«فيس بوك» أسرع الطرق للتخلص من صديق

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 16 يونيو 2020 - 8:30 م بتوقيت القاهرة


بسبب الكورونا تضاعفت مرات الدخول إلى مواقع «التواصل الاجتماعى» وزادت شكاوى المستخدمين من تورط أغلبهم فى التعليق على قضايا لم تكن فى صلب اهتماماتهم لكن «رجلهم جات» فى المقدر رغبة منهم فى ركوب «التريند» تلك الكلمة السحرية التى أصبحت عنوانا لواقعنا المأزوم.
ولم تعد الشكوى من إدمان «فيس بوك» أو «تويتر» جديدة، لكنها شكوى متجددة وربما أصبحت أكثر عنفا تحت ضغوط الجائحة أو نظرا لانعدام مساحات المشاركة الواقعية وتقلص فرص النقاش فى المجال العام.
وعند مولدها أتاحت فضاءات الإنترنت مجالا عاما بديلا، وخلقت فرصا لتبادل الأفكار والآراء، وكان الأمل أن يحسن ذلك من العملية الديمقراطية، إلا أن ذلك لم يحدث ولم يؤد فى الحالة المصرية إلى تفاعل إنسانى عقلانى رشيد كما كان متوقعا وربما لم يحدث ذلك فى العالم كله كما كان يتمنى المفكر الألمانى يورجن هابرماس عندما صاغ المصطلح وعمل على تعميمه.
وأول ما يلفت النظر فى تعاملنا كمصريين مع «فيس بوك» هو الشعور بأننا صرنا موظفين بدوام ثابت وعلينا التوقيع يوميا فى دفاتر الحضور عبر المشاركة بالتعليق على أى حدث أو خبر بغض النظر عن مدى معرفتنا به أو بخليفاته لكى لا نكون خارج «التريند» الذى بات هو أيضا معيارا للحكم على جودة أى موضوع صحفى أو أى مقال رأى وأصبحت معدلات «الشير» و«اللايك» هى المقياس الوحيد لتقييم المحتوى بغض النظر عن طبيعة المادة أو جودتها أو مصداقيتها.
ولا يعرف أحد من يصنع «التريند» ويضع جدول أعمال المجتمع كل صباح ويقود الجماهير إلى لحظات الاصطفاف أوالتفتيت المطلوبة، ففى أزمنة «فيس بوك» لا توجد كتل أو جماعات ومن نتعامل معهم إما صور أو أشباح فى سباق متواصل نحو الحماقة.
يقول الفيلسوف السلوفينى الشهير سلافوى جيجيك، يساعد «فيسبوك» فى بناء ذات سلبية، ليس بمعنى عدم تفاعل هذه الذات مع المحيط الواقعى، وإنما فى عدم التأثر أو الخضوع لشىء آخر، إذ يمكن المشاركة فى أى حدث دون أن يكون المرء مضطرا للظهور.
وفى الكتاب المهم الذى ترجمه المترجم المتميز ربيع وهبة تحت عنوان: «فيسبوك والفلسفة.. بما نفكر» وصدر عن المركز القومى للترجمة بالاشتراك مع دار المحروسة يؤكد فلاسفة وخبراء أن «فيس بوك» هو «مقبرة للخصوصية» تغذى الأنا وتزيد من درجة النرجسية، وتتيح للمستخدم الآليات التى يمكن بها أن يصنع صورة جديدة أو بديلة لنفسه».
وحسب جيجك: «حسابنا على فيسبوك يريحنا من عبء المسئولية المباشرة، لأنه يشبه الضحك المسجل فى مسلسلات (ست كوم) القصيرة أو النائحات اللواتى يؤجرن فى الجنازات، فهم يضحكون ويبكون بالنيابة عنا، بالتالى فإن الحساب الشخصى على مواقع التواصل الاجتماعى هى نسخة نريدها لأنفسنا».
يصوغ جيجيك مصطلح «التسالبية» كنقيض لفكرة «التفاعلية»، ويقول: «الموقع يحرم مستخدمه من مشاعره وردود أفعاله الحقيقية؛ حيث إن الاستجابة لأى حدث أو رأى تكون عبر هذا الوسيط فقط وليس فى الواقع»، بالتالى فهو يساعد فى الهروب من مسئولية الاعتقاد فى قيم معينة والعمل على أساسها».
ورغم شيوع الاتهام للفيس بوك بتحريك الانتفاضات الجماهيرية التى شهدها العالم فى السنوات الـ 10 الأخيرة، إلا أن جيجيك الذى يعده البعض أهم فيلسوف معاصر فى أوروبا يعتقد أن فيسبوك أيديلوجيا يعمل بالطريقة نفسها التى يعمل بها «المرحاض»!
وتذكر قسوة التعبير بالموقف الساخر ذاته الذى اتخذه مفكر آخر أصيل مثل أمبرتكو إيكو اعتبر معركته مع مواقع التواصل الاجتماعى «أصيلة» وكانت «الأخيرة» فى حياته.
أثر فيسبوك إيجابيا فى أمور كثيرة وساعد فى تقديم فهم أوسع لما يجرى فى المجتمعات وفق ما يؤكده المترجم وساعد على خلق فرص مذهلة فى الارتباط وتكوين العلاقات وقنص وظائف وتحقيق شهرة وكسر حالات الملل والوحدة، أى أنه حقق الشىء ونقيضه، لكنه ساعد فى المقابل فى تعزيز فكرة «الآنية»، ووضع الزمن الحاضر فى مواجهة حمى الماضى، وعمل على التقليل من أهمية الأشياء التى وقعت فى الماضى
ومن اللافت أننا نعيش التباعد الاجتماعى لنزيد من حضور مواقع التواصل الاجتماعى التى تنمى كذلك نزعات الغضب والتعصب وتهيأ لمالكها فرص حصد الكثير من المال جراء تنمية هذا الاشتباك وزيادة معدلات السباب أو عبارات المديح أو «أفعال البلوك» التى سارت أسرع وأفضل الطرق للتخلص من صديق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved