الصحفيون فى مصيدة الكراهية

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الأربعاء 18 مايو 2016 - 10:31 ص بتوقيت القاهرة

بادرنى الحلاق بسؤال مباغت نزل على رأسى بوقع أكثر حدة من مقصه المسنون: إيه حكايتكم يا صحفيين مع الداخلية، هو أنتم بقى مش ها تلموا الدور وتخلوا البلد تمشى، كفاية بقى عاوزين الدنيا تزهزه، ونطلع لقدام؟».


على صفحتى على «الفيس بوك» تلقيت تعليقات غاضبة اضطررت لحذف بعضها لما تحمله من شتائم وبذاءات مباشرة للصحافة والصحفيين، تعليقا على الأزمة مع وزارة الداخلية ردا على اقتحام الشرطة لمقر النقابة للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، وهى الأزمة التى لا تزال تراوح مكانها من دون حل حتى الآن.


بين الأهل والاصدقاء من خارج الوسط الصحفى، كانت نبرة الانتقاد ملموسة، والغضب على الصحفيين لا يمكن انكاره، الغاضبون جميعا يرون أن الصحفيين متعالون، ويعتقدون أن على رأسهم ريشة، ويسبغون قداسة على نقابتهم وكأنها بيت الله الحرام فى مكة المكرمة، الذى لا يجوز دخول الشرطة إليه لتنفيذ القانون.


وقفت وحدى قبل أيام على سلالم النقابة، فرمقنى عدد من المارة بنظرات توحى بكراهية دفينة للمبنى ومن فيه.. هنا ادركت بل تيقنت أن حملة جنرالات الإعلام المصنوعة قد آتت أُكلها، بعد أن نفثت برامج «شيطنة الصحفيين» سمومها فى الفضاء المجتمعى، وألصقت بالصحفيين ونقابتهم كل نقيصة، واتهمتهم زورا بالمسئولية عن كل كوارث مصر منذ الاحتلال البريطانى وحتى اليوم.


فى الحديث مع بعض الاصدقاء لمست خلطا واضحا بين الصحفيين ومن يجلسون أمام كاميرات الفضائيات الذين طفوا على السطح فى غفلة من الزمن، وهم لا يدركون الفرق بين «الخبر وكوز الذرة»، فرأينا ممثلين من الدرجة العاشرة، ومنتحلى صفة الإعلامى وهم يقدمون أسوأ مثال للإعلام الهابط، ولا يتورعون عن توريطنا فى المشكلات من وقت لآخر مع دول شقيقة أو صديقة، وهم يظنون أن التحامق يمكن أن يخدم بلدا.


نعم هناك بعض «صحفيى الحواوشى»، تسللوا فى ظروف غامضة أو حتى مفضوحة إلى نقابة الصحفيين لكن هؤلاء يظلون قلة القلة، ولا يمثلون القاعدة الحقيقية للصحفيين الذين يكدون ويكدحون بأمانة وتجرد، متمسكين بقواعد مهنتهم التى لا تعرف الكراهية وتحريض فئة ضد فئة فى المجتمع، ولا يتطوعون للدس والوقعية، بحثا عن مكسب هنا أو غنيمة هناك.


وقفت النقابة، نقيبا ومجلسا وفى ظهرهم غالبية الصحفيين، فى مواجهة التجاوز على القانون، ورفع الجميع اصواتهم احتجاجا، على ما جرى مساء الأحد الأول من مايو، فعاب البعض عليهم ترابطهم، وذهب للعب فى الفناء الخلفى لشق الصف، وخلق التناقض بين أعضاء فى المجلس لصالح معارك انتخابية لم يحن موعدها بعد، وظن عدد ممن تجاوزتهم الأيام وباتوا خارج الزمن، أن عقارب الساعة يمكن أن تعود للوراء.


نقابة الصحفيين تضم اليوم اجيالا جديدة، لم ترب على تنفيذ الأوامر، وإن كانت خاطئة، ولا تعترف بشعار «كل عيش» ولا تتدخل فيما لا يعنيك من جرائم يرتكبها رؤساؤك فى العمل للحصول على الحوافز والبدلات، فلم تعد هناك لا حوافز ولا بدلات، وربما الراتب نفسه مشكوك فى تلقيه.. هؤلاء الشباب هم من يتصدون حاليا للهجمة الظالمة التى تتعرض لها نقابتهم، وأعتقد أن من يراهنون على ادخال هؤلاء بيت السمع والطاعة سيكتشف على أى رهان خائب يعولون.


وإلى كهنة المعبد، وحملة البخور فى كل زمان ومكان، نقول طوفان التحريض والكراهية للصحافة والصحفيين ليس فى صالح أحد، وسيكتشف هؤلاء ولو بعد حين أى جرم يرتكبون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved