ماذا سيحدث فى إدلب.. حيث يُحاصر ملايين المدنيين السوريين؟

من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»

آخر تحديث: الثلاثاء 16 يوليه 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مدونة ديوان الصادرة عن مركز كارنيجى للشرق الأوسط تقريرا يتناول فيه آراء بعض الخبراء حول الأوضاع الحالية فى مدينة إدلب السورية والصراع بين المعارضة والحكومة السورية، وما نتج عنه من حصار وجرائم ضد المدنيين وضرب للمنشآت الإنسانية مثل المستشفيات والمدارس.

أشارت الباحثة سارة كيالى إلى أن الوضع فى إدلب، آخر المعاقل السورية الخاضعة إلى سيطرة المجموعات المناهضة للحكومة، لم يعد يحتمل. فقد أعربت الحكومة بوضوح عن نيتها استعادة إدلب مهما كلف الأمر، لكنها لن تتمكن من فعل ذلك من دون الحصول على دعم حليفتها الأساسية روسيا. ومع أن موسكو ألقت ظلالا من الشك على مدى الحاجة إلى شن هجوم عسكرى كبير فى إدلب، لم يمنعها ذلك من القيام، إلى جانب القوات التابعة للنظام، بقصف البنى التحتية المحصنة واستخدام الأسلحة المحظورة دوليا، بما فى ذلك الذخائر العنقودية، ما يشى بعدم اكتراثهما الواضح بحياة المدنيين.
كذلك، أحكمت هيئة تحرير الشام، وهى المجموعة الأساسية المناهضة للحكومة فى إدلب، قبضتها على المدنيين، إذ اعتقلت بشكل تعسفى العديد من الأشخاص وأساءت معاملتهم لسحق المعارضة. ويرتدى الوضع أبعادا أخطر على ضوء إغلاق تركيا لحدودها، ما يمنع هرب المدنيين من أتون العنف، فيما يلوح فى الأفق شبح حدوث كارثة إنسانية، على حد تعبير الأمم المتحدة.
الواضح أن روسيا وتركيا تضطلعان بدور أساسى فى تقرير مصير إدلب. ولذلك ترى الباحثة أنه طالما أن روسيا تغطى انتهاكات الحكومة، وتركيا تواصل إغلاق حدودها فى وجه الفارين من الصراع، يتوقع أن يتكبد المدنيون المحاصرون فى إدلب، والبالغ عددهم 3 ملايين نسمة، تكاليف باهظة.
***

وأضافت الباحثة إيما بيلز أن الصراع سيستمر فى إدلب على الأرجح، وسيتفاقم بالتالى تدهور الأوضاع الإنسانية هناك. يشار إلى أن أعمال العنف الأخيرة أدت إلى المزيد من موجات الترحيل، إذ إن بعض السكان انتقلوا من مكان إلى آخر من خمس إلى عشر مرات خلال فترة الصراع، بحيث تواجه المنظمات الدولية صعوبة فى مواكبة تحركهم.
وفى نفس الوقت، يعيق وجود هيئة تحرير الشام فى إدلب، وهى فصيل مسلح تصنفه بعض الدول تنظيما إرهابيا، وارتفاع الهجمات ضد المنشآت الإنسانية، قدرة القطاع الإنسانى المستنزف أصلا على الاستجابة للأزمة المستفحلة.
وتشير الباحثة إلى أن الكثير من الهجمات شنت على المستشفيات ومناطق توجد فى قطاع خفض التصعيد. والمقلق أن هذا الأمر لم يخضع إلى أى محاسبة، الأمر الذى ينذر بالسوء. ومع أن الهجمات على المنشآت الإنسانية فى مناطق خفض التصعيد تعتبر جرائم حرب وخطا أحمر واضحا، اقتصر الرد على بعض التصريحات التى أبدت المخاوف حيال هذا الوضع.
أما بالنسبة لتركيا، فتقول الباحثة إنه لم ينفذ صبرها بعد. فبالرغم من أنها أعربت عن مخاوفها من خلال روسيا ومسار أستانة، لكن فيما يتوالى النزاع فصولا، قد يظهر أن العملية العسكرية فى إدلب تطرح تهديدا للمصالح التركية، ما قد يستدعى دعم حلف شمال الأطلسى (الناتو)، أو يولد تدفقا للاجئين يهدد حدود الاتحاد الأوروبى. وهذه خطوات ستؤدى على الأرجح إلى رد يكون أكثر حزما من مجرد «المخاوف» التى تبديها الحكومات الغربية، فيما لا تزال إدلب قابعة تحت وطأة الهجمات.
***
ويرى الباحث زياد ماجد أن الحملة العسكرية التى أطلقها نظام الأسد وروسيا على إدلب خلال الأشهر القليلة كشفت عن محدودية قدراتهما العسكرية، وأرجع الباحث ذلك إلى سببين: الأول يتمثل فى أن الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية الموالية لإيران، فضلا عن القوات الإيرانية الخاصة، غير منخرطة فى المعارك الدائرة على الأرض، والثانى أن الحدود مع تركيا ليست مقفلة، ولذا، تواصل قوات المعارضة الحصول على الذخيرة والدعم اللوجستى خلال العمليات.
بهذا المعنى، تمكنت قوات الرئيس السورى بشار الأسد والقوات الروسية فقط من إحراز تقدم بخطى بطيئة فى المنطقة الواقعة بين محافظتيْ حماة وإدلب. لكنها مع ذلك، أقدمت على تدمير جزء كبير من البنى التحتية الصحية فى إدلب (بما فى ذلك مواقع كانت وضعتها الأمم المتحدة تحت حماية الروس)، كما استهدفت المدارس، وقتلت مئات المدنيين، وهجرت مئات الآلاف من قراهم ودفعهم إلى التوجه نحو الحدود التركية.
أما ما قد يحدث فى المرحلة المقبلة، فيعتمد إلى حد كبير على المحادثات الروسية ــ التركية والإيرانية ــ الروسية. بالنسبة إلى الأولى، لن تؤدى الحملة العسكرية الراهنة، طالما أن موسكو وأنقرة لم تتفقا على كيفية إدارة شمال غرب سوريا، سوى إلى وقوع المزيد من الإصابات فى صفوف المدنيين وتهجيرهم، باستثناء حدوث بعض التغييرات الطفيفة فى جنوب إدلب. أما بالنسبة إلى المحادثات بين إيران وروسيا، فمن الصعب تخيل أى تغيير جذرى فى الوضع القائم، إن لم تتم دعوة القوات الموالية لإيران إلى المشاركة فى العمليات العسكرية. هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا حاليا، إذ إن روسيا حريصة ألا تعزل الولايات المتحدة، من جهة، أو تنسف أى اتفاق محتمل طويل الأمد مع تركيا، من جهة أخرى.
ويتوقع الكاتب إذا صح كل ما سبق أن ما سيحدث فى إدلب هو شن مزيد من الهجمات الجوية، وارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين، وإجراء مزيد من المحادثات التقنية (بين موسكو وأنقرة) للتوصل إلى صياغة تفاهمات جديدة متعلقة بشكل أساسى بالمناطق القريبة من قاعدة حميميم الروسية والطريق الذى تربط الساحل بحلب.
***

ويضيف مهند الحاج أن شن هجوم شامل على إدلب ليس بسيناريو واقعى. فاندلاع مثل هذا النزاع سيؤدى إلى تدفق موجة من اللاجئين نحو تركيا، الأمر الذى من شأنه أن يلحق الضرر بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية. من جهته، قد يواصل النظام السورى، بدعم من روسيا، عمليات القصف التى يقوم بها للضغط على أنقرة، بيد أن تركيا قادرة على الرد بتسليح حلفائها الثوار بشكل أفضل وتحصين مواقعها فى المنطقة.
ويرى الباحث أن ثمة سببا ثانيا يضع مثل هذا الهجوم فى خانة الشك، ويتمثل فى وجود توترات إيرانية ــ روسية فى جميع أنحاء سوريا. لذا المشاركة الإيرانية مستبعدة إلى حين التوصل إلى تفاهم بين طهران وموسكو حول مستقبل الدور الإيرانى فى سوريا ما بعد النزاع. ومن دون دعم قوات المشاة الإيرانيين، لن يحدث على الأرجح هكذا هجوم.
ومن الجدير بالذكر أن ما حدث فى شرق سوريا، الخاضعة حاليا إلى سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التى يقودها الأكراد وتحظى بدعم أمريكى، يعتبر محوريا بالنسبة إلى أى تطور مهم فى الشمال الغربى. ففى حالات سابقة، قامت كل من روسيا وتركيا بتبادل الأراضى فى إدلب وعفرين، على التوالى، ما سمح لكل طرف بتطبيق أجندته فى المنطقة التى سيطر عليها. لهذا السبب، قد يؤدى انسحاب أمريكى من شرق البلاد إلى انهيار الوضع القائم حاليا فى شمال سوريا.

النص الأصلى :من هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved