الحركة العربية الواحدة

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 16 يونيو 2021 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

هناك جانب من واقع الأيديولوجية القومية العربية، كما يمثلها المشروع النهضوى بأهدافه الستة، لا يحظى بمناقشة كافية. إنه يتعلق بمنهجية وأساليب العمل من أجل تحقيق تلك الأهداف. فالأهداف التى لا يصاحبها فعل فى الواقع تنقلب إلى ثرثرة أكاديمية.
والسؤال هو: هل أن ترك النضال من أجل تلك الأهداف للقوى السياسية القطرية، والاكتفاء بالتنسيق والتعاون فيما بينها، كاف لتحقق تلك الأهداف فى أمد معقول؟ خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار التراجعات المفجعة والخراب الهائل والاستباحة الأجنبية الممنهجة التى حلت بالوطن العربى منذ نهايات القرن الماضى، والتى تجعل الأمة كلها تعيش فى حالة أزمة وجودية كبرى.
والجواب هو أن ذلك لن يكفى، لأن قوته وفاعليته القطرية لن تكون متناسبة مع الأخطار الكبيرة التى تواجهها معظم الأقطار العربية، وخصوصا الأقطار التى كانت تاريخيا تمثل عقل وقلب وروح هذه الأمة.
من هنا كان طرح فكرة الحزب القومى العربى الواحد أو الحركة القومية الواحدة، وعدم الخضوع لمتطلبات ومحددات الحدود فيما بين الأقطار العربية، الذى تم فى أربعينيات القرن الماضى. لكن قداسة ذلك الطرح القومى النضالى لم تمنع الصراعات والانقسامات والمؤامرات التى عاشتها تلك المؤسسات القومية، والتى أدت إلى هامشيتها فى الحياة العربية وتسليم الأمر إلى العساكر وإلى مختلف الأقليات الحاكمة.
ولذلك، وبعد تراجع مد الخمسينيات القومى المتعاظم، جرى طرح شعارات من مثل «الحركة العربية الواحدة» أو «الكتلة العربية/ القومية التاريخية» أو «جبهة النضال العربى الموحدة» أو «الكتلة التاريخية الديمقراطية». ونوقشت تلك الشعارات فى ندوات وكتابات ومؤسسات سياسية محدودة.
لكن تلك النقاشات لم ترتفع قط إلى مستوى الزخم الشعبى الواسع، وظلت حبيسة غرف المثقفين والجزعين على مصير هذه الأمة.
وإذن هناك حاجة ملحة لإعادة طرح فكرة وشعار ومأسسة «الحركة العربية الواحدة» من جديد، بأسلوب مختلف، بزخم أكبر، بقوى جديدة متمرسة فى مستجدات العصر وإمكانياته التنظيمية والتواصلية الهائلة. هناك حاجة أيضا لجرأة أكبر، لنفس طويل غير متردد، ولسبر أغوار الفطرة بكل تفاصيلها وتعقيداتها.
المجال هنا لا يسمح بالدخول فى كثير من التفاصيل الهامة بالنسبة لآفاق العمل من أجل تحقق الفكرة: من الذى سيشارك، من الذى سيتعاون، من الذى سنواجه كعدو لمثل هكذا توجه، أين مكان المنطلق، والذى يمكن استيعابه من ماضى النضال القومى الوحدوى وما الذى يجب نقده والابتعاد عنه، ما الذى سيقوم به المركز وما الذى ستقوم به الأطراف، ما وزن التبشير وما وزن الفعل، ما مكانة وتفاصيل الممارسة الديموقراطية الحقيقية لإدارة كل ذلك، ما دور المؤسسات المدنية العربية غير السياسية فى بناء ودعم والعمل مع هذه الحركة.
هناك عشرات الأسئلة الأخرى، وبالتالى فقد لا توجد إجابات مقنعة لكلها فى آنٍ واحد ومنذ البداية. لكن المهم هو أن لا يوجد غموض مقصود، وأن لا تمارس انتهازية فكرية، وأن تمارس المرونة حيث تجب والمبدأية الصارمة حيث التمسك بالقيم الفكرية والأخلاقية لا مساومة فيها.
من الضرورى أن يعى شباب الأمة وشبابها، أمل المستقبل العربى الذى بقى، بأن نضالهم يجب أن يكون أكثر من حشد وتجييش جماهيرى مؤقت وغير منتظم، وأن لا تفارق جهودهم الأفكار والاستراتيجيات والمنهجيات والإيديولوجيات المفصلية المطلوبة.
مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved