كورونا تنادى بالسهل الممتنع: إصلاح قوانين الأسرة فى العالم العربى

مروة شرف الدين
مروة شرف الدين

آخر تحديث: السبت 16 مايو 2020 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

أتى فيروس كورونا فى يوم الأسرة العالمى هذا العام ليثير أهمية إصلاح قوانين وممارسات الأسرة فى دولنا العربية، سوف أركز على ثلاثة مواضيع أظهرها الفيروس بشكل لا يمكن تجاهله، أولا الازدياد المقلق فى معدلات العنف ضد النساء، فمن قبل الفيروس تشير التقارير أن المنطقة العربية لديها أعلى معدل للعنف ضد المرأة فى جميع أنحاء العالم، ويعد العنف الذى يرتكبه الأزواج هو أكثر الأنماط شيوعا إقليميا.
يخطئ من يتصور أن ما يحدث داخل المنزل لا يتعدى جدرانه، فتكلفة العنف المنزلى من الناحية الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية فى بعض البلدان، تصل إلى 3.7 فى المائة من ناتجها المحلى الإجمالى، أى أكثر من ضعف ما تنفقه معظم الحكومات على التعليم. وفى مصر تحديدا، قُدرت تكلفة العنف ضد النساء عام 2015 ما بين 2.17 و6.15 مليار جنيه مصرى سنويا! ناهيك عن آثار العنف النفسية والجسدية على النساء وجميع أفراد الأسرة بالتبعية.

لكن ما علاقة هذا العنف بقوانين الأسرة؟
العديد من الأحكام الواردة فى قوانين الأسرة العربية، تكرس لعلاقة غير متكافئة بين الزوجين، وهو ما يضع النساء فى وضع هش يجعلهن عُرضة للعنف، فلا تزال بعض هذه القوانين مثلا تسمح بــ: درجات متفاوتة من تأديب الزوجة من قِبل الزوج، وزواج الأطفال، وتخفيف العقوبات على ما يسمى بـ«جرائم الشرف». كما أن القوانين لا تذكر الاغتصاب الزوجى وبعضها ما زال يبرئ المغتصب عند زواجه من الضحية. أغلب هذه القوانين لا تعطى حقا متساويا للطرفين فى إيقاع الطلاق. بل وتعطى الحق للأزواج والأوصياء الذكور بتقييد حركة النساء والفتيات وقدرتهن على الوصول إلى التعليم، والعمل، والخدمات القانونية، وتوقيع العقود.
تُطبع هذه الأحكام من العنف ضد المرأة وتجعل منه شيئا مقبولا مجتمعيا، فعندما تحدث الأزمات مثل كورونا يكون من الطبيعى أن نشهد هذا الازدياد الكريه للعنف، وندفع كلنا ثمنه فى الأسرة والمجتمع والاقتصاد بشكل أو بآخر.
***
ثانيا، تفترض كل قوانين الأسرة العربية أن المرأة هى التى عليها القيام بالأعمال الرعائية والمنزلية، وبدون أجر. هذا أمر مثير للتساؤل حيث إنه يتعارض مع ما وصل إليه الفقه الاسلامى من حيث عدم إلزام المرأة بالقيام بهذه الأعمال، وإن قامت بها فلها أجرها، مثل أجر الرضاعة وأجر حضانة الأطفال مثلا.
ولكن أتت أزمة كورونا لتضيف أعباء أُسرية جديدة على المرأة، مثل وجود الأطفال اليومى وتعليمهم فى المنزل، تعقيم البيوت ورعاية أفراد الأسرة المصابين، هذا بالإضافة إلى عمل المرأة الخارجى الذى لا يعفيها من أى مسئوليات فى البيت، أو يعطيها أى حقوق إضافية فيه. نعرف من منظمة الصحة العالمية أن هذا الوضع ينتج عنه فقر الوقت والتوتر واعتلال الصحة للنساء، وبالتبعية لأسرهن. ففى العديد من البلدان العربية تعمل النساء ساعات أكثر من الرجال فى الأربع وعشرين ساعة من اليوم.
كما أن المنطقة العربية لديها أعلى معدل عمل منزلى للمرأة فى مقابل الرجل فى العالم أجمع، والأرقام الأخيرة من مصر تشير إلى أن عمل المرأة المنزلى غير مدفوع الأجر له قيمة اقتصادية تصل إلى 30 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. لكن بالرغم من عظمة مساهمة عمل النساء المنزلى فى القوة الاقتصادية لأسرهن ومجتمعاتهن، إلا أنه يتم معاملتهن فى القانون والممارسة كمُعالين لا يتمتعن بأهلية قانونية كاملة.
لذلك نجد أن 62 فى المائة من النساء العربيات العاملات يعملن فى القطاع غير الرسمى. فالكثير من النساء مضطرات للعمل فى هذا القطاع بالرغم من سوء أوضاعه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ولإعطائهن مرونة للقيام بالمهام الأخرى الملقاة على عاتقهن. إلا أننا نعلم أن هذا القطاع هو من أكثر القطاعات الهشة التى ضُربت بقوة فى أزمة كورونا، وهو ما أثر على قدرة عائلات كثيرة اليوم فى إيجاد قوت يومها.
***
هذا له علاقة بالموضوع الثالث الذى أثاره فيروس كورونا وهو عمل المرأة خارج المنزل. نجد أن نسبة مشاركة النساء العربيات فى قوة العمل الرسمى هو الأدنى فى العالم كله. فبجانب ثِقل الأعباء المنزلية التى تمنع المرأة من العمل، تشير التقارير أن قوانين الأسرة من بين أكبر العقبات لعملها لأنها تقيد حريتها من خلال اشتراط إذن الأب أو الزوج للعمل أو السفر أو الاقتراض من المؤسسات المالية.
هذا له أثر سلبى ليس على النساء فقط ولكن على اقتصاد دولهن، فوفق بعض الدراسات، إن زادت معدلات مشاركة النساء فى القوى العاملة إلى مستويات الذكور، سيؤدى هذا إلى زيادة الناتج المحلى الإجمالى، على سبيل المثال، فى دولة الإمارات بنسبة 12 فى المائة، وفى مصر بنسبة 34 فى المائة، وفى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها إلى 85 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. ولذلك يجب أن يكون إصلاح مثل هذه القوانين، هم مشترك وأولوية للجميع، وليس فقط المنادون بحقوق المرأة.
كل هذا لا يعنى إرغام النساء على العمل بدلا من اختيارهن الحر لتولى المسئوليات المنزلية. ولكنه يعنى أن قوانين وممارسات الأسرة الخاصة بنا بحاجة إلى تغيير لمنح النساء وأسرهن خيارا حقيقيا فيما يتعلق بعملهن. وإن اختارت النساء القيام بالمسئوليات المنزلية والرعائية فيجب أن يُحسب هذا كمجهود ذى قيمة اقتصادية له عائد عليهن من ناحية الحقوق المالية والقانونية.
ولتكتمل الصورة، يجب أن نعرف أن الرجال أيضا يشعرون بالضغوط داخل الأسرة، فبالرغم من الامتيازات التى تمنحها لهم قوانين الأسرة، إلا أن الاستقصاءات الحديثة تشير إلى أن العديد من الرجال العرب يشعرون بالضغط والتوتر لكونهم المعيل الرئيسى للأسرة. فى كثير من الأحيان يؤدى هذا إلى اعتلال الصحة، وزيادة حالات الاكتئاب، وقليل من الوقت مع الأطفال مما يؤثر على جودة علاقتهم. ومع ذلك، فإن الرجال يتوقون إلى التحكم فى حركات النساء وحقوقهن، وأن يُعتبروا أرباب الأسرة، تاركين النساء للقيام بالرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلى، حتى وإن ساهمت النساء ماليا فى الأسرة. إذا أراد الرجال تخفيف الضغط النفسى على أنفسهم، فقد يضطرون إلى التفكير بشكل مختلف فى جميع هذه الأمور.
***
إن الكثير من الدول العربية والإسلامية، قد بدأت بالفعل، فى الاستجابة لإصلاح هذا الوضع والقيام بتعديلاتٍ مهمة فى قوانين الأسرة لديها. وقد استندت تلك الدول فى جميع هذه التعديلات إلى تفسيراتٍ قرآنية وأحكام فقهية تقر بمبدأى العدالة والمساواة بين الجنسين والمصلحة الفضلى للطفل. فمثلا قامت المغرب بإلغاء واجب الطاعة على الزوجة وأقرت بالمساواة والمسئولية المشتركة بين الزوجين، كما أعطتهم حقوقا متساوية للطلاق والحصول عليه من المحكمة. فى العراق وفلسطين تفصل المحكمة فى شأن حضانة الأطفال على أساس المصلحة الفضلى للطفل، كما تُعطى الجزائر الولاية الكاملة للطرف الحاضن حتى لو كانت الأم. فى كل من البحرين، الأردن، لبنان، السعودية تم تبنى قوانين لمناهضة العنف المنزلى ضد المرأة.
وفى الأمور الاقتصادية التى تتقاطع مع قانون الأسرة نجد أن الفقه الدستورى المصرى أقر بأحقية المرأة للخروج للعمل، ولم تعد البنوك فى الأردن تتطلب موافقة الولى الذكر لبعض معاملات المرأة المالية، كما تستطيع فى فلسطين فتح حسابات بنكية لأطفالها والتصرف فيها دون موافقة ولى أمر الأطفال. أما عند الطلاق فى المغرب وماليزيا، فللزوجين الحق فى تقسيم الثروة المشتركة التى تكونت أثناء قيام الزوجية واعتبار عمل المرأة المنزلى جزء من المشاركة فى تكوين هذه الثروة.
هذه الإصلاحات تُثبت أن التغيير كما هو ضرورى فهو أيضا ممكن، لأن هناك فهم دينى مستنير لهذه الأمور يُسَهل من تغييرها، بشكل ينقل مجتمعاتنا لمكان أكثر مساواة وعدالة. هذا المجهود الجاد يُفَرِق بالضرورة، بين الشريعة، التى هى الرسالة الإلهية المقدسة، التى لا تُمس ولا تتغير بالزمان والمكان، والفقه الذى هو الفهم البشرى لهذه الرسالة وبطبيعة الحال فهو متغير ومتطور بتغير الزمان والمكان.
فكما نرى، تتوحد العديد من القوانين من حيث اعتمادها على الشريعة الإسلامية، لكن نجدها مختلفة عن بعضها البعض، لأن كل دولة تختار من أعمال فقهية مختلفة. فنرى هذه القوانين فى تطور وتعديل مستمر منذ بداية سريانها. ولكن يبقى أن تصبح التغييرات القانونية أكثر شمولا وجذرية بشكل يضمن العدالة والمساواة لجميع أفراد الأسرة فى القانون والممارسة المجتمعية.
هناك أعداد متزايدة اليوم من النساء والرجال فى جميع أرجاء الوطن العربى والإسلامى يطالبون بتغيير هذه القوانين، بما يتسق مع روح الشريعة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فالكثير يعانون اليوم من عدم قدرة القوانين على حل مشاكل الأسرة، بل بتعقيدها.
نجد فى يوم الأسرة العالمى هذا العام، حركة مثل «مساواة» على سبيل المثال تُطلق حملتها لإصلاح قوانين الأسرة بشكل متكامل، فى العالم العربى والإسلامى. حركة مساواة الدولية والتى يوجد مقرها فى ماليزيا هى حركة عالمية للنساء والرجال ــ علماء ونشطاء ــ المؤمنين بأن المساواة والعدالة داخل الأسرة، أمرٌ ضرورى، وممكن، ومن صميم تعاليم الإسلام. فإن كان هذا التغيير من جوهر الإسلام، وإن كانت الأرقام والإحصائيات أعلاه تشير إلى جدية الوضع فى دولنا العربية، وإن كان فيروس كورونا يدفعنا لنرى خطورة الموقف الآن... فماذا ننتظر؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved