أبعد ما يكون عن رفض الخدمة العسكرية.. الحقيقة وراء عرائض جنود الاحتياط

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 16 أبريل 2025 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

بعكس ادعاءات «آلة بث السموم»، فإنه لا توجد فى عريضة جنود الاحتياط أى دعوة إلى رفض الخدمة العسكرية. ماذا يوجد فيها؟ يوجد فيها تعبير واضح عن فقدان الثقة الكلى فى رئيس الحكومة والحرب السياسية التى يديرها فى غزة. إن قوات الاحتياط ــ جنودا وضباطا ــ ليسوا عميانا، إنما يقرءون الواقع جيدا، ولا ينجرون وراء الشعارات الفارغة كـ«النصر المطلق»، ولم يعودوا يصدقون الشعارات بشأن إعادة الرهائن. وانعدام الثقة هذا خطر أكثر كثيرا من المطالبات بعدم الامتثال للخدمة، لأنه عندما يتضح أن الرهائن الأحياء قُتلوا فى خطوة قادتها الحكومة، فإن الأزمة ستكون أخطر كثيرا.

 


نتنياهو أخطأ، وكتاب العرائض ليسوا «أعشابا ضارة»، إنهم أفضل ما فى هذه الدولة. إنهم ذاتهم الذين رأوا الكارثة تقترب حين جرى الدفع بالانقلاب الدستورى، وحذروا من هذه الأفعال. وحده الانغلاق والاستعلاء هو ما قادنا إلى كارثة 7 أكتوبر، وليسوا هُم. رئيس الحكومة هو المسئول، والآن يكرر الإخفاقات ذاتها التى قادتنا إلى الكارثة. إنها الحسابات الغريبة ذاتها التى وجهته سابقا وجعلت من وضعه أخطر، والآن لديه مزيد من الأسباب التى تدفعه إلى الهروب وتوجيه أصابع الاتهام والكراهية إلى كل من يقول له الحقيقة ولا يمطره بالإطراءات.
يجب ألا نبحث عن «الأعشاب الضارة» بعيدا، إنهم يتواجدون حول رئيس الحكومة، وَهم مجموعة من المتملقين تزرع السموم والكراهية والتفرقة وتحيط به. لم يسبق فى تاريخ إسرائيل كلها أن شهدنا حكومة منتفخة وغير مجدية إلى هذا الحد، وتتضمن أشخاصا بلا عامود فقرى يتمسكون بالسلطة.
يدعى رئيس الحكومة أن الشعب اختاره، لكن 70% من هذا الشعب لا يصدقه، إنما لا يصدقون أنه يعمل من أجل إعادة الرهائن، ولا يصدقون الميزانية غير المسئولة، ويطالبون بلجنة تحقيق رسمية، ويعرفون جيداً أنه لن يتحمل المسئولية أبدا.
هذه الحرب كاذبة ولا تهدف فعلا إلى إعادة الرهائن، إنما تهدف إلى احتلال قطاع غزة كخطوة للمحافظة على الائتلاف، وبالتالي، فإنها ليست حربا شرعية، إنما هى حرب بلا إجماع، وعاجلا أم آجلا ستفقد بقايا الدعم فى الجمهور الإسرائيلى. وهذا قبل الحديث عن الجيش الذى يُرغَم على القتال فى حرب تتناقض مع أهدافها. هذا استغلال للجنود. ونتنياهو يفهم هذا جيدا، لذلك يوزع الشعارات بأن هدف القتال هو إعادة الرهائن، ويعمل فى الوقت نفسه على احتلال غزة وإفشال خطوات إعادة الرهائن.
إنه يصرح يوما بعد يوم بوجود «دولة عميقة»، ويهاجم مؤسسات الدولة ومن يدير هذه المؤسسات، ويرفض مبدأ فصل السلطات. أين رأينا سابقا رئيس دولة يقف على منابر دولية ويهاجم دولته؟ الأشخاص الذين كانوا فخورين جدا بإسرائيليتهم يواجهون صعوبة اليوم فى تصديق انعدام المسئولية الذى يحدث أمامهم، ويتساءلون إلى أى مناطق مظلمة سنصل لاحقا.
عقيدة الأمن الإسرائيلية دائما ما كانت تخصص مكانا للوقت كأساس للاستراتيجيا وقياس النجاح أو الفشل، ولذلك كانت الرؤية الأساسية هى السعى لـ«حروب قصيرة». سابقا، تم التعامل مع الحروب التى امتدت لأسابيع على أنها حرب طويلة عبّرت عن ضعف الجيش فى الحسم. أما هذه الحرب فى المقابل، فقد تجاوزت كُل معيار البعد الزمني، وتُدار من شعار إلى شعار، ومن «النصر المطلق» إلى «أصبحنا على بعد خطوة من النصر» والآن «المفاوضات تحت النار». وأسبوع بعد أسبوع، يتحول إلى شهر بعد شهر ونحن نقاتل منذ عام ونصف العام العدو حماس. هذه الحرب ليست معقولة وغير منطقية، وتعبر ببساطة عن إحباط الذين يعدوننا بالأمور الكبيرة ويواجهون صعوبة فى تحقيقها. أساسا، هذه حرب سياسية يتطابق جدولها الزمنى مع جدول حياة الائتلاف، ومعزولة عما يحدث فى منطقة القتال.
الشرعية الوحيدة هى شرعية الرهائن، لكن نتنياهو لا يستطيع إعادتهم إلا بالعودة إلى مخطط الاتفاق الذى قرر خرقه. نتنياهو يفضّل استنزاف الجيش وعدم إعادة الرهائن، وهو ما يُمكن أن ينهى له الحرب مبكرا، والجيش فعلا يُستنزف. وهيئة الأركان الجديدة، لأنها تُريد إثبات ذاتها وقدرتها على تحقيق إنجازات أفضل، تعمق حالة التخبط فى مستنقع غزة. ومرة تلو الأخرى، يعود الجيش إلى المناطق ذاتها التى تواجد فيها، ويقتل المزيد. ومن دون أهداف وجدول زمنى للوصول إليه، لا يمكن حتى قياس نجاح الجيش، والواقع يبدو مختلفا الآن؛ فوظيفة رئيس هيئة الأركان هى أن يطلب من الحكومة وضع أهداف واضحة يمكن قياسها وجدول زمنى يمكن التزامه. وبدلا من ذلك، فإن الجيش يؤخذ فى حرب غير واضحة إلى طريق بلا هدف واضح للعيان.
من واجب الشعب أن يقول كلمته بكل الطرق القانونية، ولا حق له فى خرق القانون كما تفعل الحكومة. يجب أن يكون الجمهور أفضل كثيرا من مستوى قياداته التى فقدت الشرعية منذ زمن. ويجب القيام بكل ما هو ممكن لإجراء الانتخابات الآن، لا يوجد لدى الشعب الكثير من الوقت، ولديه الكثير ليخسره عندما يسرقون أمواله ويضعون حريته فى خطر ويرسلون أبناءه وبناته إلى حروب ليست ضرورية.

 

يسرائيل زيف

قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved