نابليون وهتلر وصدّام وآبى أحمد.. انتحار مُستنسخ!

أكرم السيسى
أكرم السيسى

آخر تحديث: الأحد 16 مايو 2021 - 7:05 م بتوقيت القاهرة

نستعرض فى مقالنا هذا نماذج تاريخية لقادة سياسيين وعسكريين أدَّت تصرفاتهم الهوجاء، وتطلعاتهم الخيالية، وأحلامهم الشخصية المجنونة، وحب سيطرتهم وهيمنتهم على الآخرين إلى انتحارهم سياسيا وعسكريا، وفى النهاية إلى انتحارهم بَدنيّا أو إعدامهم، فضلا عن هلاك شعوبهم، وتفتيت أوطانهم. 

والانتحار هو أن يقوم الشخص بقتل نفسه بنفسه عمدًا، ويُرتَكَب غالبًا بسبب اليأس الذى كثيرا ما يُعزى إلى اضطراب نفسى مثل الاكتئاب الناتج عن فشل فى تحقيق هدف مأمول فى الحياة، بسبب صعوبات مالية، أو مشكلات فى العلاقات الشخصية، أو مخاوف من فضيحة أو محاسبة على هزيمة لقائد فى معركة عسكرية، مثلما حدث لأدولف هتلر الذى انتحر فعليا وليس مجازيا، بعد هزيمته فى الحرب العالمية الثانية.

وفى هذه الأيام، نحتفل بذكرى مرور مائتى عام على وفاة الإمبراطور الفرنسى نابليون بونابرت فى مايو 1821م، والذى يعتقد بعض المؤرخين أن وفاته كانت انتحارا، وليست موتا طبيعيا، وذلك بسبب هزيمته فى معركة «واترلو» عام 1815م، وبهذه المناسبة سنستعرض فى عجالة مسيرة حياته لأنها تعتبر مثالا لقائد سياسى لا يؤمن بالسلام مع جيرانه، ولا بالتعاون مع الآخرين فى سبيل نمو بلاده، ولكن تطلعاته الشخصية، وأحلامه الجنونية فى السيطرة والهيمنة على الدول المجاورة، وربما على العالم كله، طغت عليه وقادته للانتحار السياسى والعسكرى، وفى النهاية للانتحار الحقيقى وليس المجازى.

***

يُعدُّ نابليون أحد أبرز القادة العسكريين فى التاريخ، بزغ نجمه خلال أحداث الثورة الفرنسية (1789)، وقاد فرنسا فى سلسلة انتصاراتٍ مُبهرة، وبنى إمبراطوريَّةً كبيرة سيطرت على مُعظم أنحاء أوروبا، ولكن أطماعه غير المحدودة أدت إلى هزائم كبيرة، فقد ختم مغامراته بغَزوِه لروسيا عام 1812، فكان هذا أول «انتحار» عسكرى له، حيث أصيب جيشه بأضرار وخسائر بشرية ومادية جسيمة، لم تُمكنه من النهوض مرة أخرى. 

ففى عام 1813، تحالفت ضده قوّات سُميت بالائتلاف السادس، وتكونت من روسيا وبريطانيا والسويد والنمسا وإسبانيا والبرتغال، وهزموه فى معركة «الأمم»، وفى السنة اللاحقة اجتاحت هذه القوّات فرنسا، ودخلت العاصمة باريس، وأجبرت نابليون على التنازل عن العرش، ونفوه إلى جزيرة ألبا.

ولكن بعد أقل من سنة هرب بونابرت من منفاه، وعاد ليتربع من جديد على عرش فرنسا، وعندما حاول مقاومة الحلفاء لاستعادة مجده السابق، كان «انتحاره» الثانى، حيث هُزِم شر هزيمة فى معركة «واترلو» 1815م، وأعلن الائتلاف أن نابليون كان العائق الوحيد فى إحلال السلام فى أوروبا، وأنه قد تنازل عن منصبه، من عرش فرنسا وعرش إيطاليا، واستسلم للبريطانيين الذين نفوه إلى جزيرة القديسة هيلانة، المستعمرة البريطانية، حيث أمضى السنوات الست الأخيرة من حياته التى انتهت بانتحاره حسب أقوال بعض المؤرخين. 

***

كان هذا فى أوروبا فى القرنين الثامن والتاسع عشر، وفى النصف الأول من القرن العشرين، أعاد التاريخ نفسه ذات التجربة مع مغامرات وأطماع هتلر، وفى عصرنا الحالى، فى القرنين العشرين والحادى والعشرين، نرى نموذجين متشابهين للنموذجين السابقين، الأول صدام حسين الذى قسَّم العالم العربى، وأدخله فى دوامة لم تنته حتى الآن، والثانى آبى أحمد الذى سيُقسم هو الآخر القارة الأفريقية، ويُدخل القرن الأفريقى فى دوامة ستستمر لفترة طويلة! 

ثمة تشابه كبير يصل إلى حد التطابق بين حالة صدام حسين فى قارة آسيا فى القرن الماضى، وحالة آبى أحمد فى قارة أفريقيا فى القرن الحالى، فقد قاد صدام نفسه إلى الانتحار السياسى والعسكرى، الذى انتهى بإعدامه فيما بعد، وكذلك قاد وطنه بالكامل إلى الهلاك والدمار، ويبدو واضحا أن آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا يقود وطنه ونفسه إلى نفس مصير صدام حسين. 

أطلق صدام حربه الأولى ضد إيران (1980ــ1988) وسميت بحرب الخليج الأولى، وانتهت بلا انتصار لطرفى الصراع، وخلّفت نحو مليون قتيل وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار، فكانت من أكثر الصراعات العسكرية دموية فى القرن العشرين، فكانت هذه الحرب هى «الانتحار» العسكرى والسياسى الأول له.

ثم قام فى 1990 بالاعتداء على دولة الكويت، واحتلها احتلالا عسكريا، علما بأن الدولتين عربيتان جارتان، وليست بينهما أى نزاعات حدودية، وكلاهما عضو فى الجامعة العربية، ولكن كانت لدى صدام أطماع فى منابع النفط الكويتى، ليعوض خسائره الكبيرة فى حربه ضد إيران، فضلا عن مخاوفه من تساؤلات مُستقبلية من الشعب العراقى عن أسباب هذه الحرب، فكان غزوه للكويت هروبا للأمام أدى إلى «انتحاره» الثانى السياسى والعسكرى! 

كان لهذا الغزو تبعات كارثية على كل بلدان العالم العربى، وعلى القضية المركزية له، وهى الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، كما أنه أحدث انقساما عميقا فى العالم العربى، حيث أن دولا عربية مثل ليبيا واليمن والجزائر، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، أيدت هذا العدوان! فكان ذلك إضعافا لمواقف العالم العربى، وكشفا مخزيا وفاضحا لازدواجية معاييرهم نحو إدانتهم «الاحتلال» الإسرائيلى الذى يعانون منه منذ نكبة 1948 فى فلسطين! 

وفى محاولة لتجنب حرب بين دولة عربية وأخرى عربية، دعت مصر لعقد قمة عربية فى القاهرة فى 10 أغسطس 1990، كردّ فعل على التطورات العربية والعالمية، ولكن فور سماع صدام بالدعوة لهذه القمة، أعلن قبل انعقاد القمة بيوم واحد، ضمّ الكويت، وأنها أصبحت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، قائلا إنها عادت إلى «الوطن الأم»، رغم أن العراق اعترف بالكويت رسميا وبحدوده معها فى 1963! 

كان الهدف من القمة إدانة العدوان العراقى، ودعوة صدام لانسحابه من الكويت، وبعودة الشرعية إليها، بينما كانت وجهة نظر الدول المؤيدة للعدوان أن القضية عربيةــ عربية، وأن الأمر لا يستدعى هذا الحشد الدولى، كما اعتبر بعضهم أن هناك خللا كبيرا فى توزيع الثروة العربية، وأن دخول العراق إلى الكويت يتوخى تصحيح ذاك الخلل!

***

وأما عن آبى أحمد، فهو يعلن جهارا نهارا عدم اعترافه بكل الاتفاقيات المبرمة سابقا بين إثيوبيا وبين مصر والسودان، حول تقسيم حصص المياه، طمعا فى جعل المياه سلعة يُكتَسَب منها مثل النفط، فهو يسعى لأن يكون نهر النيل بحيرة إثيوبية، متجاهلا القوانين الدولية المنظمة للأنهار العابرة بين الدول، ويعلن تصميمه على اتخاذ قرارات أحادية بالملء الثانى لسد النهضة، لفرض أمر واقع خطير، ومُخالفا لإعلان المبادئ المتفق عليه بين الدول الثلاث عام 2015.

كما أنه يُنكر «حق الحياة» للشعبين المصرى والسودانى بحرمانهما من المياه، ويرفض أى تدخل دولى، ويتمسك فقط بتدخل الاتحاد الأفريقى، لعلمه أن هذا الاتحاد ليست له أدوات تنفيذية فاعلة مثل الجامعة العربية التى تمسك بها صدام حسين عندما رفض أى تدويل لقضية احتلاله للكويت، فكلاهما يرفض تدويل نزاعهما لعلمهما بأن مشروعاتهما عدوانية، وغير قانونية، وغير إنسانية، واللجوء إلى منظمتين غير فاعلتين يحقق لهما أغراضهما! 

هكذا نرى تطابقا فى التصرفات الجنونية التى تجمع بين صدام وآبى أحمد الواضحة فى العناد والمكابرة، والطمع والأنانية، والاعتداء على القوانين والمواثيق الدولية، ونقض الاتفاقيات الموثقة بين الدول، وعدم الاعتراف بحقوق الدول المجاورة وبحقهم فى الحياة، وفى طريقة الهروب إلى الأمام من الواقع الداخلى المأزوم الذى كان يواجهه صدام بعد حربه العبثية ضد إيران، والذى يواجه مثلها الآن آبى أحمد فى حروبه العرقية فى تجراى ومع القوميات الإثيوبية الأخرى! 

***

وفى مقابل هذا الغباء السياسى لدى الرئيسين العراقى والإثيوبى، يجدر بنا أن نُذَكِّر بالذكاء السياسى، الذى كان يجب عليهما اتباعه، كما فعل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عندما التقط بسرعة رسالة «الخط الأحمر» التى أطلقها الرئيس المصرى، فيما يخص «سرت» و«الجفرة» فى ليبيا، واستنتج منها أن مصر ليست لقمة سائغة، يصنع فيها كيفما شاء، مثلما فعل فى سوريا والعراق وغيرهما، لقد كان رد فعل تركيا سريعا وذكيا، جاء– فى البدايةــ على لسان وزير خارجيتها الذى قال إن الجيش التركى لا يمكنه أن يحارب الجيش المصرى، ثم جاء التصريح الأخير للرئيس أردوغان بنفسه: «نسعى لاستعادة الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر ومواصلتها مجددا».

كنا نتمنى من آبى أحمد ــ رئيس وزراء الجارة إثيوبيا ــ أن يتبع الذكاء السياسى، وأن يتعلم حقوق الجار، وأن يحافظ على المعاهدات والمواثيق التاريخية التى أبرمتها بلاده مع الدول الأخرى، وأن يستوعب تجارب التاريخ، وأن يعرف أن المشاركة فى البناء والتعاون مع الآخرين أفضل كثيرا من البحث عن الهدم والخراب والأنانية والعدوان على شركائه فى نهر النيل، وأن يتخلى عن أحلام السيطرة والهيمنة على الدول المجاورة، وكسر إرادتهم لتحقيق أحلام دولة عظمى، ولكن يبدو أن آبى أحمد مُصِر على استنساخ الانتحار السياسى والعسكرى لنابليون وهتلر وصدام حسين! 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved