إغلاق منافذ الأمل

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 16 يونيو 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

أسبوع عصيب، بأحداثه ووقائعه الكبرى، بضخامة الأثر المترتب على ما تم فيه وجرى خلاله على عموم المصريين. شاهدنا وسمعنا ــ بأعيننا وآذاننا ــ مجريات جلسات البرلمان والمناقشات التى دارت حول اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية. انتهى التصويت بتمرير الاتفاقية، وتمرير (من المرارة) ملايين من المصريين فى واحدة من أقسى وأشق الأمور على نفوسهم.
المسألة ــ فى ظنى ــ أكبر بكثير من مجرد خلاف حول اتفاقية لترسيم حدود بين بلدين شقيقين، ولا «خناقة» ترتفع فيها نبابيت الاتهام بالخيانة والعمالة أو تهوى فيها هرّاوات المؤيدين للسلطة على رءوس المعارضين قمعا وعنفا، لا. المسألة أكبر من هذا بكثير، تتعلق بطريقة إدارة الملف ذاته، فى توقيت حرج، وظروف أقل ما توصف به أنها غير مسبوقة، ومشهد دولى وإقليمى على حافة الهاوية، فضلا عن ارتباك وتوتر المشهد العربى كله الذى يسبح فوق محيط من اللهب!
من الخطل وسوء التدبير التعامل مع قضايا شائكة وحساسة تلامس جذور الأعصاب العارية للشعور القومى العام، دون الوضع فى الاعتبار مقومات الجغرافيا وحضور التاريخ والخارطة النفسية والشعورية لشعب يعانى من شروخات وتصدعات عنيفة فى الوجدان العام خصوصا فى السنوات الأخيرة. يجب أن يعى القائمون على مثل هذه الملفات أن مفهوم الوطن ومضمونه، لا يقتصر فقط على أرض ذات حدود معينة، ولكنه بيئة روحية تحدها الآراء والمعتقدات التى ترسخ فى نفوس القاعدة العريضة من الناس وتتصل بهذه الحدود وذرات الرمال!
ليس بالحسم والصرامة وإحكام القبضة وإغفال هذا الشعور القومى العام تدار الأمور وتعقد الاتفاقيات وتمرر وسط أداء برلمانى أقل ما يوصف به أنه «هزلى» بامتياز، بسبب هزليته هذه تضاعفت الآثار المؤلمة على نفوس الناس، واتسعت دوائر الوجع والشعور بالإحباط والعجز وهذا خطير، خطير جدا، فـ«الشعور بالعجز واحد من أسوأ الأمراض الاجتماعية التى تصيب الأمم والشعوب»، كما كتب صدقا الأستاذ عبدالله السناوى فى مقاله المهم قبل أيام هنا فى «الشروق».
فى مثل هذه الظروف، لا يمكن فصل الحاضر عن الماضى، والسياسة عن الجماهير التى ــ شئنا أم أبينا ــ اختلف وعيها وطريقة استجابتها لما يدور حولها عن ذى قبل، ليس من المعقول أبدا التعامل معها على أنها محض مفعول به، لا يحسب حسابها ولا يعتد بمشاعرها ووجدانها الجمعى العام.. أكرر، يجب بل ينبغى أن يوضع هذا الاعتبار على رأس أولويات اتخاذ القرار؛ أى قرار، خاصة فى ما يتصل ويمس عمق وجوهر هذا الشعور.
أمام هذا الظرف العام، كما كتب مُعلقا الباحث والمفكر السياسى القدير سمير مرقص، دأب المفكرون المصريون المعتبرون على الاستقواء بالتاريخ والجغرافيا والثقافة فى فهم ما يستجد على الواقع المصرى، أو يواجهه من محن وشدائد، هكذا فعل جمال حمدان، ولويس عوض، وزكى نجيب محمود، وحسن حنفى، وأحمد صادق سعد، وغيرهم، فأنتجوا مصادر معتبرة خالدة، و«باقية، تمد قارئها بِطَاقة معرفة ووعى وتعينه على إدراك الأمور إدراكا دقيقا وسليما» (ما بين مزدوجين إضافة من عندى).
بل إنه اقترح قراءة الكتب التالية لفهم ما يدور فى مصر، محاولة للفهم والبحث والتحرى والاستقصاء: كتابى «سيناء» و«6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية» لجمال حمدان، و«فى أصول المسألة المصرية» لصبحى وحيدة، و«تاريخ الفكر المصرى الحديث» لويس عوض، و«قناة السويس» مصطفى الحفناوى. وأضاف عليها أيضا إمكانية قراءة كتاب «تاريخ الأقطار العربية» للوتسكى كخلفية لإبداعات المصريين. السؤال: وما الذى يمكن أن نخرج به من هذه القراءات؟ وما الذى نبحث عنه تحديدا فيها؟ يجيب سمير مرقص: التركيز على المشترك فى هذه الكتابات من حيث الأهمية الاستراتيجية لسيناء والبحر الأحمر وقناة السويس، كلها معا، والبحث عن العنصر التاريخى والجغرافى المشترك.. يتم التعامل معها حزمة واحدة تاريخيا وجغرافيا، دون فصل.
نعم. هذا ما كان يجب أن يتم مسبقا ــ على مستوى الإدارة العليا المسئولة عن مثل هذه الملفات ــ وقبل الشروع فى أى إعلان أى قرار من شأنه أن يحدث هزة فى وجدان الناس أو يثير حفيظتهم الوطنية أو يمس من كرامة الوجدان الجمعى العام. تجاهل هذا الأمر، وإغلاق جميع منافذ الأمل ومحاصرة كل طاقة نور يمكن أن تقود إلى الخروج من هذا المأزق العصيب، تداعياته الاجتماعية والنفسية أكبر بكثير مما يمكن أن يتخيل أحد!
***
«فينالة»:
«فعندما تستحكم القبضة.. ولا يوجد منفذ واحد للأمل.. تؤمن القلوب القانطة بالمعجزة»..
(الحرافيش) لـ نجيب محفوظ..

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved