ثقافة التبرعات المفقودة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 16 أغسطس 2019 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

لماذا تكون التبرعات قوية جدا فى وسائل الإعلام المختلفة، وتقل، حينما تصل لأرض الواقع؟!

سؤال كرره كثيرون، عقب الانفجار الارهابى الذى وقع ليلة الأحد قبل الماضى أمام معهد الأورام القومى على كورنيش النيل بالقاهرة.

فرحنا كثيرا حينما سمعنا عن تبرع شخصيات عامة، لإعادة ترميم وإصلاح التلفيات التى طالت المعهد، لكن حزنا أكثر، حينما عرفنا أن غالبية التبرعات «ديكورية» وموجهة للاعلام، وليس لحسابات المعهد فى البنوك!!

سمعنا عن مئات الملايين من التبرعات، لكن فإن إجمالى ما تم التبرع به على أرض الواقع، لم يتجاوز 23 مليون جنيه، يعنى أقل من مليون دولار ونصف!! هذا المبلغ عبارة عن شيكات بقيمة ١٧٫٤ مليون جنيه، وتبرعات نقدية بقيمة ٦٥١ ألف جنيه، وتحويلات ٥ ملايين جنيه.

ما حدث بشأن معهد الأورام هو نفس ما حدث مع مستشفى أبو الريش فى السابق. حيث كتب رئيس جامعة القاهرة السابق د. جابر نصار على صفحته يقول: «فى عام ٢٠١٦ تم الاعلان عن تبرعات فى حملة دعم مستشفى أبوالريش إلى ١٤٠ مليون جنيه وقطع أراض ودهب، لكن ما وصل المستشفى لم يتجاوز ١٤ مليون جنيه، أغلبها تبرعات من مواطنين عاديين وبجنيهات قليلة عبر رسائل تليفونية!!».

القصة ليست قاصرة على معهد الأورام أو مستشفى أبوالريش لكن يبدو أنها ثقافة عامة.

هناك بعض الجهات القليلة الماهرة فى جذب التبرعات، لكن هناك جهات مظلومة جدا، ومنها معهد الأورام وغالبية المؤسسات العلاجية العامة.

ثقافة التبرعات فى مصر ضعيفة جدا، وحجمها أقل من 10 مليارات جنيه سنويا معظها فى شهر رمضان.

نتحدث كثيرا عن التبرعات، ولكنها ليست راسخة فى حياتنا اليومية.

رجل الأعمال الأمريكى الشهير بيل جيتس، قدم أكبر تبرع مالى من نوعه منذ مطلع القرن الحالى، حيث تبرع بـ بملغ 4.6 مليار دولار أى 5% من ثروته. وبلغ إجمالى التبرعات التى قدمها جيتس وزوجته 35 مليار دولار منذ عام 1994، ذهب معظمها إلى مؤسسة «بيل آند ميليندا» الخيرية. هذا هو نوع التبرع الذى تتقدم به الامم، وتقوم عليه المؤسسات الكبرى، خصوصا الجامعات والمستشفيات الكبرى. فكم نملك فى مصر من عينة جيتس؟!!

طبعا هناك استثناءات من مسئولين ورجال أعمال عرب ومصريين خصوصا فى الازمات والكوارث، لكن نحن نتحدث عن ثقافة التبرع الدائم من غالبية أفراد المجتمع.

ورغم ذلك وجب التأكيد على أن التبرع نقيض الإجبار، ولا يعقل أن يتم إجبار شخص على التبرع تحت أى صورة من الصور، والأصح هو تعميق ثقافة التبرع، التى تعنى أول ما تعنى التطوع وليس القهر.

ثانيا: لا بد من وجود قوانين فعالة لتنظيم التبرعات، ولا بد أن تكون تحت الرقابة العامة والشفافية المطلقة، وأعجبنى ما كتبه الإعلامى الكبير أنور الهوارى، قبل أيام على صفحته على الفيسبوك بأن «من يريد عمل خير من ماله الخاص فأهلا وسهلا، لكل من يجمع تبرعات، فلابد أن يكون تحت رقابة المتبرعين أو من يمثلهم، لأن مال التبرعات عام ولا ينبغى جمعه من دون قانون، أو إنفاقه من دون رقابة».

القوانين موجودة وهى تجرم جمع أى تبرعات من دون موافقات من وزارة التضامن، وصار محظورا على الأفراد جمع التبرعات، ومسموح بها فقط للجمعيات الأهلية، لكن الأهم من القانون هو تفعيله، وليس البحث عن ثغرات للإفلات منه، وقد كتب البعض أن «فنجان قهوة» قد يلغى دور بعض القوانين!!

أتمنى أن يبادر كل صاحب مقدرة مالية للتبرع لمعهد الأورام وكل المؤسسات العلاجية الشبيهة، مثل معهد ناصر أو المستشفيات العامة والجامعية ومعهد القلب القومى الذى يستحق مناقشة أوسع لدوره المهم جدا.
من المخجل أن جناحا كبيرا بمعهد الأورام مغلق منذ سنوات، لعدم وجود اعتمادات مالية. هذا الإغلاق يعنى حرمان مئات الآلاف من المرضى من العلاج الضرورى والحاسم لمرض لا يعرف الانتظار أو الصبر.

لا أريد أن أكون سلبيا أو ناقما، أو مهاجما، وهى الحالة التى حذر منها رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، لكن أكتب بهدف أساسى وهو ضرورة نشر ثقافة التبرعات الطوعية لدى الجميع، من أول جنيه يدفعه التلميذ فى مدرسته، نهاية بمئات الملايين من كبار رجال الأعمال.

إذا حدث ذلك وترسخت ثقافة التبرع، سوف تنحل العديد من مشاكلنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved