من أسرار ما جرى

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 16 أغسطس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

قصة القرارات المثيرة التى أصدرها الرئيس محمد مرسى يوم الأحد الماضى (12/8) لم ترو بعد. حتى أخشى أن تطوى صفحتها دون أن نعرف ملابساتها، مثلما حدث مع قصة الأيام الخمسة التى سبقت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وأثارت لغطا لا يزال البعض يلوك خباياه إلى الآن. وفى  غيبة أية رواية رسمية لما جرى يوم الأحد. وإزاء تعدد الحكايات حول خلفية القرارات التى صدرت، لم يكن هناك مفر من بذل جهد خاص من جانبى سواء فى تحرى معلومات  الحدث الكبير، أو فى قراءة دلالاته وتداعياته.

 

فى تحرير ما جرى، أزعم أن قرارات الرئيس مرسى كانت بمثابة انقلاب على انقلاب 17 يونيو، والأخير سعى إلى تكريس دولة العسكر وتشديد قبضة المجلس العسكرى على الوضع المستجد، مع إضعاف رئيس الجمهورية المنتخب. وهو ما يعد خطوة إلى الوراء، أما الانقلاب الناعم الذى رتبه الرئيس محمد مرسى فقد أنهى مشروع دولة العسكر، وأرسى الأساس المرجو لإقامة الدولة الديمقراطية المدنية التى لا وصاية لأحد عليها. ولذلك أزعم أنها بمثابة حركة تصحيحية أحدثت نقلة مهمة إلى الأمام.

 

لا يكفى أن نصف ما جرى بأنه انقلاب ناعم، لكننا لكى نوفيه حقه ينبغى أن نعترف أيضا أنه رتب بإحكام اتسم بالذكاء وحسن التدبير، وتم إخراجه بصورة مشرفة ورصينة، حتى بدا وكأنه إنجاز لجراحة خطيرة أجرتها أيد ماهرة. بمشرط ناعم حقق المراد بمنتهى الأمان والهدوء، دون أن تسيل قطرة دم واحدة.

 

حصيلة الجهد الذى بذلته فى التحقق تمثلت فى المعلومات التالية:
● إن رئيس الجمهورية أدرك أن المستهدف من الإعلان الدستورى الذى صدر فى 17 يونيو، ومن الخطوات التى اتخذت بعد ذلك التى كان على رأسها التسرع فى حل مجلس الشعب، وبدا من كل ذلك أن المطلوب إضعاف سلطة رئيس الجمهورية بحيث يصبح وجوده رمزيا، واستحواذ المجلس العسكرى على السلطة فى البلد.

 

● لم يقبل رئيس الجمهورية بذلك الوضع، وعبر عن ذلك حين أعلن منذ اللحظات الأولى لتوليه السلطة أنه سيمارس صلاحياته كاملة. الأمر الذى فتح الباب لصراع مكتوم بين الرئيس المنتخب ورئيس المجلس العسكرى الذى يستند إلى سلطة الأمر الواقع. ولأن الصراع ظل يدور تحت السطح فقد تصور كثيرون أن ثمة اتفاقا بين الطرفين على تقاسم السلطة فيما بينهما، فى حين أن الأمر لم يكن كذلك.

 

● أمضى الرئيس مرسى الأسابيع التى أعقبت توليه السلطة بعد حلفه اليمين فى 30 يونيو الماضى، فى محاولة تثبيت أقدامه والتعرف على موقعه الجديد الذى يعمل به 12 ألف موظف، وخلال تلك الفترة فسر صمته باعتباره ضعفا ورضاء بالوضع الذى فرض عليه، وهو ما شجع بعض الأبواق والمنابر الإعلامية على التطاول عليه والحط من شأنه. ولم ينتبه أحد إلى أن الرجل خلال تلك الفترة كان يعزز موقعه وينتظر اللحظة المناسبة لانتزاع كامل صلاحياته.

 

● عرفنا الآن أن المجلس العسكرى لم يكن على رأى واحد فى بعض القضايا، وان ثمة تباينات بين أعضائه، دفعت بعضا منهم إلى تقديم استقالته من المجلس، ودفعت آخرين إلى الإعلان عن عدم رضائه عن عدد من القرارات والسياسات المهمة التى اتبعت. وكانت العلاقة مع الرئيس محمد مرسى أحد الموضوعات الخلافية داخل المجلس. فمن الأعضاء من تفهم موقفه ودعا إلى احترام الإرادة الشعبية التى انتخبته، ومنهم من كان له رأى آخر. وكان الرئيس على دراية بذلك.

 

● كانت صدمة قتل 16 جنديا وضابطا فى رفح هى الكاشفة والقاصمة. إذ بدت دليلا على أن ثمة تراخيا من جانب القوات المسلحة صرفها عن مهمتها الأساسية. عندئذ وجد الدكتور مرسى ان الفرصة سنحت لتجديد شباب قيادة القوات المسلحة (المشير طنطاوى عمره 80 سنة)، وفى الوقت ذاته أدرك أنها لحظة مناسبة لحسم الوضع المعلق فى علاقته بقيادة المجلس العسكرى.

 

● صباح يوم الأحد كان الرئىس قد رتب أمره مع بعض المعنيين واتخذ قراره الأهم. إذ أقال وزير الدفاع ورئيس الأركان، وعين مدير المخابرات الحربية وزيرا للدفاع وقائد الجيش الثالث رئيسا للأركان. كما قرر ترفيع أربعة آخرين من أعضاء المجلس العسكرى. وبهدوء شديد استدعى وزير الدفاع الجديد لكى يحلف اليمين قبل إذاعة الخبر، وطلب منه التوجه على الفور لاستلام مهامه. ثم استدعى المشير طنطاوى والفريق عنان واللواء محمد نصر مدير الشئون المالية بالقوات المسلحة. وفى لقائه معهم أبلغهم الرئيس بقراره الذى فوجئوا به. وفى اللقاء سأله اللواء نصر عما إذا كانت الإقالة تشمله أيضا، فأبلغه الرئىس أنه باق فى منصبه وطلب منه أن يعرض عليه أمام المشير والفريق عنان موقف الأرصدة المالية للقوات المسلحة، فيما بدا أنه «إثبات حالة» تسليم وتسلم فى وجودهما.

 

● معلوماتى أن المشير تغير وجهه حين سمع قرار الرئىس وكذلك الفريق عنان، وفى حين أن الأول ظل على هدوئه، إلا أنه عبر عن استيائه بعد خروجه وسمع وهو يقول إنه لم يكن ينتظر ذلك، فإن الثانى التزم الصمت ولم يعلق بشىء. وكان الرئىس قد أحاطهما علما فى اللقاء بأنهما سيكرمان وسيعينان مستشارين له، بما يضمن لهما خروجا مشرفا ومطمئنا.

 

● فهمنا أن رئاسة الجمهورية والقيادات العسكرية الجديدة كانت فى حالة ترقب طوال الليلة الأولى التى أعقبت إعلان القرارات، تحسبا لأية ردود أفعال. وعندما طلع نهار اليوم التالى اطمأن الجميع إلى استقرار الموقف، ومن ثم عاد دولاب العمل إلى دورانه الطبيعى كسابق عهده.

 

ليست هذه هى كل القصة، لكننى أرجو أن تكون نهايتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved