أكذوبة الإخوان فى حماية «الجيب العام»

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 16 يونيو 2013 - 11:40 ص بتوقيت القاهرة

قضيت أسبوعا كاملا لا هم لى سوى مشاهدة البث المباشر لمناقشة موازنة الدولة داخل اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى. وبالرغم من اشتداد حرارة الصيف، وزيادة ملل الجلسات، وتوسلات أصدقاء العمر لى بأن أغلق التليفزيون، وأنسى موضوع الموازنة، خوفا على صحتى النفسية. إلا أننى صمدت، واعتمدت سياسة جهاد النفس فى مواجهة كل من يوسوس لى بترك مهمتى المقدسة. وأكملت.

 

جلست استمع بالساعات الطوال لنواب من حزب الحرية والعدالة، وهم غاضبون، ومستاءون من النظام البائد قبل ثورة يناير، وما اتسم به من عدم النزاهة وانعدام الشفافية. وراح النواب يُحسبنون على أركان هذا النظام القائم على قيم البذخ، والإسراف.

 

وانتقدوا المبالغة فى مصاريف رئاسة الجمهورية أيام الرئيس المخلوع، وإهدار المال العام فى وقود مواكب سيارات الوزراء وتكلفة الحراسات الخاصة، والاستقبالات، والتهنئات فى العهد السابق. وبعدها بشرنا رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالمجلس محمد الفقى بأنه فى نهاية الجلسات سوف يعلنون عن إجراءات لتوفير 20 مليار جنيه من عجز الموازنة. استبشرت خيرا، وحمدت الله أننى لم أستجب لمحاولات أصدقاء السوء الذين كانوا يريدون حرمانى من تلك المتعة الأسبوعية. وأكملت.

 

●●●

 

وبالرغم من أن كل نائب من النواب كان يتبارى أمام كاميرات التليفزيون التى تذيع الجلسات على الهواء، برفع سقف المطالبة بالتقشف وضبط الإنفاق، فإن واحدا منهم لم نسمع له حسا، عندما تكشف أن وزير الاستثمار «الإخوانى» يحيى حامد قد قرر أن يقيم ولائم طعام الغذاء والعشاء يوميا له ولأصدقائه المستشارين (القادم معظمهم من شركة فودافون) ليس من جيبه الخاص، ولكن من الجيب العام.

 

وقد وصلت تكلفة إطعام فريق مستشاريه الجدد فى أول 14 يوما فقط من توليه الوزارة إلى 33 ألف جنيه. أى أن التكلفة السنوية لولائم الوزير وحدها تصل إلى 900 ألف جنيه أى ما يقارب المليون جنيه. إلى جانب تكلفة سيارتى المرسيدس الخاصتين بالوزير بالإضافة لعربات طاقم الحراسة. ولولا أن رئيس القطاع المالى محمد نجيب امتلك الشجاعة، ورفض الصرف من خزانة الوزارة على تغذية الوزير وحاشيته، لكان قد تم تسديد ثمن الوجبات من الجيب العام.

 

وما أشبه وزير «الليلة» بوزراء «البارحة». فقد طلب ذات الوزير «الإخوانى» فى زمن التقشف «الإخوانى» أن يتم تجهيز غرفتين للراحة داخل المكاتب الرسمية، مشترطا أن يكون التجهيز من محال الأثاث «استقبال». وبالرغم من أن المسئول المالى بالوزارة لم يكن يعلم أن محال استقبال التى يطلب الوزير «الإخوانى» أن يأتوا له منها بالكنب والفوتيهات والكراسى، هى ملك رجل الأعمال «الإخوانى» حسن مالك القيادى فى الجماعة، فإنه رفض الطلب معللا ذلك بأنه لأول مرة فى تاريخ العمل بالبلاط الحكومى يحدد فيها أى وزير أسماء المحال أو الشركات التى يتم منها شراء السلع الحكومية.

 

●●●

 

قد لا تكون تكلفة ولائم الوزير ومستشاريه، ولا قيمة المشتروات الحكومية من المحال الإخوانية ذات أرقام تذكر، إذا ما قارناها بحجم العجز فى الموازنة الحالية الذى وصل إلى 184.8 مليار جنيه حتى أبريل الماضى. إلا أن اللافت فى الأمر هو أن مسلك الوزير «الإخوانى» المسئول عن ملف الاستثمار، ليس ببعيد عما صرح به الوزير «الإخوانى» الآخر المسئول عن ملف التجارة والصناعة حاتم صالح أثناء مرافقته للرئيس محمد مرسى لألمانيا من أن «مبارك لم يسقط وكلنا مبارك»، وأكمل: «كل منا ترسخ بداخله خلال الثلاثين عاما جزء من النظام».

 

ويبدو أن ما ترسخ من الثلاثين عاما فى عقلية «الإخوان الوزراء» ليس بالقليل، فمن ضمن اقتراحات البعض منهم أثناء مناقشات اللجنة هو تخفيض 50% من الموازنة الخاصة ببند التغذية المدرسية لأنها لا تصل إلى مستحقيها. ولولا أن أحد كبار المسئولين فى الوزارة شرح للسيد النائب أن هذه التغذية لا غنى عنها لكثير من أبناء الصعيد والمناطق المهمشة. باعتبار أن الوجبة المدرسية لقطاع كبير من الأطفال الفقراء أصبحت الدافع الوحيد للذهاب للمدرسة، وفى حال إلغائها سوف ينقطعون عن الدراسة. لولا ذلك لكان النائب المبجل قد صمم على اقتراحه بإلغائها.

 

●●●

 

وهذا ما يدفعنا إلى الخشية من اقتراحات تخفيض عجز الموازنة التى ستعلنها اللجنة الاقتصادية، والتى عمودها الفقرى من «الإخوان النواب». لأن اقتراحات اللجنة يمكن أن تمتد إلى تخفيض إجمالى بعض البنود دون الدخول فى تفاصيل ذات البند مثل تخفيض بند (شراء السلع والخدمات) والذى يصل إلى 30 مليار جنيه ويشمل «شراء الأدوية والأمصال وأغذية للمعاهد والمرضى» و«طبع الكتب المدرسية» و«نشر ودعاية وإعلان واستقبال».

 

ويشتمل نفس البند أيضا على «وقود وزيوت سيارات الركوب» و«مصاريف النقل والانتقالات» ومنها البدل النقدى للعاملين بالمناطق النائية.. فالتخوف أن تكون النتيجة أن ينخفض بالفعل عجز الموازنة، ولكن دون أن يمس عدد لترات البنزين فى سيارات الوزراء، ولا عدد طاقم الحراسات، ولا حتى مقاس ساندوتشات الوزراء وما إذا كانت «كومبو» أو «ميديم»، ولا عدد الإعلانات والتهانى للرئيس سواء بمناسبة أو بدون مناسبة. ولكن قد يأتى تخفيض هذا البند على حساب بدل الانتقال للعاملين فى المناطق النائية أو الأغذية أو الأمصال.

 

والحقيقة أننى كنت فى كل مرة أجلس لأتابع جلسات اللجنة الاقتصادية أنتظر أن يخرج علينا أحدهم معلنا مبادرة لتقشف الرئيس. ولتكن تحت شعار «اللى محتاجه الشعب يحرم على الرئيس». وهذه المبادرة تصورت أن يعلن فيها الرئيس عن تخليه عن جانب من موازنة الرئاسة التى قفزت إلى 309 ملايين جنيه فى الموازنة الجديدة. ولكن تأكدت الآن أن الجميع مؤمن بأن «ما يحتاجه الرئيس يحرم على الشعب».

 

أعتذر لأصدقاء العمر لأننى لم أستمع لنصائحهم. سأغلق التليفزيون، ولن أكمل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved