كذب الإسرائيليون ولو صدقوا

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 16 يوليه 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

ماذا نقول إزاء سيل المعلومات المستفزة التى تتداولها الصحف الإسرائيلية عن مصر؟ ذلك أنه إزاء الصمت الرسمى المصرى فضلا عن القيود والضوابط المفروضة حول تداول المعلومات، فإن الواحد منا يسعى جاهدا لأن يكتم غيظه ولا يملك أكثر من التساؤل عن مدى صحة ما يذاع وينشر. راجيا أن يتولى أولو الأمر «تنويرنا» يوما ما إما بتصويب أو نفى أو حتى تأكيد تلك المعلومات. وليتهم يحيطوننا علما بذلك فى وقت مناسب قبل أن تقع «الفأس فى الرأس» ونفقد القدرة على كتمان الغيظ.

لا أخفى أننى من جيل يعتبر كراهية الصهاينة فرض عين على كل مواطن شريف. لذلك فالأصل أن كل من يصدر عن الإعلام الإسرائيلى سيئ النية ومشكوك فيه. إذ القاعدة عندى تلخصها عبارة «كذب الإسرائيليون ولو صدقوا». إلا أن الاقتناع بذلك لا يشفى الغليل أو يبدد الغيظ، الذى يمكن أن يتكفل به التصويب أو النفى المصريين. وبالمناسبة فإن المرء لا يستطيع أن يخفى حيرته إزاء مسارعة المتحدث باسم الخارجية المصرية أو المصادر السيادية الغامضة إلى التعقيب على ما تنشره المنظمات الحقوقية الدولية أو بعض الصحف الأمريكية الناقدة لمصر أو على التصريحات التى تصدر عن بعض «الأعدقاء» ــ تركيا وقطر مثلا ــ فى حين تلتزم تلك المصادر الصمت إزاء التسريبات التى يتداولها الإعلام الإسرائيلى رغم حساسيتها وأهميتها.

ما دفعنى إلى إيراد تلك المقدمة أن بعض الصحف الإسرائيلية تداولت فى خلال الأسبوع الماضى أخبارا وتعليقات مثيرة بخصوص نشاط عسكرى تقوم به إسرائيل فى سيناء. ولم أجد لها صدى يذكر فى القاهرة، فقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» يوم الأربعاء الماضى (١٣/٧) تعليقا لمراسلها العسكرى إليكس فيشمان انتقد فيه التسريب الإسرائيلى بشأن قصف مواقع «داعش» فى سيناء. وقال إن التسريب سبب أضرارا فادحة لكل من القاهرة وتل أبيب. حيث عبر عن قلقه من أن يؤدى التسريب إلى إعاقة التعاون بين البلدين للقضاء على أنصار داعش الذى يمثل مصلحة مشتركة بينهما.

فى الوقت ذاته كان ألوف بن دافيد معلق الشئون العسكرية فى القناة التليفزيونية العاشرة بإسرائيل قد كشف النقاب عن أن الدولة العبرية قامت بتنفيذ أعمال عسكرية سرية للغاية داخل الحدود المصرية. ولم يوضح ما إذا كان ذلك تم بتنسيق مع السلطات المصرية أم لا.

على صعيد آخر نشرت يديعوت أحرونوت مقالة لكبير محلليها العسكريين رون بن يشاى ذكر فيه أن الحكومة الإسرائيلية أحرجت بعدما نشرت بعض وسائل الإعلام المحلية والغربية تصريحات لأكثر من مسئول إسرائيلى ذكروا فيها أن إسرائيل تنفذ غارات فى قلب سيناء. إذ اعتبرت أن تداول مثل تلك التصريحات من شأنه أن يسبب حرجا لا تريده للسلطات المصرية التى لم تشر إلى الموضوع من قريب أو بعيد. إلا أن بن يشاى أكد المعلومات السابقة قائلا إن بعض الغارات داخل سيناء تمت دون تنسيق مع مصر. وأشار إلى أن ذلك لا يحدث إلا إذا تأكد لدى الاستخبارات أن الجماعات النشطة فى سيناء تخطط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل. أضاف فى هذا الصدد أن المخابرات الداخلية (الشاباك) شكلت وحدة خاصة لجمع المعلومات عن داعش فى سيناء. والمعلومات التى تجمعها فى هذا الصدد يتم إبلاغها للمصريين أولا بأول.

مما ذكره أيضا كبير المعلقين العسكريين بالصحيفة أن الجيش الإسرائيلى شن غارات جوية فى قلب سيناء فى شهر أغسطس عام ٢٠١٣ ردا على إطلاق جماعة داعش صواريخ استهدفت إسرائيل. كما أن إسرائيل شنت فى شهر مايو عام ٢٠١٤ غارة بدون طيار استهدفت قتل شادى المنيعى قائد تنظيم داعش بسيناء وثلاثة من رفاقه.

جدير بالملاحظة فى هذا الصدد أن موضوع غارات إسرائيل داخل سيناء أصبح محلا للتجاذب وتبادل الاتهامات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبين خصومه السياسيين. إذ ذكر موقع «يسرائيل بلس» يوم الأربعاء الماضى (١٣/٧) أن مقربين من نتنياهو يتهمون خصمه ووزير حربه السابق موشيه يعلون بالكشف عن المعلومات لإحراج رئيس الوزراء، فى حين أن يعلون يتهم نتنياهو بتسريب المعلومات.

وعلى ذكر التدخلات العسكرية الإسرائيلية فإن نتنياهو كشف بنفسه النقاب فى العاشر من شهر مايو الماضى عن أن تل أبيب هددت القاهرة بإرسال قوات عسكرية إلى مصر إبان اقتحام سفارتها فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.

الجدل حول النشاط العسكرى الإسرائيلى فى سيناء. يذكرنا بالتصريحات الغريبة التى أدلى بها فى شهر فبراير الماضى وزير الطاقة والبنى التحتية نوفال شطاينتس إذ ذكر أن مصر أغرقت أنفاق غزة بالمياه بناء على طلب إسرائيلى. وهو التصريح الذى مر آنذاك دون تعقيب أو أى رد فعل من القاهرة.

أكرر بأننى لا أثق فى المعلومات التى تخرج من إسرائيل، وأكذبها وأنا مغمض العينين. مع ذلك فإن صداها المرجو فى مصر إذا سمع فإنه لابد أن يريح القلب ويجبر الخاطر. وفى غيبة ذلك الصدى الذى نفتقده فإننا لا نستطيع أن نخفى الشعور بالقلق والخوف، كما أننا لا نستطيع أن نبقى طويلا نهبا للحيرة إزاء تلك التقارير التى لا نفهم بعضها ولا نكاد نصدق البعض الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved