للنظام اللبنانى الذى ظلمهم منذ تأسيس الكيان فى عشرينيات القرن الماضى يكون بالارتماء الأعمى فى حضن الثورة الفلسطينية.. وصار إحساس المسيحيين بأنهم لا يستطيعون الدفاع عن امتيازاتهم و«نظامهم» إلا باختراع عدو خارجى لهم.. إلى أن أدركنا جميعا أن العامل الفلسطينى صار عاملا داخليا مقررا.. فى لحظة تورم لبنانى، فكان الانفجار الكبير. صار السلاح الفلسطينى قوة للمسلمين وعنوان خوف للمسيحيين، فكان لجوء «الجبهة اللبنانية» إلى سوريا الرئيس الراحل حافظ الأسد، أى استدراج عامل خارجى فى مواجهة عامل خارجى آخر.
نعم، ربما حملنا جميعا بلدنا لبنان أكثر من قدرته على الاحتمال. من احتمى واستقوى بالعامل الفلسطينى ومن قرر أن يستقوى بخارج آخر وصولا إلى إسرائيل فى العام 1982. وهذا الأمر يستوجب الإضاءة على نقطة جوهرية مهمة.
نظامنا اللبنانى فى صلب تكوينه ولادة استدراج للخارج، أى خارج، إلى ساحتنا الداخلية. أكاد أقول إن من ركب نظامنا ــ وليس اللبنانيون من ركبوه حتما ــ جعل فى صلب تكوينه عاملا مضمرا هو العامل الخارجى، سواء بحاجة كل طائفة إلى سند خارجى أو الاستعانة بخارج يتولى إدارة البلد وتقرير من يكون رئيسا للجمهورية وللحكومة أو من يُعين وزيرا أو نائبا أو مديرا عاما أو ناطورا وصولا إلى صيغة البلد التى تجعل اللبنانيين عاجزين دائما عن إدارة أمورهم، فيصبحون مضطرين للجوء إلى الخارج، وهذه حكاياتهم مع كل المراحل التى تلت استقلالهم الوطنى الناقص حتى يومنا هذا.. من بشارة الخورى إلى ميشال عون.
اخترت أن أطل على مناسبة الذكرى الـ 47 للحرب الأهلية اللبنانية بشىء من النقد لعله يكون مدخلا لأن نمنع حروبا جديدة يحاول البعض أن يهدد اللبنانيين بها.
أنا لست خائفا من تجدد الحرب الأهلية، ذلك أن من يستطيع خوضها لا يريد ومن يريد أن يجر لبنان ويغامر ويقامر كعادته ليس قادرا. معادلة دقيقة وخطيرة وحساسة تكفى لكى نكون مطمئنين إلى سلم أهلى سيبقى ناقصا إذا لم يحصنه اللبنانيون بالتوصل إلى صيغة جديدة، سياسية ــ اقتصادية ــ اجتماعية تفتح الباب أمام التغيير المنشود وتنهى حقبة من الفساد أورثت البلد ما أورثته من ديون وعجوزات، فكان الانفجار الاجتماعى فى 17 أكتوبر 2019.
صحيح أن لبنان لم يكن يوما من الأيام دولة ولا كان مستقلا ولا سيدا ولا حرا لكنه بموقعه الجغرافى وشعبه سيبقى عصيا على الفتنة وأهل الفتنة.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved