لبنان ليس سريلانكا.. «فشرتم»

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: السبت 16 يوليه 2022 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع على الطريق مقالا بتاريخ 12 يوليو للكاتب نصرى الصايغ، استنكر فيه مقارنة لبنان بدولة سيريلانكا، موضحا أن لبنان لا مثيل له فى الطائفية والفساد.. نعرض من المقال ما يلى.
لا تجوز مقارنة لبنان بسريلانكا. لبنان نموذج التغيير المستدام. من السيئ إلى الأسوأ، ومن الكارثة إلى الانهيار، ومن الانهيار إلى حافة الزوال. مسيرة مائة عام من عمر لبنان، كافية لفهم أسباب استحالة الشفاء.
سريلانكا دولة وشعب. لبنان دويلات راسخة وشعوب راضخة. لكل طائفة دويلة. دويلة بكل معنى الكلمة. لا مساس بملكية «الدولة» للطوائف، تخترقها اختراعات سياسية مضحكة ومفجعة: «ما هو لنا هو لنا، وما هو لكم هو لنا ولكم». افهموا. اللا منطق قاعدة سياسية، بل حجر الزاوية. الدويلات اللبنانية تربعت على عروش «الكيان».
سريلانكا وغيرها من الدول المصابة بالفساد، تستطيع أن تحشد قواها الشعبية، نعم الشعبية، وليس الطائفية، وتقتحم مواقع السلطة وتدك أركان الفساد وتمارس حقها فى انزال العقوبات، «باسم الشعب السريلانكى». وليس كلبنان، الذى تنزل به العقوبات، باسم القضاء الطائفى.
حصل، فى 17 تشرين الأول (يوم الاحتجاجات اللبنانية)، أن تفاءلنا. كنا بلهاء جدا. توقعنا أن تنتهى «الجموع» اللبنانية، إلى مواجهة تنهى عهود الفساد والفاسدين والمفسدين. كان من حقنا أن نتفاءل ونفرح ونتوقع.. أغبياء كنا. هذه «الجموع» التى التفت على التغيير والمحاسبة، انتهت إلى اصطفافات زقاقية، مذهبية، ذيلية. أى «حليمة لعادتها القديمة». انفرزت الجماعات الغاضبة، إلى كيانات سياسو ــ طائفية: «الفاسد ليس من مذهبى، بل من طائفة أخرى». جرت الانتخابات، وظهر حجم الارتكاب «الشعبى» فى حق المرتكبين. تم تجديد البيعة لمن باع البلاد مرارا. ماضى لبنان سيئ، حاضره أسوأ، مستقبله فتات من مزابل السياسات المحتضنة من دول، تقوم بمهمة إدارة لبنان إلى عدمية سيادية.. مساكين أدعياء السيادة. لبنان يستحيل عليه أن يكون سيدا ومستقلا ووطنا. تذكروا كيف ينتخب رؤساء جمهوريته، كيف تؤلف حكوماته، كيف تدار مؤسساته، كيف تملى عليه خياراته، كيف يتوزع بين شرق وغرب، بين عرب وأعراب، بين أنظمة ومنظمات، بين أديان وطوائف ومذاهب.
• • •
سريلانكا لا تشبهنا.. لبنان لا مثيل له.
لماذا هذه التشاؤمية الحتمية؟ أليس هناك كوة أمل فى هذا المدى المغلق؟ فلنتفاءل: تأليف حكومة، والأصح تركيب حكومة. قد يحصل ذلك بعد أن ينام زعماء الفشل الدائم، وتتألف حكومة كسيحة، متخاصمة، متآمرة، متحاصصة، ملتبسة، (أى كما جرت العادة). ماذا ستكون النتيجة: سنشاهد فصول الخراب. ستواكب قوافل البؤساء والجائعين والهائمين واليائسين، والذين يشبهون لبنان، زمن مجاعته التى افتعلها وساقها «العثمانيون». إن من هم اليوم فى السلطات، هم من سلالة جمال باشا، وثم، من سلالة السفاح غورو، ومن بعده قرصان الطائفية المدعومة بمرجعياتها الدينية والمذهبية.
لنتفاءل قليلا: «سينتخبون» رئيسا للجمهورية المتحللة. النتيجة، إمحاء تام. إن «وطنا» يسرقه قادته، يتحول ناسه، لا شعبه، إذ لا شعب فى لبنان، بل كومة بشر مجمعين تحت أقدام السياسيين، يتحول ناسه، إلى طفار هائمين، ويلوذون مع بؤسهم إلى كنف من جردهم من كل حياة. عبيد الطوائف فى لبنان، أعند العبيد على الإطلاق. إنهم يحبون قيودهم، ويعبدون أصنامهم. ولا فرق هنا، بين جاهل ومتعلم، بين حرفى واختصاصى، بين طالب وأستاذ جامعى، بين جندى وقائد فرقة وجيش، بين موظف مرتش بالفتات، ومهندس الارتشاء الأعظم، بين المؤمن بدينه ومذهبه، وطبقة مرجعياته المذهبية. كلن يعنى كلن. وليس المقصود هنا قادة الانهيار، بل «الشعوب اللبنانية» التى زحفت إلى الانتخابات التى أنجبت فحولا خاوية. لا أحد أفضل من أحد. الذين مارسوا خطأ الانتخابات، يتحملون مسئولية استدامة الانهيار. وليعذرنا التغييريون. لا يعوّل عليهم أبدا.
سريلانكا، دولة وشعب و.. فساد. والفساد منتشر فى معظم الدول وحتى فى أعرق الدول «الديمقراطية». إن رأس المال راهنا، يعتبر راعى الفساد وحاميه، وفساده محمى سياسيا وقضائيا. ارتكابات الشركات العظمى والعابرة للقارات، لا توصف. المجاعات فى العالم، منتشرة ومتسعة. كل دقيقة يموت ثلاثة أطفال جوعا. هناك دول فى قارات، تم سحلها وسرقت خيراتها، من قبل دول «ديمقراطية.. وحقوق إنسان» ارتكبت إبادات إنسانية وبيئية.
سريلانكا وسواها، فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، تعيش تحت خط الفقر. مسلوبة الإرادة. منهوبة الخيرات، ومحروسة بأنظمة مدعومة من دول الغرب الرأسمالية، التى تبشر بفضائل العولمة، التى ارتكبت أفدح الإبادات فى العالم.. حكومات سريلانكا، وغيرها من حكومات الدول الشبيهة، تحت حماية منظومة النهب العالمى، التى ترتكبها دول «النقاء العنصرى» فى قارات الشعوب الملونة.
• • •
ملاحظة: هل لبنان لبنانى؟ هل لبنان عربى؟ هل لبنان شرق أوسطى؟ لا. هذه تقسيمات سابقة ولا معنى ولا مدلول ولا فائدة منها. الخيار هو التالى، إن لم تكن مع أمريكا ومنظومتها المأمورة منها، فأنت من دولة مارقة، علاجها بتدميرها. إن الاقتصاد الرأسمالى المدوّل، محمى بقوانين وسياسات وقرارات وإجراءات وعقوبات. من لم يطع، لا يصفع، بل يقتلع.. معظم الانقلابات من تدبير غربي ــ أمريكى. معظم الارتكابات تدار بالقصف الجوى والحصار البرى.. أى بالقتل والتجويع.
سريلانكا، وغيرها، من ضحايا السلطات المحمية أو المرعية من قبل الغرف السود، التى توزعها «الكارتيلات» على أصحاب القرار.
لا تجوز المقارنة بين لبنان وسريلانكا، كما لا تجوز مقارنة «دول الرخاء البترولى»، بـ«دول العسكريين المحليين» أو دول القطعان الدينية والمذهبية والطائفية والعنصرية المنتشرة فى الخارطة من المحيط إلى الخليج. الدول التى هى سيدة نفسها قليلة جدا. الدول التى فقدت سياداتها تتكاثر. ومع ذلك، لا شبه بين لبنان وهذه الدول المنكوبة. إن لبنان يعلن بصوت مرتفع، أن لبنانه يجب أن يكون بإمرة أمريكا، أو فرنسا، أو بإمرة السعودية وشقيقاتها، أو بإمرة إيران.. إلخ.
تحية لشعب سريلانكا.
وتحية لشعب لبنان، عندما يصبح شعبا واحدا، ذات زمن.
علتنا فى شعوبنا، وفضيلة سريلانكا أنها شعب واحد ودولة واحدة.
العار، لنا وحدنا. وهذا مرّ الختام.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved