إيران تدعم علاقاتها مع سوريا

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 16 مايو 2023 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

حرصت إيران على أن تستبق دولا أخرى، سواء عربية أو إقليمية، فى العمل على دعم علاقاتها وتحالفها مع سوريا، إزاء تسارع المتغيرات فى منطقة الشرق الأوسط، وحدوث انفراجة فى اتجاهين، أولهما فى علاقات كل من تركيا وإيران مع الدول العربية وتغليب التعاون على المواجهة بينهم وما لذلك من تأثير على عدة قضايا وأزمات طال أمدها فى المنطقة، وثانيهما إسراع الدول العربية بالتوافق مع سوريا على خطوات حل أزمتها سياسيا، وعودتها إلى حاضنتها العربية سواء بإعادة شغل مقعدها فى جامعة الدول العربية والمشاركة فى كل أنشطتها بما فيها القمة العربية فى الرياض، أو بإعادة الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية معها.
ومن ثم قام الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، يرافقه وفد على مستوى رفيع يضم وزراء الخارجية، والنقل، والإسكان، والدفاع، والبترول، والاتصالات. واستمرت الزيارة على مدى يومى 3 و4 مايو 2023، وهى أول زيارة لرئيس إيرانى لدمشق منذ أن زارها الرئيس محمود أحمدى نجاد فى عام 2010. وسبق أن زار الرئيس بشار الأسد إيران مرتين، الأولى فى 2019 أثناء رئاسة الرئيس حسن روحانى، والثانية فى 2022 أثناء حكم الرئيس الحالى إبراهيم رئيسى. ورغم التفاوت النسبى فى منهج وتوجهات كل واحد من الرؤساء الإيرانيين الثلاثة، إلا أن التحالف والصداقة والتعاون ظلت قوية بين طهران ودمشق منذ عهد الرئيس السورى الأب حافظ الأسد. وقد زادت هذه العلاقات توثقا منذ بدء الأزمة السورية فى عام 2011 حتى الآن، حيث ساندت إيران النظام السورى اقتصاديا وماليا وتجاريا وعسكريا، خاصة منذ عام 2014 عندما ظهرت بوادر ضعف فى مواجهة الجيش السورى للمعارضة السورية المسلحة والتنظيمات الإرهابية التى دفعت بها وساعدتها بالسلاح والأفراد والمال عدة دول من أجل النيل من النظام السورى والعمل على إسقاطه. وكان دعم إيران بميليشيات موالية لها وأسلحة ومستشارين عسكريين، مع الدعم العسكرى الروسى، وكلاهما بناء على طلب رسمى من الحكومة السورية، الفضل فى صمود القوات السورية وقدرتها على استعادة سيطرتها على معظم الأراضى السورية التى استولت عليها قوات المعارضة والتنظيمات الإرهابية.
• • •
إن زيارة الرئيس الإيرانى لسوريا تستند على قاعدة قوية من التعاون الاقتصادى والتجارى والعسكرى والثقافى والسياسى بين طهران ودمشق، ولكن إيران وجدت أن ثمة عوامل جديدة طرأت على الموقف فى سوريا لا شك سيكون لها تأثير على الوجود الإيرانى فى سوريا فى مرحلة ما بعد التسوية السياسية للأزمة السورية وإعادة الإعمار. ويواجه هذا الوجود الإيرانى مقاومة شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، كما يتوقع أن تشهد مرحلة ما بعد التسوية السياسية للأزمة السورية منافسة بل مزاحمة قوية بين كل من إيران وروسيا على عملية إعادة الإعمار، أو الاحتفاظ بمركز قوة فى سوريا لكل منهما، إلا أن إيران تدرك أن لديها روابط متنوعة إلى جانب العوامل المشار إليها مع سوريا، من ثقافية ودينية والقرب الجغرافى النسبى عن روسيا ذات الثقافة والديانة المختلفة. ولكن التحدى الجديد يتمثل فى عودة سوريا إلى حاضنتها العربية لتصبح الدول العربية منافسا محتملا أكبر سواء فى عملية حل الأزمة السورية سياسيا أو فى عملية إعادة الإعمار، لما تتمتع به دول الخليج العربية من قدرات مالية واقتصادية وعلاقات جيدة مع القوى الكبرى إلى جانب الثقل السياسى للدول العربية الأخرى. ومن ثم بادر الرئيس الإيرانى بهذه الزيارة لسوريا ليبدأ مرحلة جديدة ويستبق الآخرين بتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لمرحلة إعادة الإعمار فى سوريا وتغطى عدة مجالات، هذا فى الوقت الذى تركز فيه سوريا، وتسعى بكل جهد، للحصول على أموال لإعادة الإعمار، وترميم اقتصادها الذى استهلكته وأنهكته الحرب والمقاطعة والعقوبات على مدى 12 عاما.
وقد تم أثناء الزيارة التوقيع على 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشمل الاستثمار فى عدة مشروعات جديدة فى سوريا فى مجال محطات الكهرباء والطاقة، والتوسع الاستثمارى فى المشروعات المشتركة بين البلدين فى عدة مجالات، أو الاتفاق على تسريع خطوات تأسيس مصرف مشترك بهدف تيسير التبادل التجارى، والتعاون المشترك فى مكافحة الإرهاب والتطرف والقضاء على الجماعات الإرهابية جميعها بشكل نهائى، وتأكيد استمرار دعم إيران للنظام السورى ضد معارضيه، خاصة الجماعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها. ورفع مستوى التبادل التجارى بين البلدين، وتيسير دخول وإقامة الإيرانيين فى سوريا، ودعم تعليم اللغة الفارسية للسوريين، وتعزيز الخطوط الجوية بين البلدين. واعتبر الطرفان الإيرانى والسورى أن الضربات الجوية التى شنتها إسرائيل على مواقع ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران تقاتل إلى جانب القوات السورية، عاملا مزعزعا للاستقرار فى المنطقة، وأن من حق سوريا الرد على هذه الاعتداءات بالطريقة المناسبة التى تراها. كما بحثا الوجود غير الشرعى للقوات العسكرية الأجنبية على الأراضى السورية، وهى إشارة إلى القوات الأمريكية والقوات التركية، حيث إن القوات الروسية والقوات الإيرانية موجودة بناء على دعوة رسمية من النظام السورى المعتمد فى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
وقد التقى الرئيس الإيرانى مع منتدى رجال الأعمال السورى الإيرانى، وأشار إلى أن زيارته ستشكل نقطة تحول فى العلاقات الإيرانية السورية، وسيكون لها تأثيرها على المنطقة، وعلى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وأنه يتعين إحداث قفزة إلى الأمام فى هذه العلاقات لتكون على مستوى العلاقات السياسية بينهما. هذا ويلاحظ أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على كل من إيران وسوريا تمثل إحدى العقبات فى التعاملات والتحويلات المالية والمصرفية بينهما، ومع ذلك ركزت إيران على الجانب الاقتصادى والتجارى فى علاقاتها مع سوريا، والاتفاق على الاستثمار فى مناجم الفوسفات السورية، وإنشاء مصفاة بترول كبيرة قرب حمص، وإقامة خمس محطات لتوليد الطاقة الكهربائية. وسيكون الجزء الأكبر من عائدات سوريا من هذه المشروعات لسداد مديونيتها لإيران سواء من هذه المشروعات أو من إقامة مصانع للأعلاف والأسمدة. كما أن فكرة إقامة خط أنابيب غاز من إيران إلى سوريا، وخط سكة حديد عبر العراق، ما تزال قائمة.
ويرى الرئيس الإيرانى أن سوريا حققت انتصارات كبيرة بوقوف إيران إلى جانبها مثلما وقفت سوريا إلى جانب إيران فى حرب السنوات الثمانى بين إيران والعراق فى ثمانينيات القرن العشرين. ووقع الرئيسان الإيرانى والسورى مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجى الشامل طويل الأمد بين البلدين. وأكد الرئيس الأسد أن العلاقات بين البلدين ثبت أنها تستند إلى أسس صحيحة وثابتة من القيم والمبادئ والعقائد ومصالح الشعوب وسيادتها واستقلالها، وأنه عندما شنت حرب ظالمة ضد إيران عام 1980 لم تتردد سوريا فى الوقوف إلى جانبها، أن الرؤية المشتركة بين البلدين ميزت بين الواقعية السياسية وبين المغامرة السياسية، وراهنا على انتصار الحق، وكسبا فى النهاية. وأكد الرئيس الإيرانى أن العلاقات بين إيران وسوريا لن تتأثر بالتغيرات والظروف فى العالم وفى المنطقة، وأنه اتضح للجميع أنه رغم صعوبة الظروف إلا أن طريق المقاومة هو المنتصر، وأن إيران كما وقفت إلى جانب سوريا فى مرحلة محاربة الإرهاب ستقف إلى جانبها فى مرحلة إعادة الإعمار.
وقد حرص الرئيس الإيرانى على أن تكون زيارته شاملة لعدة جوانب للعلاقات الثنائية من ناحية والمصالح الإيرانية فى سوريا من ناحية أخرى، حيث التقى مع الجالية الإيرانية الموجودة فى سوريا للاستماع إليهم وطمأنتهم. كما زار مقام السيدة زينب فى ضواحى دمشق ــ وهذا المقام يحظى بأهمية خاصة لدى الشيعة، وبعد لقاء الرئيس الإيرانى مع رئيس جمعية أهل البيت فى سوريا، ألقى خطابا فى صحن مقام السيدة زينب وسط احتفال رسمى وشعبى حاشد. كما التقى مع مجموعة من أسر قتلى الميليشيات الشيعية من سوريا ولبنان وأفغانستان وإيران وغيرها.
والتقى الرئيس الإيرانى فى ثانى أيام زيارته بوفد يمثل الفصائل الفلسطينية فى سوريا، وتم اللقاء فى القصر الرئاسى السورى بحضور وزير الخارجية الإيرانى، وأكد لهم الرئيس الإيرانى أن إيران تعتبر دائما القضية الفلسطينية أولوية فى سياستها الخارجية، وأن إبرام الاتفاقات وسياسة التطبيع مع إسرائيل تساعدها على البقاء، وأكد أن المقاومة هى السبيل الوحيد للتقدم ومواجهة الاحتلال الإسرائيلى، وأن المبادرة اليوم فى أيدى المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين فى ساحة المواجهة، و«أن زوال إسرائيل قريب جدا والذى تظهر آثار أفوله».
• • •
نوهت أجهزة الإعلام السورية إلى أن سوريا وإيران والعراق يمثلون مركزا لتكتل اقتصادى إقليمى قائم على توافقات سياسية ونهج السلام والوئام، حيث إن التكتلات الاقتصادية ستكون الاختيار الاستراتيجى الحقيقى، وأن الواقعية اليوم تسلم بأن الاقتصاد يقود السياسة، ومن دلالات ذلك انعقاد اجتماع اللجنة العليا السورية ــ العراقية، واللجنة العليا السورية ــ الإيرانية، منفصلين، فى خلال أسبوع واحد فى دمشق.
تعد زيارة الرئيس الإيرانى لسوريا فى هذا التوقيت محملة بعدة رسائل من خلال ما تم تناوله من موضوعات، وما تم التوصل إليه من اتفاقيات، وما شملته من لقاءات رسمية وشعبية، رسالة إلى النظام والسوريين بأن إيران باقية معهم فى الحاضر والمستقبل وبقوة، ورسالة للأطراف الخارجية، خاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بأنه لا العقوبات ولا الاعتداءات والتهديدات ستخرج إيران من سوريا، ورسالة للدول العربية بأن إيران ستكون معهم فى سوريا لمكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار بالتنافس والتعاون وفقا لسياسة حسن الجوار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved