«حضرة المحترم».. الإمام الطيب

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: السبت 16 مايو 2020 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

و«حضرة المحترم» هو اللقب الأوحد الذى منحته ثورة 23 يوليو لكل أفراد الشعب المصرى، بعد أن صدر قرار مجلس قيادة الثورة قبل 67 عاما تقريبا بإلغاء جميع الألقاب والنياشين والرتب التى كانت سائدة فى عهد أسرة محمد على من «حضرة صاحب السمو» إلى «حضرة صاحب العزة» مرورا بـ«الباشا» و«البك»، وغيرها من الألقاب التى كان يمنحها «ولى النعم» على رجاله وحاشيته ورسخت مفاهيم التمييز والتفاوت الطبقى بين المصريين حينها.
كانت فلسفة ثورة يوليو التى قادها أبناء الطبقات المتوسطة، تقوم على إذابة وتقليص الفروق الطبقية التى صنعت فى العهد العلوى، وعملت على تمييز بعض فئات المجتمع، فألغت الثورة الألقاب التى كانت تمنح لأصحابها مزايا ونفوذ لا يستحقونها.
أما «الطيب»، فهو الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذى ضاق صدره كما غيره من «حضرات المحترمين»، أصحاب البلد الأصليين من عودة تلك الألقاب مرة أخرى، لتعيد تقسيم المصريين على أساس طبقى، فاستنكر إعادة تصنيف الناس على أسس زائفة، وليس على أساس العمل الصالح والخلق الحسن.
فى مايو 2018، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منع ذكر اسم شيخ الأزهر دون أن يسبقه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف فى أى من وسائل الإعلام، وشمل القرار أيضا عدم ذكر اسم البابا دون أن يسبقه قداسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ورغم ذلك أعلن شيخ الأزهر خلال برنامجه الرمضانى «الإمام الطيب» تأففه من استخدام الألقاب أثناء المخاطبات العامة فى الدواوين والوزارات والجامعات والمكاتب وغيرها، مثل: «باشا، وبيه»، أو «صاحب السعادة، وصاحب المعالى» وحتى «صاحب الفضيلة» اللقب الذى لا يطلق إلا على سواه.
أوضح الطيب أن هذه الألقاب قد خيلت لأصحابها، أنهم ينتمون لطبقة أعلى وأسمى منزلة من طبقات الآخرين، وأنهم نخبة متميزة، وأن أبناءهم ليسوا كبقية أبناء الناس، ومن حقهم أن يتميزوا باستثناءات فى الوظائف والمناصب يسبقون بها أصحاب الكفاءات العالية من أبناء وبنات الطبقات المغمورة، وأن من حقهم أن يورثوا أبناءهم وظائفهم وكراسيهم التى يجلسون عليها.
وذكر الإمام أن الترفع على الفقراء، والتأفف من البسطاء، والنظرة الدونية لمن يعمل فى أعمال أو حرف متواضعة، ليس من الإسلام ولا من مكارم الأخلاق، مشيرا إلى أنه من المؤلم أن تكون فضيلتى التواضع والمساواة فى بلاد غير المسلمين أظهر وأكثر انتشارا منها فى بلاد المسلمين، «مثل ما نلاحظه فى بلادنا من حرص شديد على ذكر الألقاب فى كل مرة يخاطب فيها صاحب اللقب، بخلاف الدوائر الخاصة التى تقتضى طبيعة عملها الالتزام بتراتبية الألقاب المحددة بلوائح وقوانين خاصة».
وذكر الشيخ بأن التأسيس الفلسفى للتواضع فى الإسلام هو أنه نتيجة حتمية لمبدأ المساواة فالناس جميعهم من أصل واحد، متسائلا: «لماذا الاستكبار إذن بين المتساوين؟».
للإمام الطيب منزلة كبيرة فى نفوس المصريين والعرب جميعا، ويحظى الرجل باحترام دولى لم يحظ به غيره من أسلافه الأقربين ، فالشيخ الذى تولى منصبه قبل ثورة يناير بشهور تمكن من إعادة رسم الصورة التى ينبغى أن يكون عليها صاحب هذا المقام الرفيع.
تعلم الطيب درس المرحلة الأخيرة جيدا، وأدرك تقلبات السياسة والحكم، فاختار أن يمضى على درب الأزاهرة الذين لم يخشوا سيف المعز ولم يغوِهم ذهبه، أمثال الشرقاوى والباجورى والأنبابى وعليش والخلفاوى وغيرهم من مشايخ الأزهر الشريف الذين أبوا أن يمضوا فى ركاب السلطان، ورفضوا أن يتحول الأزهر إلى محلل لقرارات أنظمة الحكم وتوجهاتها.
ضرب الطيب المثل أيضا فى قبول الآخر، وتصدى فى أكثر من موقف للمتنطعين والمتزمتين الذين يسعون إلى إثارة الفتن بتقسيم المصريين إلى مسلمين وغيرهم، ونزلت فتواه بجواز إخراج أموال الزكاة لفقراء المسيحيين بل والتصدق على أرامل ويتامى غير المسلمين بردا وسلاما لتخمد فتنة تصاعدت على مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية.
مواقف حضرة المحترم الإمام الطيب، زادت من شعبيته ونوعت من مريديه، مما جعله هدفا لحملات حملة المباخر من جهة والمتشددين المغالين من جهة أخرى، إلا أن الرجل يخرج من كل حملة أكثر صلابة ورسوخا ورفضا لتدجين منصبه وأكثر تمسكا باستقلاله واعتداله وانفتاحه على الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved