مهلًا بالحوار كي ينجح

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 16 يونيو 2022 - 7:50 م بتوقيت القاهرة

الحوارات الوطنية التى تجرى فى النظم السياسية الغرض منها أنها وسيلة للوصول لحالة من الرضاء العام بين الحكام والمحكومين، وهو أمر مهم فى النظم الراغبة فى التحول الديمقراطى. بعبارة أخرى، فإن الحوارات الوطنية كما أنها غير قائمة فى النظم الديمقراطية العتيقة كالولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، فإنها فى النظم السلطوية ككوريا الشمالية وميانمار غائبة.
على أنه فى غمرة السعى إلى حوار وطنى جدى، عادة ما يتصادف عديد الأمور التى تقف عثرة مؤقتة أمام الحوار.
الناظر إلى مسار الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل الأسرة المصرية منذ أسابيع، يلاحظ أن هناك بعض العثرات التى تقف فى مواجهة هذا الحوار.
بداية، كانت مشكلة أكاديمية التدريب التى قيل إنها ستقود عملية التنظيم، وقد حلت تلك المشكلة بعد أن اتفق على أن يكون للأكاديمية دور شكلى ولوجستى، يتحدد بكونه دورا خاضعا إلى لجنة من جميع الأطراف المؤيدة والمعارضة للسياسات الراهنة.
تلا ذلك حديث عن تحديد أسماء بعض الشخصيات لقيادة عملية التنظيم. صحيح أن الأسماء التى ذكرت لا غبار عليها من حيث الشكل، لكن بقيت المشكلة فى الخشية من أن يكون اتخاذ قرارات دون اتفاق سيفضى إلى سياسة عامة مشابهة طيلة الحوار. والثانى، ضرورة احترام المادة 239 التى تنص على عدم ندب القضاة إلى غير الهيئات القضائية.
المشكلة الثالثة، ترتبط بالعفو عن السجناء والموقوفين والمحبوسين احتياطيا، كنوع من عربون الصداقة والثقة وسماحة النوايا. والمؤكد أنه قد تم فى الأسابيع الماضية الإفراج عن شخصيات عدة، لكن ما هو ملاحظ من تصريحات الفواعل السياسية المعارضة، أن ما أفرج عنه يمثل القدر اليسير جدا من الناس، فالمقصود هنا بالمطلوب الإفراج عنهم، من تم إيقافهم وليس لديهم أى توجه سياسى (على حساب أن من لديه توجه يجب توقيفه). بعبارة أخرى، هؤلاء معظمهم تم توقيفهم صدفة، كأن يكونوا قد مروا فى الشارع أثناء تظاهرة أو أعمال عنف. ما تثيره المعارضة هنا هو وجود مؤسسات توافق على الإفراج بلا شروط، وأخرى بشروط كبيرة. وبالطبع هذا الأمر يطرح التباسا كبيرا وتضاربا فى المعايير، والأهم من كل ذلك، يشكك المعارضة فى الحضور. إذ إنه طالما أن عمل لجنة العفو مقوض، فالمؤكد كما يرون أن الحوار لن يأتى بجديد إذا ما اتفق على الإفراج عن هؤلاء غير المتورطين بأعمال عنف.
المشكلة الرابعة، تتعلق بتحديد أسماء المتحاورين أو الفواعل الرئيسة فى الحوار. هنا حدث نوع من الاتفاق على استبعاد من تلوثت إيديهم بدماء المصريين، أو من هم قد دعوا إلى العنف كسبيل لحل الخلافات السياسية. غير ذلك لا زال هناك خلافات حول من سيحضر الحوار، وهى خلافات رجعت بالأساس إلى كثرة الراغبين فى أن يكون لهم مقعد على مائدة الحوار. محمد أنور السادات هو واحد من الذين قيل إنه لم تتم دعوتهم، رغم رؤيته لعديد الأمور محل الحوار. الحركة المدنية والديمقراطية المؤلفة من سبعة قوى سياسية، ربما يضاف لها خمس قوى أخرى، هى تقريبا الأطرف المعارضة الرئيسة، والذى لا يمكن تجاهلها فى هذا الحوار، لأن تجاهلا من هذا القبيل سيفقد الحور مغزاه ومعناه، وسيفضى إلى التفاوض بين الموالاة والموالاة بتعبير الأشقاء اللبنانيين.
خلاصة القول، أن التفاصيل هى عادة ما تفضى إلى الخلافات بين الأطراف المتحاورة، وهى التى تفجر أية مسألة قبل الخوض فيها. لكن لا يعنى ذلك إننا يجب أن نتحلى بالثقة المشتركة فيما بيننا. فالمصريون لديهم طباع غير الآخرين، وأقصد بالآخرين هنا بعض الأشقاء الذين يقومون الآن بالتفاعل فى حوار وطنى، ويقصد بهم اليوم الأشقاء الليبيون والأشقاء السودانيون، وهؤلاء ميراث الثقة بين أطراف الحوار شبه مفقود، ناهيك عن الظروف المختلفة للحوارين مع الحوار الذى سيجرى فى مصر قريبا.
وهكذا فإن المطلوب من الجميع اليوم التحلى بأكبر درجة من درجات الحكمة، لتفويت الفرصة على أعداء الوطن، وتحقيق التوافق العام، فى ظل المناخ الحالى الذى يشعر فيه الكثيرين بعدم الرضاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved