أشباح الحروب المذهبية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 16 يونيو 2014 - 6:30 ص بتوقيت القاهرة

على مشارف بغداد تتصاعد مخاوف جر المنطقة إلى حروب مذهبية تستغرق فى مستنقعات الدم طاقة شعوبها وتعيد تقسيم خرائط دولها.

هناك حالة استنفار مذهبى مع تقدم «تحالف داعش» إلى أبواب العاصمة وخلط أوراق لا مثيل له بين السياسى والعسكرى.

رئيس الحكومة المنتهية ولايته «نورى المالكى» دعا إلى «جيش رديف» والتعبير نفسه ينطوى على تفكير طائفى ينحى الدولة ويعلى الميليشيا.

وقد كانت دعوة المرجع الشيعى الأعلى «أية الله السيستانى» للتطوع إشارة أخرى فى الاتجاه ذاته.

ورغم أنه حاول تاليا ضبط شروط دعوته إلا أن آثارها استنفرت على الجانب الآخر دعوات مماثلة.

فى الانجراف المحتمل إلى حرب أهلية مذهبية فإن لا أحدا يوافق الآخر على توصيف الأزمة.

الحكومة تلخصها فى «داعش» وأفكارها التكفيرية وتعفى نفسها من أية مسئولية سياسية عن توفير البيئة الحاضنة للإرهاب.

لا اعترفت بأحقية المكونات الوطنية الأخرى فى شراكة الحكم ومضت فى الإقصاء والتهميش إلى حدود التمرد المسلح الواسع ضدها فـ«داعش» ليست وحدها بحسب ما هو ثابت الآن.. ولا رئيسها تراجع خطوة واحدة عن طلب التمديد لولاية ثالثة رغم فشله غير المسبوق فى التاريخ العراقى الحديث كله، وهو رجل صعد إلى منصبه بتوافق أمريكى إيرانى.

تلخيص الأزمة فى «داعش» يفضى بمنطقه إلى إسباغ المشروعية على طلب التعبئة العامة وفرض الطوارئ وتمكين «المالكى» من صلاحيات واسعة بما فيها وضع معارضيه السياسيين تحت الإقامة الجبرية.

المعارضة السياسية على تنوع مواقفها ومرجعياتها لا توافق على هذا التوصيف ولا على ما يترتب عليه من إجراءات ووصلت جميع الاجتماعات والمشاورات إلى فشل كامل.

دخل «المالكى» فى مواجهات عنيفة مع القوى السنية ومنازعات طويلة مع الإطراف الشيعية الأخرى.

ضاق بالمعارضون والشركاء معا اعتمادا على طابعه المذهبى الأكثر تشددا والأزمة فاقمتها سياساته الإقصائية التى أفضت إلى انسداد النظام كله وعجزه عن توفير الحد الأدنى من متطلبات المواطنة.

الفشل العسكرى هو الوجه الآخر للفشل السياسى.

المعنى هنا أن القوى العراقية الرئيسية خارج نطاق «المالكى» غير مستعدة لتمكينه من الانفراد بالسلطة بعد أن اهتز فوق عرشها وظهر كنمر من ورق.

لم تكن مستعدة قبل الأزمة أن تمدد له فى رئاسة الحكومة وهى الآن تعتبر إزاحته واجبا وطنيا لإنقاذ العراق من حرب مذهبية تنهى وجوده كوطن واحد.

الحكومة انتهت ولايتها والبرلمان شبه معطل والأزمة أكثر تعقيدا من أن تلخصها «داعش»، فالأرضية السياسية والاجتماعية فتحت أمامها أبواب المدن الكبرى التى يتذمر أهلها من القمع والإذلال والشعور بأنهم باتوا مواطنين درجة ثانية.

دخلت على خط النار قوى متباينة بينهم بعثيون وعسكريون سابقون وعشائر مسلحة ولكل طرف أهدافه واحتمالات الصدام بين الشركاء المؤقتين مرجحة فى أقرب وقت وقد بدأت ملاسنات إعلامية اعتبرت أن نسبة الاختراق العسكرى إلى «داعش» وحدها من أعمال اللصوصية.

فى الوقت نفسه، فإن قوى شيعية رئيسية يمثلها تيارى «الصدر» و«الحكيم» أعلنت رفضها الانخراط فى قتال لا تعرف بيقين خريطته وتخشى تداعياته على وحدة الوطن العراقى.

التياران لديهما ميليشيات مسلحة والامتناع رسالة إيجابية فى توقيت حرج أنه يمكن تفادى الحرب المذهبية وأشباحها المرعبة.

التوجه العام نفسه تبنته شخصيات عراقية معارضة أخرى، أبرزها رئيسا الوزراء السابقين «إياد علاوى» و«إبراهيم الجعفرى».

المساجلات الشيعية الحادة التى انتقلت إلى العلن أفضت إلى نتيجتين جوهريتين.

أولاهما تراجع «آية الله السيستانى» عن دعوة التطوع للقتال ووضع شروطا خففت إلى حد كبير من طابعها المذهبى.. وثانيتهما إحراج إيران التى يتهمها القادة الشيعيون المعارضون بأنها تدعم «المالكى».

كان مثيرا أن يطلب متحدثون رسميون باسم «مقتدى الصدر» من إيران أن تنصح رجلها فى بغداد بمغادرة المشهد السياسى.

ورغم الوزن الإيرانى فى بنية القرار العراقى فإنه أصبح فى موقف حرج وغير مسبوق منذ سقوط بغداد عام (٢٠٠٣) تحت الاحتلال الأمريكى.

من ناحية تدخل اليوم (الاثنين) فى جولة جديدة من المفاوضات حول ملفها النووى فى جنيف متطلعة للتوصل إلى اتفاق نهائى يمكنها من لعب أدوار إقليمية أكبر ومن ناحية أخرى فإن تورطها فى أعمال عسكرية خشنة لحماية النظام العراقى الموالى لها عواقبه باهظة على ولاءاتها التقليدية فى صفوف بعض القوى الشيعية وعلى أية أدوار مستقبلية محتملة تخطط لها.

للتورط العسكرى عواقبه ولسقوط «المالكى» عواقب أخرى.

بين السياسة والتورط لا توجد إجابات سهلة بلا كلفة كبيرة.

فى البداية ألمحت باحتمالات تدخلها العسكرى غير أنها خففت لغتها ونفت أن تكون بصدد اتخاذ مثل هذه الخطوة. فتحت نافذة على تعاون مع الولايات المتحدة فى محاربة الإرهاب لكن بعد تعريف الجهات المقصودة به خشية أن يمتد إلى حركات حليفة.

بالنسبة لحلفاء إيران الدوليين والإقليميين فالقضية جماعية لأن العواقب لا تشمل طرفا دون آخر.

روسيا تنظر إلى مستقبلها فى المنطقة وسوريا تنظر فى مدى الضرر الذى يلحق بها وعلى مدى البصر يترقب لبنان مصيره المحتمل فى المشهدين العراقى والسورى.

وبالنسبة لحلف «الناتو« وتركيا العضو الإقليمى فيه فإن كل شىء معلق بما تقرره الولايات المتحدة من حركة ما بين العملين السياسى والعسكرى.

بحسب الإشارات الأولى فالإدارة الأمريكية تتحرك على خطين متوازين.. الأول يوصف الأزمة بأنها سياسية تستدعى حكومة جديدة تتبنى سياسات مختلفة لخفض الاحتقانات وبناء سياسى أكثر تماسكا وقدرة على مواجهة الإرهاب وحفظ مصالحها معا، وهو توصيف يقترب فى خطوطه العريضة مما تطلبه المعارضة على تنوعها.. والثانى يتأهب لاحتمالات تدخل عسكرى لا تحبذه لكنها لا تستبعده، وكان تحرك حاملة الطائرات «جورج دبليو بوش» باتجاه المنطقة إشارة من بعيد على مثل هذه الاحتمالات، وفى اسم حاملة الطائرات رسالة من الماضى القريب رغم أنه فشل بصورة ذريعة.

على حافة الانزلاق إلى حرب أهلية معلنة تنتقل عدواها إلى دول عربية أخرى ومصر ليست بعيدة عن مرمى نيرانها فإن السؤال الجوهرى هنا: ماذا بوسعها أن تفعل أكثر من البيانات العامة التى تؤكد مبادئ لا يختلف عليها أحد دون أن تنطوى على سياسات يعتد بها؟

فى أوضاعها الداخلية يصعب على مصر أن يكون لها أدوار إقليمية مؤثرة لكن الخروج من قلب المشهد كله إلى هوامشه يعرضها لتجريف جديد وينال من أمنها القومى المباشر.

ما يحتاجه العراق أن تتحرك مصر مع الدول العربية بأسرع ما يمكن لبناء خطة عمل مشتركة وعاجلة تمنع الحروب المذهبية من ناحية وتفتح أفقا لحل سياسى ممكن مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى. وبحسب المعلومات المتاحة فإن هناك ميلا رئاسيا لمثل هذا التوجه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved