ارتقاء الذهن

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 16 يونيو 2020 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

تثبت الأحداث، والتفاعلات كل يوم أن المشكلة ليست فى امتلاك الوسيلة أو الأداة، ولكن فى أسلوب استخدامها، هنا تظهر الفوارق والاختلافات بين مستوى الوعى الثقافى، وتقدم الشعوب من عدمه. مثال واضح على ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعى؛ حيث تجد الهواتف المحمولة المحملة بهذه التطبيقات فى أيدى الناس جميعا، شرقا وغربا، ولكن أسلوب الاستخدام يفرق بينهم. لقد أصبح شىء مفزع قراءة تعليقات الناس فى مجتمعنا، بما فى ذلك المتعلمين، على أخبار أو آراء منشورة، والتى تظهر إلى أى حد تعانى الثقافة العامة من محنة حقيقية. هناك قدر لا يستهان به من المشاحنات الإلكترونية حول قضايا دينية أو عقيدية، أو مواقف فردية مثل وفاة شخص أو انتحار آخر، أو أحداث جارية مثل وباء كورونا، وغيرها، تستغرب من مخزون الغضب، والتعصب، والادعاء بامتلاك الحقيقة، والحديث باسم الله الذى يجرى على ألسنة العامة، ويعبرون عنه فى نقاشاتهم فى الفضاء الالكترونى. فقد أصبح «الترحم على الأموات» قضية رأى عام، هل تجوز أو لا تجوز على نوعية معينة من الموتى سواء المختلفين فى المعتقد الدينى أو الشخص المنتحر؟ إلى هذا الحد أصبح المجتمع فارغا، سطحيا، ينشغل بقضايا لا تخصه؟ يحدث هذا فى وقت يتحدث فيه الناس عن التماس رحمة الله فى مواجهة فيروس شرس، ينتشر بسرعة شديدة، ويوقع العشرات كل يوم، هل بلغ الأمر بالناس إلى حد التجرؤ على تحديد مسارات الرحمة الإلهية التى يتعين أن تمضى فيها؟
هذا مجرد مثال، والأمثلة على الفراغ النفسى والثقافى فى حياة الناس كثيرة. عندما تطالع النقاشات على التواصل الاجتماعى فى مجتمعات متقدمة يعجب من الأسلوب الجيد فى التعبير عن الآراء، مهما كانت حجم الاختلافات، وهو أمر نابع من تحضر ثقافى فى شتى مجالات الحياة. التصرف المتحضر فى الواقع الافتراضى هو امتداد للتصرف المتحضر فى الواقع الفعلى. كيف يمكن أن نرى الناس فى مجتمعنا يتناولون القضايا، مهما كان حجم الاختلافات فيما بينهم، بشىء من الرقى، وحسن التعبير، والاحترام فى الحديث؟ أظن أن المشكلة تكمن فى التعليم، الذى لم يعرف التفكير النقدى لعقود طويلة، والثقافة الدينية التى تتسم بدرجة من الشعور بالتعالى فى مواجهة الأخرين، والتطرف الفكرى الذى يجعل من الانسان وصيا على غيره، والمثقفون الذين ينشغلون عن العامة، ويخاطبون شرائح ضيقة بلغة لا يكاد يفهمها سواهم.
الحداثة ليست فى امتلاك الوسائل، ولكن فى الإدراك الثقافى الصحيح لاستخدامها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved