الدوران حول لبّ المواضيع

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 16 سبتمبر 2020 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

أكثر ما يقلق فى هذه اللحظة هو أن ينجح أعداء الخارج وانتهازيو وجهلة الداخل فى الاستفادة من تطورات وتعقيدات الأوضاع العربية الحالية المؤلمة، وتطوراتها المتلاحقة نحو التمزق والخروج على الثوابت القومية، لدفع الناس للدخول فى خلافات ومشاحنات ومماحكات انتصارا لهذا الموقف أو ذاك أو رفضا لهذا القرار أو ذاك.
ولا يستطيع الإنسان أن يفهم كيف يسمح الناس فى بلاد العرب لأنفسهم أن يساقوا كالنعاج فى خلافات عبثية فيما بينهم عند اتخاذ هذا المسئول العربى أو ذاك قرارا خلافيا يمس قضايا وطنية أو قومية كبرى دون أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال المحورى: هل أنهم أصلا استشارهم أحد قبل اتخاذ القرارات، سواء كأفراد أو كشعب أو كمؤسسات مجتمع مدنى، أم أنهم اعتبروا كرعايا عليهم القبول السلبى لما يقرره ولى الأمر؟ فإذا كان وجودهم السياسى والدستورى والقانونى والتشريعى فى بلاد العرب قد قلص إلى حدود التهميش والإقصاء، فهل أن صراعاتهم العبثية مع هذا الفرد أو تلك الجبهة التى تخالفهم الرأى سيأخذها المتربعون على عرش القرار بعين الاعتبار ويجرون مراجعة للقرارات التى أخذت؟
دعنا نكون صادقين مع النفس، مهما يكون ذلك مؤلما ومذلا، ونسأل: هل كان للشعوب العربية ومؤسسات المجتمعات العربية أى قول سواء بالقبول أو الرفض لكل القرارات الكبرى المفصلية، وعلى رأسها قرار الدخول فى مهزلة أوسلو الشهيرة، التى اتخذتها سائر أنظمة السلطة فى كل الأقطار العربية وذلك منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا؟ وهل أن مواقف الحكومات، التى لها تبعات والتزامات، فى مؤسسات من مثل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى أو مجالس التعاون المناطقية أو هيئة الأمم، قد نوقشت مع مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بتبعات تلك المواقف؟.
إذن لنوقف مهرجانات الهرج والمرج التى نقرأها أو نسمعها أو نشاهدها، بالنسبة للقضايا القومية الكبرى على الأخص، إذ تجرى فيما بين أناس لا حول لهم ولا طول. ولنوقف على الأخص الاستعمال الانتهازى للدين سواء من خلال ليً أقوال النبى (صلى الله عليه وسلم) وإلباس مواقفه الدينية والدنيوية مقاصد لم تكن فيها، أو سواء من خلال تفسيرات وقراءات كاذبة وبليدة للقرآن الكريم من أجل دعم مواقفهم السياسية البائسة. كما لنتعفّف عن إتهام الآخرين بالخيانة أو عدم الولاء والاحترام إذا ما اختلفوا مع متخذى القرارات واعتبروها خاطئة. ففى السياسة لا يوجد قرار مقدّس ولا يوجد تصريح فوق النقد، والفرق شاسع بين احترام المسئول وتقديره وبين الاتفاق معه حول هذه السياسة أو تلك.
لنأخذ مثالا لشرح ما نقصد، وهو فى هذه اللحظة موضوع الساعة، ونعنى به الصراع العربى الصهيونى الوجودى الذى ران على الحياة العربية، عبر الوطن العربى كله، طيلة العقود السبعة الماضية. ولنركز على مناقشة لب الموضوع، وليس حواشيه أو ينبغياته أو الأقنعة التى يختفى وراءها، وذلك بالشكل العقلانى الواقعى التالى:
لو أن أيادى كل من فى العالم صافحت سارق بحرارة ومودة فهل هذا يجعل منه شريفا وغير سارق؟ وإذن فإن السارق الصهيونى الذى سرق الأرض العربية الفلسطينية من أهلها وأخرجهم منها إلى المناقى ومعسكرات الملاجئ البائسة، ولا يزال يمعن فى سرقة المزيد، لن تزول عنه صفة السارق حتى لو سامحه كل الكون، وذلك إلى حين إرجاع الأرض التى سرقها إلى أهلها وعودة أهلها إليها.
ولو أن كل أيادى من فى هذا العالم امتدت إلى مجرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب فهل ستستطيع تلك الأيادى غسل وتطهير يده الملوثة بدماء ضحاياه التى تقطر من بين أصابعه؟
وإذن فقادة الكيان الصهيونى الذين اتخذوا قرارات القتل المافياوى واللغً فى دماء أطفال وشيوخ ونساء وشباب فلسطين الأبرياء، سيظلوا قتلة مجرمين حتى لو جالسهم وابتسم فى وجوههم سكان العالم كله، وهنأهم الرئيس الأميركى بحرارة الدّجل النرجسيًّة الصهيونية الأميركية الشهيرة.
ولو أن أيادى العالم كله حيّت الذين يهدمون بيوت العائلات الفلسطينية أمام بكاء أطفالهم الهلعين ولطم رءوس نسائها المفجوعات، وصافحت يد من يقتلعون أشجار الزيتون التى زرعها آباء وأجداد الفلسطينيين، وصافحت يد الذين وضعوا الألوف من أبناء فلسطين المناضلين فى السجون بمحاكمات صورية، وصافحت يد من يحاصر شعب غزة ويجوًّع أطفالها ويمنع الكهرباء عن مستشفياتها ويدكُّ بيوتها ومؤسساتها المتواضعة بجحيم آلته العسكرية.. لو تمت تلك المصافحات فهل يغيّر ذلك أو يخفف الطبيعة الاستعمارية الاستئصالية الاستيطانية للكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة؟
لبّ الموضوع هو هذه التفاصيل الإجرامية، وذلك التاريخ البائس للمسيرة الصهيونية فى فلسطين وسائر أرض العرب المحتلة أو المخترقة. أما الأحاديث المتداولة حول أهمية السلام بين البشر وتعايش الديانات وحسن النوايا بين الشعوب وتلاقح الثقافات، وهى أقوال لا يرفضها عاقل، فإنها جميعها تدور حول أطراف الموضوع المركزى. وهى لن ترفع ذرة ظلم عن كاهل الشعب الفلسطينى الشقيق، إلا بعد مواجهة لبّ الموضوع الذى ذكرنا بعضا من تفاصيله. عند ذاك سيكون هناك مكان لكل تلك الشعارات الجميلة وستكون جزءا من الحل الحقيقى. ولا يوجد إلا حل عادل إنسانى واحد: دولة فلسطينية ديموقراطية واحدة يتعايش فيها بسلام حقيقى غير مزيف وديموقراطية مساواة العرب المسلمون والمسيحيون واليهود.
هذا الحل الصعب، ولكن العادل الدائم، سيحتاج إلى انعطافات جديدة كبرى وتضحيات نضالية مستمرة فى ساحتين: تنظيم وتثوير وصمود الشعب العربى الفلسطينى بالتوازى مع انخراط صلب على جميع المستويات وبأشكال نضالية كثيرة، مادية ومعنوية، من قبل قوى ومؤسسات وجماهير المجتمعات العربية المدنية.
ما يجب أن لا يموت فينا هى إرادة الضمائر الحية والمشاعر الإنسانية الأخلاقية والالتزام القومى العروبى والتلاحم التحريرى الثورى الجماهيرى. عند ذاك ستكون مواجهة لب الموضوع مواجهة عملية ممكنة، ومن ثم السلام العادل الإنسانى الذى لا يرفضه أحد وسيرحب به الشعب الفلسطينى والعربى بأجمعه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved