البحث العلمى والابتكار واستراتيجية التغير المناخى

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: السبت 16 يوليه 2022 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

تتضمن الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخى 2050 والتى أطلقت رسميا فى 19 مايو الماضى خمسة أهداف رئيسية، وبغض النظر عن أن الهدف الخامس ــ كما يراه أحد زملائى الأعزاء ــ يستحق أن يكون هو الأول لأهميته أعتقد أن تناوله فى الاستراتيجية ما زال بحاجة للكثير من التطوير سواء من ناحية المحتوى أو من ناحية مؤشرات قياس الأداء. وينص الهدف على «تعزيــز البحــث العلمــى ونقــل التكنولوجيــا وإدارة المعرفــة ورفــع الوعــى لمكافحــة تغيــر المنــاخ»، ويشمل هذا الهدف ثلاثة أهداف فرعية أولها تعزيــز دور البحــث العلمــى ونقــل التكنولوجيــا فــى التخفيــف مــن تغيـر المنـاخ والتكيـف معـه. وبعد أن قرأت الورقة التى أصدرها معهد التخطيط القومى والتى كتبها د. هشام هدارة بعنوان «سیاسات التكنولوجیا والابتكار فى مصر» والتى صدرت فى نفس شهر صدور السياسة الوطنية للتغير المناخى، تعجبت من كون مخرجات تلك الورقة الهامة، فبالرغم من وجود بعض الملاحظات عليها إلا أنه لم يتم تبنى بعضها فى صياغة الأهداف الفرعية والمؤشرات الخاصة بهذا الهدف. مثلا، خلصت الورقة إلى أن «مصر لیس لديها سیاسة وطنیة للابتكار والتكنولوجیا».
• • •
يشير الكاتب إلى أن اكتمال «دورة الابتكار، بتحویل مخرجات البحث والتطویر إلى منتجات أو خدمات تمثل قیمة مضافة للاقتصاد فى مصر، یحتاج إلى تعدیل بعض السیاسات واستحداث سیاسات جدیدة حتى لا تضیع مخرجات البحث والتطویر فیما یسمى «وادى الموت»؛ الذى یعبر عن المرحلة ما بین البحث والتطویر وبین اكتمال عملیة الابتكار بنجاح بخروج منتجات مبنیة على نتائج البحث والتطویر إلى السوق».
فبينما تطالب الاستراتيجية بإنشـاء كيـان وطنـى لتنسـيق الجهـود تقترح الورقة وضع آلیات للتعاون والتكامل بین المعامل البحثیة فى الجامعات وبین المراكز البحثیة الحكومیة فى إطار خارطة طریق وخطط واضحة ومعلنة للبحث العلمى فى مصر. كما تطالب بزیادة حجم التمویل للبحث العلمى والتركیز على المشروعات المشتركة مع الصناعة فى إطار خطة الدول، وللتصدى لنزيف العقول المصرية تقترح الدراسة «دعم وتمویل عودة الخبرات المصریة من الخارج للعمل بالشركات والجامعات والمعاھد البحثیة المصریة ولو لفترات قصیرة». وتقترح الورقة مقترحات جادة أخرى لتشجيع البحث والباحثين أيضا فى الشركات الصناعية.
وتختتم الورقة بتوصية هامة «یجب.. إعادة تعریف دور الجامعات والمراكز البحثیة لتصبح مراكز نقل للعلم والمعرفة والتكنولوجیا إلى المجتمع وقطاعات الإنتاج والخدمات والشركات التكنولوجیة الناشئة. فالجامعات ومراكز البحوث والعاملین بهم یمثلون جیش المعرفة الذى یخوض معركة الابتكار جنبا إلى جنب مع الصناعة. ولذا یجب إعادة النظر فى القوانین المنظمة للجامعات والمراكز البحثیة وقواعد ترقیات الباحثین وأعضاء هيئات التدریس بحیث تعمل على تعبئة وتوجیه وتهيئة هذا الجیش. كما یتعین محاسبة إدارات هذه المؤسسات والعاملین بها على مدى نجاحهم فى نقل العلم والتكنولوجیا إلى المجتمع فى صورة رخص براءات اختراع وتكنولوجیات جدیدة، وعلى الأثر التنموى الناتج عن ذلك».
• • •
بينما يشير الهدف الفرعى الثانى فى الاستراتيجية إلى تسـهيل نشـر المعلومـات المتعلقـة بالمنـاخ وإدارة المعرفـة بيـن المؤسسـات الحكوميـة والمواطنين، إلا أنه لم يذكر الأسباب والعوائق أمام ذلك سواء إدارية أو أمنية وكيفية التغلب عليها. فى الحقيقة يمثل تدفق المعلومات فى المجتمع وإتاحتها للباحثين والمواطنين محورا رئيسيا من محاور وطرق التحول للاستدامة وخاصة فى جانب تقليل الاستهلاك، كما تذكر ذلك العالمة الكبيرة دونيلا ميدو من خلال تجربة وضع عداد الكهرباء أمام السكان مقابل وضعه فى مكان غير ظاهر، وكيف أن وضعه فى المكان الظاهر أدى إلى خفض الاستهلاك إلى حد كبير نتيجة الوعى ببيانات الاستهلاك بصورة مباشرة، ولنا أن نتخيل كيف يمكن لتدفق المعلومات الخاصة باستهلاك الموارد الأخرى أن يؤثر فى ترشيد استهلاكها.
أما الهدف الفرعى الثالث فيركز على زيـادة الوعـى بشـأن تغيـر المنـاخ بيـن مختلـف أصحـاب المصلحـة (صانعـى السياسـات/ القرارات، والمواطنيـن، والطالب). وفى الحقيقة، لطالما استفزتنى كلمتا زيادة الوعى والتركيز عليها بدلا من التركيز على المشاركة وهى كما أراها مشكلة أصلها عدم شعور المواطنة أو المواطن بأنه المستهدف الحقيقة من تلك السياسات. وفى تصورى أنه بدون التعامل مع تلك المشكلة فإن مشكلة الوعى تبقى قاصرة وغير دقيقة وربما تحتمل أكثر من قدرتها.
أما المؤشرات التى تم وضعها لقياس هذا الهدف فأولها عدد المراكز البحثية وبرامج الدراسات العليا الخاصة بتغير المناخ، وثانيها جودة قاعدة بيانات خاصة بالجهود البحثية فى مجال تغير المناخ ومتوافقة مع المعايير الدولية، وثالثها عدد البرامج التعليمية المتعلقة بتغيير المناخ لطلاب المدارس، ورابعها عدد البرامج التعليمية المتعلقة بتغيير المناخ لطلاب الجامعات، أما خامسها فعدد حملات التوعية البيئية متضمنة قضايا المناخ. ويلفت فى تلك المؤشرات بجانب غياب قياسات محددة (مثلا مضاعفة عدد المراكز البحثية الخاصة بتغير المناخ حيث لدينا الآن ثلاثة مراكز رئيسية) ولكنها تستبعد قياس فعالية تلك المراكز وليس فقط عددها. كما أنها تركز على وجود برامج خاصة للتغير المناخى مثلا بدلا من تطوير البرامج العلمية القائمة ووضع مؤشرات لهذا التطوير، وللأسف يبدو غياب خريطة لما هو قائم مؤثرا بشدة على كيفية فهم المشكلة بدقة ووضع أهداف واقعية يمكن قياسها.
• • •
الفجوة بين وضعنا الحالى الملىء بالتحديات والمشكلات وما نريد أن ننتقل إليه كمجتمع كبيرة للغاية. وبالنظر مثلا لما تمثله التغيرات المناخية والنافذة الزمنية الضيقة التى تتركها لنا للعمل تدفع بمسألة الوقت وليس فقط الهيكل فى جوهر هذه القضية. وبناء على ذلك فأنا أفهم أن الابتكارات ستكون حاسمة فى بقائنا وتطورنا ليس كمجتمع مصرى فقط ولكن لشعوب العالم أجمع. فما أسأله من خلال عملى هو كيف يكون الابتكار جزءا من العمل وليس بالضرورة سابقا عليه؟. وكيف يمكن إيجاد بيئة تسمح بـ وتدعم بل وتحتفل بالابتكار فى مصر؟.

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved