(بسلامتكم)

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 16 مايو 2010 - 10:34 ص بتوقيت القاهرة

 بينما كان خمسة، ستة وزراء يتمايلون طربا، ويصفقون على أنغام أغنية «سلامات» للمطربة نادية مصطفى، والتى شدت بها بمناسبة شفاء الرئيس مبارك وعودته سالما، فى حفل عيد العمال يوم الخميس الماضى. بينما كان الوزراء منهمكين فى حفل عيد العمال، كان أصحاب الحفل ينامون على رصيف مجلس الوزراء بدون عشاء.

وربما لا يملك الواحد منا فى هذه المناسبة سوى أن يحسد اتحاد العمال على جرأته فى تنظيم هذا الحفل، الذى كانت مصاريفه تكفى وحدها لحصول العمال «المرميين» على الأسفلت على رواتبهم سواء فى شركة النوبارية، أو المعدات التليفونية، والتى لم يصرفوها منذ شهور طويلة. أو على الأقل كانت هذه المصاريف تكفى لإطعام هؤلاء العمال شهرا، هم وزوجاتهم وأولادهم الذين تركوهم فى بيوتهم بدون ولا مليم يعيشون على القروض.

لو كان وزير واحد من هؤلاء الذين قضوا ساعات ليلا فى الاستماع إلى الأغانى العاطفية لزوم حفل العمال، كان فى صباح اليوم التالى قد تحامل على نفسه، ووقف ولو للحظات، وهو خارج من بوابة مجلس الوزراء، واستمع لأحدهم، وهو يسأل سؤالا مشروعا أنا ذنبى إيه أن الحكومة باعت شركة المعدات التليفونية على مساحة 63 ألف متر على النيل لمستثمر متجبر، وأهدته معها عقدا يضمن له توريدا لمعداتها لوزارة الاتصالات لمدتين وصلتا إلى 7 سنوات، يعنى عقد يأكل منه الشهد؟.

ولم يكتف المستثمر بالشهد فطلب المزيد. وكان المزيد عبارة عن قروض من البنوك بضمان الأصول، أدت إلى هد حيل الشركة. أما ما هو أكثر كثيرا من الشهد فهو بيع أرض الشركة، والذى يصل سعر المتر فيها إلى 8000 جنيه.

ولذلك أوقف المستثمر الشركة منذ عام، وأوقف رواتبنا دون أى ذنب. فلا إحنا اللى بعنا الشركة، ولا إحنا اللى أغلقناها. وبعد كل ده نفاجأ بالوزيرة عائشة عبدالهادى تقول فى كل مكان إن وراءنا تيارات سياسية، وهى الحكاية محتاجة تيارات سياسية علشان نعرف أن الحكومة بترمى الشركات بعمالها فى الشارع؟. وإن الوزيرة نسيت أنها كانت فى يوم من الأيام عاملة زينا؟.

ولو كان وزير واحد منهم قد أضاع من وقته دقيقتين، ونزل من المرسيدس لسمع كلاما عن العروض الجائرة التى تأتى من السيدة الوزيرة والتى تسميها (اختيارية) ولكن تأتى مصحوبة بتهديدات تجعل منها عروضا (إجبارية). سيقول أحد العمال لك ياسيادة الوزير إن عائشة جاءت لعمال المعدات التليفونية بعرض أن ينتقلوا للعمل فى الشركة المصرية للاتصالات. ولكن بشرط أن يقدموا استقالاتهم أولا من الشركة، وأن يقبلوا أن يوقعوا على عقود جديدة، مثلهم مثل العاطلين، وكأن سنوات عملهم كأن لم تكن. وإذا لم يقبلوا فالنوم على الرصيف لن يزعجها كثيرا.

لو كان وزير واحد من الوزراء الرومانسيين من محبى الأغانى العاطفية خاصة فى عيد العمال، قد أوقف سيارته وأزاح الستارة السوداء من على النافذة، دون حتى أن ينزل منها. وأشار لأحد العمال من شركة النوبارية، والذى احترقت بشرته من الشمس، وأعصابه من الحكومة لكان قد سمع كلاما جعله بعدها يكف تماما عن سمع الأغانى لا العاطفية، ولا حتى المارشات العسكرية.

كان سيجد من يحكى له عن المستثمر الذى اشترى 70% من أسهم شركة النوبارية، واعتبر بعدها أن الشركة أبعدية لأسرته. فراح يبيع الأفدنة التى وفرتها الحكومة للشركة، وأوقف تنفيذ العقود التى كانت الشركة قد حصلت عليها فى توشكى، وبدأت فى تنفيذها، تاركا المعدات والماكينات فى العراء، مضيعا على الشركة الآلاف من الجنيهات. وقرر وقف الشركة. فى نفس الوقت أخذ يقايض الحكومة بمنتهى العنجهية على أن تعيد له 5000 فدان، كانت الحكومة قد سحبتها منه لعدم جديته فى استصلاحها. وإلا لن يعيد فتح الشركة. ليس هذا فقط بل عندما تم استدعاؤه لحضور لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب لحل مشاكل العمال، لم يسترع هذا الأمر اهتمامه.

فلم يحضر، ولم يعتذر، ولم يرسل حتى ممثلا عنه. وبدلا من أن يثور مسئول هنا أو هناك لعدم اعتداد المستثمر بهيبة المجلس التشريعى، وجدنا أن ممثل وزارة الزراعة جاء إلى الاجتماع بموافقة من وزير الزراعة على أن يتم تخصيص 5000 فدان، تلبية لرغبة المستثمر. ويبدو أنها بمثابة مكافأة على غطرسته. ومرة أخرى رأى المستثمر أن العرض لا يستدعى التعليق. فلم يرد بقبول أو رفض عرض الحكومة السخى (5000 فدان)..

وإذا لم يكن لدى أحد من السادة الوزراء وقت يضيعه فكان من الممكن لأحدهم أن يتصل وهو فى طريقه إلى غذاء أو عشاء عمل هاتفيا على المحمول بأحد عمال النوبارية ويسمعه وهو يقول له كيف أنه فكر مرارا بعد أن سدت أمامه جميع السبل أن يقطع طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، عند مقر الشركة بالمعدات والجرارات والأوناش، ولكنه فى كل مرة كان يتراجع عن فكرته خوفا من أن يؤدى تعطيل الطريق إلى موت مريض وهو فى طريقه إلى المستشفى أو تعطيل موظف أو عامل عن عمله.

أما إذا أبطأ وزير من الوزراء الذين سهروا فى الحفل إياه، وتنصت على العمال فلعله يسمع أحدهم يقول بالحرف «حرية إيه؟ وديمقراطية إيه الزفت دى اللى بيتفاخر بها رئيس الوزراء من قاعدتنا هنا؟ طيب ياريت يقعد معانا ويجرب عيشة الحرية» وستسمع بعدها ياسيادة الوزير كيف تكون «الحسبنة» عندما تكون من القلب.

ولأنه ليس من المنتظر أن واحدا منكم سيسمع للعمال، فكان عليكم أن توجهوا لهم الشكر على الأقل، فى نهاية هذا الحفل. لإنهم لم ينغصوا عليكم صفو حفلكم، أويسرقوا فرحتكم بسلامة الرئيس، ولكن تركوكم وحدكم تحتفلون بعيدهم، واكتفوا هم «بسلامتكم».

okamal@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved