الثورة فى غيـر مواعيد العمل الرسمية

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 16 سبتمبر 2012 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

احتجت وقتا طويلا قبل أن استوعب قرارا وزاريا للسيد وزير التجارة والصناعة حاتم صالح ،أصدره قبل ايام دون ضجة، يحظر فيه «الاعتصامات، والوقفات الاحتجاجية، أو التظاهر فى مواعيد العمل الرسمية» ويمتد الحظر للإضراب عن العمل. ولكن نسى أن ينص فى القرار إذا ما كان الإضراب مسموحا بعد مواعيد العمل الرسمية، عندما يعود العاملون بالوزارة إلى بيوتهم وسط أولادهم أم أنه محظور على إطلاقه.

 

والحقيقة أن الوقت التى استغرقته حتى استوعب أن الذى اصدر هذا القرار هو وزير فى الحكومة، وليس رجل أعمال ليس بالقليل. ومبررى فى ذلك أنه بالفعل لم يمض وقت طويل على خلع السيد الوزير لمعطف رجل الأعمال، ولذلك فمن المنطقى أن يظل وفيا لأفكار أقرانه من رجال البيزنس وقيمهم وعاداتهم فى التعامل مع مرءوسيهم من العمال والموظفين. المبرر الآخر الذى جعل الأمر يختلط على، وأظن أن الفرمان الوزارى بتكميم الأفواه بعد الثورة صادر من أمثال «أبوالعينين» فى السويس، أو «أبوالسباع» بالمحلة، أو غيرهما فى أى موقع أو مصنع أو شركة. أن صاحب القرار يتجاهل أن هناك فرمانا مماثلا أقوى بكثير، قد سبقه من المجلس العسكرى بتجريم الإضرابات والاعتصامات. وما فعله هذا المرسوم،الذى كتب بمزاج عصبى، لم يكن أكثر من زيادة عدد الاحتجاجات فى الشوارع، والمصانع، وداخل أروقة الحكومة بشكل لم يسبق له مثيل قبل إصداره. وهذا التجاهل لما حدث من تحولات فى طبيعة المصريين بعد الثورة من جانب صاحب القرار الوزارى، يشبه كثيرا نمط تفكير رجال الأعمال فى مصر. لذلك حسبت القرار من صنع أيديهم.

 

●●●

 

وحتى لا يعتقد أحد بأننى أظلم رجل الأعمال السابق، والوزير الحالى، وأتهمه وحده بأنه لا يعرف أن ما يفعله الناس فى كل شوارع مصر فى المواعيد الرسمية وغير الرسمية ومطالبتهم بحقهم فى العيش الكريم هى الثورة بعينها. أقول إن هذا ليس ببعيد عما فعله وزير المالية ممتاز السعيد الذى أصدر بيانا وزاريا أيضا، لم ينقصه سوى أن يكون مذيلا بتوقيع الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الراحل إلى لندن بفعل ثورة. البيان يتحدث عن أن الإضرابات والاعتصامات العمالية هى وراء كل المصائب. وأن القائمين بها هم السبب فى زيادة العجز فى الموازنة فى العام المالى الماضى إلى 170 مليار جنيه.

 

 لأنهم أصروا على الحصول على زيادة فى الأجور وصلت إلى 12 مليار جنيه. وكذلك أدت احتجاجاتهم إلى تطفيش المستثمرين وقلة أرباح رجال الأعمال فانخفضت الضرائب بمقدار 25 مليار جنيه، دون أن يفصح لنا عن مسئولية التهرب الضريبى عن هذا التراجع. خاصة أن هناك الكثير من أصحاب الشركات المعروفة قد حققوا أرباحا كبيرة، وهو ما تشهد به موازنات شركاتهم.

 

وطالب السيد الوزير (السعيد) أصحاب الحقوق بالصبر مرة أخرى على مطالبهم. دون أن يطالب الذين أخذوا حقوقهم، وحقوق غيرهم طوال الثلاثين عاما الماضية أن يجربوا بدورهم خاصية الصبر. لعل ميزان الصبر يعرف العدل ولو مرة واحدة. بينما كان الوزير صارما عندما نصح منزوعى الحقوق بالصبر، لم يجد نصيحة يقدمها للذين تسببوا من رجال الأعمال فى زيادة العجز عندما حصلوا على دعم الغاز لمصانعهم ودعم بنزين لسياراتهم، ودعم لصادرات شركاتهم التى يأتى معظم خاماتها من الخارج، ومع ذلك يصرون على دعمها. ولم يحدثنا عن التراجع فى خزانة الدولة بسبب المليارات من الإعفاءات الجمركية بسبب التوقيع على اتفاقيات تجارة حرة تسمح فيها الحكومة بدخول السلع معفاة من الجمارك، مقابل أن يدخل رجال الأعمال سلعهم لنفس الدول معفاة من الجمارك. دون أن يستفيد أحد من المستهلكين الصابرين إياهم من انخفاض اسعار السلع التى تدخل بدون أعباء جمركية لأن قيمة الجمارك ببساطة تدخل جيوب المستوردين.

 

والحقيقة أننى كنت قد عاهدت نفسى على أن أصبر على الوزراء، وقلت لعل الخير قادم على قدوم المستثمرين الأجانب، الذين أصبحوا الشغل الشاغل لكافة المسئولين بدء من رئيس الجمهورية وحتى وكلاء الوزارة. ولكن ما افقدنى صبرى ليس فقط الاستفزاز الوزارى ولكن صدور تقرير دولى استشعرت بأنه جاء فى موعده بالضبط لكى يرد على نصائح الصبر التى يرسل بها الوزراء لكل هؤلاء البشر الواقفين على أبوابهم.

 

التقرير الذى أعدته منظمة الأونكتاد «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» وتم إطلاقه يوم الأربعاء الماضى فى مؤتمر صحفى بالقاهرة عقده مكتب الأمم المتحدة للإعلام وشرحه بالتفصيل الدكتور محمود الخفيف ممثل المنظمة. يؤكد بالأرقام والإحصاءات والرسومات البيانية على أن الأجر الحقيقى للعامل المصرى قد انخفض بمقدار 10% خلال الفترة من عام2003/2010، فى نفس الوقت زادت انتاجيته من 12ألف دولار إلى 16 ألف دولار. وهو ما يرد على دعاوى ان المصريين لا يعملون، وأن عليهم الاهتمام أولا بالإنتاجية قبل المطالبة بالأجر.

 

●●●

 

الأمر الآخر الذى يطرحه التقرير هو أنه لن يتحقق النمو مهما غيرنا من قوانين، ووضعنا من قرارات تحفيزية طالما ظل هناك تفاوت فى الدخل كبيرا فى المجتمع. وأن تقريب الفوارق بين أصحاب الدخول المرتفعة والأكثر فقرا عن طريق زيادة أجور الأقل دخلا لم تعد ضرورة من ضرورات العدالة الاجتماعية، لكن أصبح هو السبيل الوحيد لتحقيق النمو الاقتصادى، لأنه ببساطة عندما يستحوذ الأغنياء على أجور أعلى كثيرا من الفقراء فإنهم لا ينفقون كثيرا منها على الاستهلاك، بحكم أن هذه الطبقات قد لبت معظم احتياجاتها، وأصبحت تميل أكثر للادخار. بينما الطبقات المتوسطة والفقيرة سوف تنفق أى زيادة فى الدخل على الاستهلاك بحكم أن لديها احتياجات كثيرة لم يتم تلبيتها لقلة مواردها. يعنى ببساطة لو زادت الحكومة، والقطاع الخاص من أجور العمال والموظفين، سوف تقوم هذه الفئات بشراء سلع ومنتجات جديدة لم تكن فى استطاعتها شراءها من قبل.

 

وحركة الشراء هذه سوف تشجع مستثمرين جددا على فتح مصانع تلبى هذه الاحتياجات.، فتبدأ فى تشغيل عمالة جديدة تأخذ أجورا أعلى فتشترى بدورها أكثر فتزيد الاستثمارات، ويتحقق النمو فى المجتمع.

 

ويؤكد التقرير أن تركيز الثروة فى يد الطبقة الغنية فى كثير من دول العالم كان وراء انخفاض الطلب المحلى على الاستهلاك. فقل النمو فى العالم. وهو ما يتوقع التقرير أن يستمر. وما يعنينا نحن فى هذا الأمر أن انخفاض الطلب فى الدول المتقدمة سوف يؤثر علينا فى شكل تراجع فى حجم صادراتنا للخارج. ولذلك التقرير ينصحنا بالاهتمام بالطلب المحلى أكثر من الخارجى.

 

والحقيقة أننى أتمنى أن يقوم أحد أصحاب المظالم الذين تمتلئ بهم شوارع مصر أن يبادر بوضع نسخة من هذا التقرير على باب قصر عابدين. ويتركه وينصرف ربما يراه أحد من ساكنى القصر. فيقرأ ما يقوله التقرير بالفم المليان من أن الاستثمارات الأجنبية فى معظم الدول كانت سببا مباشرا فى زيادة التفاوت فى الدخول بين الطبقات فى الدول المضيفة.

 

 بسبب أن الحكومة لكى تجذب المستثمرين تعمل على الضغط على الأجور لكى تصبح رخيصة إلى جانب تخفيض الشرائح الضريبية والسماح بخروج أرباح الشركات للخارج. كل هذه العوامل من شأنها تركز الثروة فى يد قلة من المجتمع. ولذا يطالب التقرير بضرورة زيادة القوة التفاوضية لمنظمات العمال من أجل رفع الأجور. ومازال التقرير يحمل الكثير. أرجوكم ألقوا به أمام باب القصر.

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved