ويعود الفاسدون كما ولدتهم أمهاتهم شرفاءً

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأربعاء 16 أكتوبر 2013 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

أظنه ليس استسهالا أو تسرعا بأن نقول إن ما يشاع الآن من مناخ يدعو إلى تخفيف العقوبات على السارق أو المتهرب أو المستولى على المال العام، هو ردة عما كان يحدث حتى فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك. حيث حاول المسئولون فى السنوات الأخيرة من حكم المخلوع ادخال بعض التحسينات، لعلها تنقذ ما كانوا يعتقدون أنه يمكن انقاذه. لدرجة أن وزير ماليته يوسف بطرس غالى المشهود له بأنه الوزير الأكثر انحيازا لقوانين السوق الحر ولرجال الأعمال اضطر إلى اصدار تعليمات بعدم التصالح مع المتهربين من دفع الضرائب أو الجمارك، إذا زادت على 50 ألف جنيه.

ولكن هذه الأيام وبعد الثورة نجد أن وزير المالية الدكتور أحمد جلال يصدر تعليماته لأجهزة الوزارة بالتصالح مع المتهمين بالتهرب من الضرائب، حتى لو كانوا قد تم تحويلهم للنيابة. والحجة فى ذلك تشجيع رجال الأعمال على تسديد حق الدولة، ولا أعرف ما هو التشجيع فى اعطاء رجال الأعمال فرصة أكبر للتهرب، فإذا نجحوا فى الإفلات بضرائبهم المهربة خير وبركة. وإذا تم ضبطهم فما عليهم إلا تسديد الأموال، وبعدها يعودون كما ولدتهم أمهاتهم شرفاءً.

•••

وليس هذا كل فى الأمر. ولكن فى أيام الرئيس المخلوع كان المسئولون بالبنك المركزى قد انتهوا من ادخال تعديلات على قانون البنوك (لكنها لم تر النور) تقضى، من ضمن بنود أخرى، بإلغاء المادة اللعينة (133) من القانون. تلك المادة التى كانت تسمح بإخراج السارقين والناهبين والهاربين بأموال البنوك كالشعرة من عجين الفساد بحكم قضائى مائة فى المائة. فهذه المادة كانت تنص على تبرئة ساحة الذين استولوا بالفعل على المال العام، والذين تربحوا بدون وجه حق أو الذين قدموا مستندات مزورة أو تلاعبوا فى الأوراق لإظهار الوضع المالى بشكل أفضل من أجل رفع قيمة الضمانات المقدمة للبنوك. والمادة كانت تسمح بتبرئتهم حتى لو ثبتت عليهم التهمة بحكم قضائى.

بل وصل الأمر بأنه يتم تبرئتهم حتى لو كان قد تم حبسهم بالفعل، وذلك بمجرد ردهم للأموال التى استولوا عليها بدون وجه حق إلى خزانة البنوك. وهذه المادة جاءت بالتفصيل على مقاس «نواب القروض» من اعضاء مجلس الشعب السابقين المنتمين للحزب الوطنى. والذين كان قد تم الحكم على أغلبيتهم فى عام 2002 بالسجن ما بين 7 و15 عاما. إلا أن هذه المادة التى جاءت بعد عام من صدور الحكم أنقذتهم وأخرجتهم من السجن. وعادوا كما ولدتهم أمهاتهم شرفاءً.

وهذه المادة الفاسدة ساهمت أيضا بعد الثورة فى تبييض وجوه المشاهير من رجال الأعمال الهاربين بأموال البنوك لسنوات طويلة. بل ومكنت بعضهم من العودة للحياة العامة والدخول فى معترك السياسة. والأدهى أنهم أصبحوا بفضل هذه المادة يتصدرون الصفوف الأمامية فى بعض الأحزاب بعد أن عادوا كما ولدتهم أمهاتهم شرفاء.

•••

ولكن تأتى ثورة على نظام مبارك المخلوع، وبعدها على نظام مرسى المعزول دون أن تمتد يد مسئول واحد مطالبا بإلغاء تلك المادة اللعينة. التى ربما بالفعل تكون قد أعادت بعض الأموال للبنوك التى نهبها بعض رجال الأعمال. ولكن لم تمنع فى الوقت نفسه أن تصل قيمة الديون المعدومة فى البنوك إلى 50 مليار جنيه، ضاعت على الجهاز المصرفى ولن تعود. ولكن الأهم أن هذه المادة وغيرها هى التى حصنت الفاسدين، وجعلتهم لا يخجلون من فسادهم، وهم على يقين من أنهم بمنأى عن العقاب. لأنهم إذا فسدوا وأفلتوا خير وبركة. وإذا فسدوا وتم ضبطهم، فسيسددون ما عليهم، ويا دار ما دخلك فساد.

وبدلا من أن يعكف المسئولون الحاليون بعد الموجة الثورية فى 30 يونيو على مراجعة مثل تلك القوانين وغيرها، بحيث يتم ضبطها أو تشديدها بما يحول دون استشراء الفساد كما رأيناه طوال العقود الثلاثة الماضية، أو يعيدون النظر فى كم التعديلات التى أدخلها مجلس الوزراء فى عهد الدكتور هشام قنديل والتى تتسم بالتسامح مع الفساد. مثل التعديل الذى أدخله المجلس على قانون حوافز الاستثمار رقم 8 لعام 1997، والذى يسمح بالتصالح مع المستثمرين الذين صدر ضدهم احكاما غيابية بالإدانة. أو ذلك التعديل الذى أقره مجلس الوزراء فى عهد الرئيس المعزول فى مايو الماضى. والذى تم تفصيله بهدف التهرب من تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح عودة شركات قطاع الأعمال العام إلى الدولة.

حيث نص التعديل على «تشكيل لجنة لتسوية الآثار المترتبة على تنفيذ الأحكام النهائية والباتة الصادرة فى شأن العقود المبرمة بين المستثمرين وأجهزة الدولة. ويكون من حقها وضع اقتراحات لتعديل العقود أو ابرام عقود جديدة تحل محلها بحيث تتجنب ما ساقته الأحكام القضائية من أوجه عوار».

•••

والآن بدلا من أن يعكف المسئولون على إلغاء مثل تلك التعديلات نجد على العكس أن البعض بدأ يدعو إلى إلغاء بعض البنود فى قانون العقوبات الخاصة بإهدار المال العام. فنسمع من يطالب بإلغاء المادة (115) من قانون العقوبات، والتى تنص على ان «كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه، أو حصل أو حاول ان يحصل لغيره بدون وجه حق على ربح أو منفعة، من عمل من اعمال وظيفته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة». والمضحك فيما يقوله أصحاب تلك الدعوى هو أن إلغاء مثل تلك النصوص القانونية سوف تشجع المستثمرين على الاستثمار فى مصر. وهو ما يتطابق مع ما كان يردده جهابذة الحزب الوطنى «المحروق» مبناه وافكاره وذلك عند وضعهم تشريعات لتسهيل الفساد.

ولا أعرف حقا لماذا المستثمر القادم إلى مصر بالذات هو من يشترط ألا يكون هناك قوانين تحارب المفسدين، إذا ما أقدموا بالفعل على الفساد؟ وما الذى يضير المستثمرون الشرفاء إذا ما تم عقاب مسئول حكومى فاسد، إذا كان قد استباح أراضى مصر، ومكن بعض المستثمرين من الحصول عليها بملاليم لاستزراعها، ثم بنوا عليها المنتجعات السياحية والفنادق والملاهى ورفضوا رد حق الدولة؟

أما حديث البعض عن أن القوانين التى تحارب الفساد وتنحو نحو التشدد هى من تجعل أيادى المسئولين ترتعش، فهذا حديث الحق عندما يراد به الباطل بعينه. فالشرفاء فى الحقيقة لا يرتعشون لأن الحق يقويهم. أما المرتعشون فهم الذين يترددون بين الحق، والباطل. فمن الأفضل لنا أن يظلوا مرتعشين لأنهم فى النهاية سينتصرون للباطل. لأنهم يعلمون علم اليقين أن القوانين الحالية سوف تعيدهم كما ولدتهم أمهاتهم شرفاء.. شرفاء.. شرفاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved