الأخ الكبير
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 16 مايو 2025 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
فطين عبد الوهاب حالة خاصة جدا فى السينما المصرية، كاد أن يتخصص فى إخراج الأفلام الكوميدية، وتميز فى صنع هذه الأفلام أثناء رحلته، ولم يصل إلى مستواه فى عالم الكوميديا أى مخرج آخر، حتى التلاميذ الذين تأثروا به ومنهم محمد عبد العزيز، هناك حالات استثناء قليلة فى موضوعات الأفلام التى أخرجها وابتعد فيها عن الكوميديا، بعض هذه الأفلام كتبها على الزرقانى، وكانت أهمية هذه الأفلام أن أبطالها من كبار النجوم، ويكاد يذكر له أنه استطاع أن يجعل هؤلاء النجوم فى أحسن أحوالهم عندما يعملون فى مجال الإضحاك وعلى رأس هذه الأسماء: فريد شوقى، رشدى أباظة، صلاح ذو الفقار، شادية، وهند رستم، وقد جمع بين هذه النجمة وبين فريد شوقى فى عدد من الأفلام الجادة جدا، التى أدى فيها كلاهما، بالكاد، أدوارا لأشرار خارجين عن القانون، ومن هذه الأفلام:» ساحر النساء«، و»الأخ الكبير«.
ولو شاهدت هذه الأفلام دون معرفة اسم المخرج فمن الصعب على المشاهد معرفة أن فطين عبد الوهاب هو صاحب تلك البصمة من الموضوعات، وينطبق الأمر أيضًا على أفلام أخرى ذات أهمية مثل فيلم» الغريب« المأخوذ عن رواية »مرتفعات وايذرنج«، وفى فيلم» الأخ الكبير« فإن أغلب الشخصيات هم من الأوغاد الحقيقيين، يبحثون عن مصالحهم فى المقام الأول، وهم خارجون عن القانون، يتاجرون فى الممنوعات والجنس، فعوض مثلاً يعيش حياتين منفصلتين تمامًا، الثانية هى أنه عشيق بدون زواج لروحية التى يقيم عندها، وتساعده فى أمور تهريب المخدرات، أما العالم الأول لدى عوض فهو منزله البسيط الذى يتكون من أم ورعة، وابنة خالة تحبه وبينهما مشروع للزواج، وأخ فى الصف النهائى من كلية الحقوق، ومن خلاله يحلم عوض أن يصير أحمد رجل قانون مرموق، أو رجل نيابة ناجح، أى أننا أمام أشخاص لكل منهم أكثر من وجه، وفى دائرة روحية فإن هناك أكثر من شخص يلعب لصالحها وينقل إليها أخبار عوض، ويسعى إلى إفساد حياته، ويؤدى هذه الشخصية سعيد أبو بكر، الكوميديان المعروف، فهو الذى يبلغ روحية بمكان الشقة التى يتواجد فيها أحمد، وهو الذى يقترح عليها أن تدخل حياته من أجل إفساد كل آمال الأسرة، وبالفعل فإنها تؤجر شقة فى المنزل الذى يتردد عليه، وتتعرف به وتصور له نفسها فتاة ملائكية، وتمنحه دومًا فنجان القهوة الذى غمست فيه مخدرات، فحولت طالب الحقوق المعتدل إلى مدمن، ويتحول إلى منافس لأخيه على قلب روحية، كل ما تريده المرأة هو أن تتزوج من عشيقها عوض، وبعد أن تساعد فى تحطيم الشاب معنويًا تعلن له أنها سوف تتزوج أخاه وتصدمه.
أى أن الشخصيات المنقسمة على أنفسها تسعى من ناحية إلى تحقيق آمال أسرية للوصول إلى مكانة اجتماعية، وكما نرى فإن عوض يدير عمليات التهريب بحرفية ملحوظة، وفى اللحظة الحاسمة فإن هذا الأخ الكبير يسلم نفسه إلى الشرطة فى المكان الذى يوجد فيه أخوه كى يسمح له بالنجاة، أما الأم فإنها تصدم من التحولات التى حدثت لعوض الذى تراه ابنا مثاليا ولم تكن تعرف عنه أى خلفيات، وكما نرى فإن الفيلم يخلو تماما من الكوميديا، وكيف لنا أن نضحك وأغلب أبطال الفيلم يجيدون تدبير المؤامرات ويسعون إلى تحقيق مكاسب من المخدرات، وفى الوقت نفسه فإن عوض يظل محتفظًا بوجهه البرىء طالما كان موجودًا فى المنزل.
هكذا فإن هناك فترة بعينها هجر فيها المخرج الكوميديا بدون قصد، وفى منتصف الستينيات عاد إلى مثل هذا النوع من الأفلام مرة أخرى مع فريد شوقى فى فيلم» طريد الفردوس« المأخوذ عن قصة قصيرة لتوفيق الحكيم، هو حالة تستحق الدراسة بشكل أعمق وبكلمات أكثر تخصصا من كل ما كتب عنه فيما قبل.