داخل مبنى التليفزيون

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 16 أكتوبر 2011 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

فى السادسة مساء يوم الجمعة الماضى كنت ضيفا فى قناة النيل للأخبار بمبنى التليفزيون فى ماسبيرو، واثناء خروجى سمعت البعض يسرع  مهمهما وعلى وجهه علامات القلق قائلا «وصلوا».

 

بعد لحظات انقلب القلق خوفا على وجوه العمال والموظفين، ثم فهمت أن المقصود بكلمة «وصلوا» أو «رجعوا تانى» هم المتظاهرون القادمون من الازهر ثم الكاتدرائية احتجاجا على مذبحة الأحد الأسود.

 

أمام أحد المخارج تكدس كثيرون يحاولون الخروج بسرعة خوفا من صدامات محتملة...كان «باب 4» الرئيسى مغلقا، وتم إخبارنا أن الخروج متاح فقط من باب جانبى يقود إلى الجراج.

 

أثناء التدافع فوجئت بسيدة تصرخ فى وجهى قائلة: «لماذا لا تشعرون بمعاناتنا وخوفنا»؟. قدرت انفعال السيدة ورغبتها فى العودة سالمة لمنزلها، لكننى فوجئت أن الحشد الراغب فى الخروج ــ والذى تعطل انتظارا لقرار فتح الباب ــ قرر أن يخرج خوفه وقلقه ــ عبر انتقاد بعض الكتاب  والصحفيين و مقدمى البرامج الفضائية.

 

فى أثناء الانتظار رأيت الخوف فعلا على وجوه كثيرين يشعرون بالقهر وقلة الحيلة وأنهم قد يتحولون إلى هدف انتقامى لمتظاهرين غاضبين.

 

للحقيقة تعاطفت مع العمال والموظفين الذين يشعرون أن حياتهم قد تكون مهددة لمجرد أن سوء حظهم قد قادهم للعمل فى هذا المبنى.

 

قلت للسيدة إن المتظاهرين عندما يهتفون ضد التليفزيون فإنهم لا يقصدونها هى وأمثالها، بالعكس هم ينظرون إليكم باعتباركم ضحايا مثلهم.

 

قلت لها أيضا أنت تشعرين بالخوف لمجرد أن مواطنين عزّل يهتفون بشعارات ترفضينها، فهل تصورت كيف تشعر سيدة فقدت ابنها الوحيد، وكيف يشعر أب شاهد مخ ابنه خارجا من رأسه.. وكيف يشعر كثيرون يعتقدون ان الثورة تسرق منهم؟!.

 

لسوء الحظ جزء كبير من العاملين فى المبنى لا يدركون حتى الآن أن المتظاهرين والمعارضين لسياسات الحكومة ينظرون إلى هذا المبنى باعتباره رمزا للحكومة الحالية ورمزا لكل للحكومات السابقة واخطائها وكوارثها وتضليلها، وبالتالى يتظاهرون أمامه كى يصل صوتهم بسرعة.

 

 خرجت من المبنى لأجد كل المتظاهرين الذين سببوا كل هذا الرعب لا يزيد عددهم على مائتى شخص.

 

قبل ذلك بيوم تلقيت مكالمة غاضبة من الصديقة رشا نبيل المذيعة بقناة النيل تشكو فيها من أن الإعلام المستقل والمعارض ينظر لكل المذيعين باعتبارهم «خدما» عند الحكومة، ولا ينظرون للجهد المبذول، وأنهم فى هذه القناة مثلا يستضيفون كل المعارضين ولا تفرض عليهم أجندة أو يتلقون تعليمات بل يعملون انطلاقا من القواعد المهنية فقط، فهل يكون جزاؤهم هذا التعميم.

 

قلت لها إن التعميم مرفوض، لكن كثيرا من المتابعين يرون أن التليفزيون الحكومى يعود شيئا فشيئا إلى السياسات القديمة التى تنتصر للحكومة ظالمة أو مظلومة خصوصا بعد أحداث الأحد الماضى.

 

هذه الأزمة ستمر ــ إن شاء الله ان آجلا أو عاجلا ــ  لكن الأزمة الكبرى التى لا أعرف كيف سنعبرها هو إعادة هيكلة هذا المبنى الذى يضم أكثر من 45 ألف شخص ــ لكى يكون مستقلا  فعلا ويعود ممثلا لقوة مصر الناعمة.

 

فى اللحظة التى سينصلح فيها حال هذا المبنى بكل قنواته وإذاعاته ويعمل طبقا للقواعد المهنية والاقتصادية الطبيعية ستكون مصر قد بدأت طريق الإصلاح فعلا.

 

لكن وإلى أن يحدث ذلك ــ وأظنه لن يكون قريبا ــ علينا أن نتعامل مع هذا المبنى باعتباره صورة مصغرة للمجتمع المصرى بكل حسناته وسيئاته ونسعى للمساعدة فى إصلاحه بكل الطرق الممكنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved