الرهان الأخير!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 16 يوليه 2021 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

شهدت الفترة الماضية نبرة تحذيرية من مغبة الحل العسكرى لأزمة سد النهضة الإثيوبى، ومحاولة البعض تصدير الخوف من التداعيات السلبية التى يمكن أن تحدث لمصر، حال أقدمت على استخدام مثل هذا الخيار الذى يمثل الرهان الأخير للدفاع عن حقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل.
هذا الخوف غير المبرر الذى تبلور على وسائل التواصل الاجتماعى وفى بعض الوسائل الإعلامية، ارتفعت وتيرته منذ الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، التى اعتبرها البعض «صدمة غير متوقعة» لمصر، رغم أنها منذ البداية كانت مجرد تحصيل حاصل من وجهة نظر الكثيرين، لأن القضية لم تصل بعد إلى حد تهديد الأمن والسلم بالمنطقة.
مبررات البعض فى التحذير من استخدام الخيار العسكرى، تنحسر فى أن هناك تواطؤا دوليا ضد مصر، بهدف تحجيم قدراتها العسكرية الكبيرة وإخراجها من معادلة القوة فى المنطقة، وأن هناك سيناريو معدا ضد مصر أو «مؤامرة» لضرب مشروعها للنهوض الاقتصادى!
هذه الآراء أشبه باستسلام مبكر لغطرسة الأحباش، قبل أن تطلق رصاصة واحدة فى معركة البقاء التى يفترض أن تخوضها مصر، حتى تمنعهم من التحكم فى مصيرها ووجودها وحقوقها المشروعة فى النيل، ورسالة بالغة السوء يمكن أن تصل لأديس أبابا وغيرها من العواصم الإفريقية المتحكمة فى النهر، عن تهيب وتهرب مصر من المواجهة دفاعا عن حقوقها التاريخية ورفعها الراية البيضاء قبل اندلاع الحرب!
ربما يريد هؤلاء الذين يدعمون هذا التوجه، إيجاد مخرج للدولة المصرية من أجل رفع الحرج عنها فى هذه الأزمة، رغم أن الدولة نفسها لم تعلن رسميا عن إسقاطها للخيار العسكرى، بل وتؤكد دائما وبشكل غير مباشر أنه الرهان الأخير لإجبار أديس أبابا على احترام حقوقها فى مياه النهر.
هذا أمر طبيعى لأن أى سلطة فى العالم، تدرك أن بقاءها مرتبط ارتباطا شرطيا بحجم الإنجاز الذى يتحقق يوميا، وبالحفاظ على مصالح ومقدرات الدولة، وأن أى إنجاز أو إنجازات مهما كان بريقها ولمعانها أو تأثيرها وأهميتها فى الماضى، ليست مبررا على الإطلاق لعدم محاسبتها على الإخفاقات الأخرى، أو على عدم قيامها بواجباتها كما ينبغى من أجل الحفاظ على مكتسبات بلادها، كما أنها تدرك أن التناول الإعلامى المكثف لتلك الإنجازات لن ينسى الناس التساؤل المشروع عن أسباب إخفاقها فى الملفات الأخرى الأكثر حيوية وأهمية.
فعبدالناصر مثلا ــ وبعد كل هذه السنوات على رحيله ــ لا يمكن أن نتقبل فقط قيامه بثورة 23 يوليو أو تشييده المصانع أوتحقيقه الإصلاح الزراعى، دون أن نحمله وحده مسئولية الهزيمة فى يونيو67.. وفى حالة السادات، لا نستطيع تذكر فقط قيامه بالعبور العظيم فى أكتوبر 73 دون أن نحاسبه على «تسمينه» الجماعات الدينية لمواجهة معارضيه.. وبالنسبة لمبارك فلا يمكن القبول بأنه حقق استقرارا ونموا اقتصاديا، ونفذ مشاريع مهمة مثل «الطريق الدائرى»، دون محاسبته على تدميره وتجريفه الحياة السياسية على مدى 30 عاما.. وبمد الخط على استقامته، فإننا لا يمكن أيضا أن نتذكر فقط للرئيس السيسى إزاحته حكم الإخوان عام 2013، وبناء العاصمة الإدارية وإطلاق مبادرات مهمة للحماية الاجتماعية، دون أن نسأله عن مياه النيل التى تريد إثيوبيا ــ فى عهده ــ وقف تدفقها بسلاسة إلى مصر للأبد!
الرئيس السيسى نفسه يعرف ويدرك ذلك جيدا، ولذلك قال خلال إطلاق مبادرة «حياة كريمة» باستاد القاهرة أول من أمس، إن «المساس بأمن مصر القومى خط أحمر ولا يمكن اجتيازه (شاء من شاء.. وأبى من أبى)، وإن ممارسة الحكمة والجنوح للسلام لا يعنى بأى شكل من الأشكال السماح بالمساس بمقدرات هذا الوطن والذى لن نسمح لأى ما كان أن يقترب منه ولدينا فى سبيل الحفاظ عليه خيارات متعددة نقررها طبقًا للموقف وطبقًا للظروف».
نعتقد أن هذا الكلام الواضح يؤشر إلى أن الدولة المصرية لم ولن ترفع الراية البيضاء فى أزمة سد النهضة، وأن جميع الخيارات ما زالت على الطاولة، لأن القضية تتعلق بوجود شعب وكرامة أمة وكبرياء دولة عظيمة فى المنطقة والعالم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved