المذنبون في سوريا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 16 أكتوبر 2019 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

ونحن ندين بأشد العبارات الممكنة الغزو التركى الهمجى لشمال سوريا، علينا أن نسأل عن حقيقة الصورة على الأرض السورية كما هى، وكيف صارت سوريا الدولة العربية الكبيرة والمهمة، ساحة لكل من هب ودب من القوى الاقليمية والدولية والتنظيمات الارهابية، ومن هى القوى والجيوش والدول المتواجدة على الأرض السورية، او التى تعبث وتعربد فى اجوائها، ومن دخل منها غازيا معتديا، ومن دخل بصورة شرعية؟!

فى هذه اللحظة هناك قوات روسية وقوات إيرانية ثم قوات حزب الله اللبنانى. هذه القوى الثلاث دخلت سوريا بناء على طلب رسمى من الحكومة السورية ابتداء من 2015. لكن إيران وحزب الله أدخلا أيضا ميليشيات شيعية قادمة من كل حدب وصوب خصوصا من أفغانستان وباكستان ودول أخرى، لدعم النظام السورى على أسس طائفية بحتة، مثل ميليشيات «زينبيون» و«فاطميون».

وهناك الجيش التركى الذى غزا شمال شرق سوريا الاسبوع الماضى، وهى ليست المرة الأولى، بل هو يستبيح الأراضى السورية منذ بدء الأحداث فى مارس ٢٠١١.

هذا الجيش الغازى يدعم المتمردين والمعارضين والإرهابيين الذين يعارضون النظام السورى. هو استضاف الكثير من السوريين، ثم صار يحمى الإرهابيين المتحصنين فى حلب، وبعدها أنشأ لهم منطقة أخرى فى إدلب يتواجد فيها بالأساس مقاتلو جبهة النصرة أو القاعدة سابقا وبقية التنظيمات المسلحة المتمردة.

وسبق لتركيا أيضا أن أرسلت قواتها واحتلت عفرين فى ٢٠١٨، وطردت الأكراد، كما سبق لها ان شنت هجوما عام ٢٠١٦، قالت إنه ضد داعش، لكن الهدف الرئيسى منه كان إبعاد «وحدات حماية الشعب الكردية»، عن الحدود حتى لا يحدث تماس مع طموحات أكراد تركيا، إضافة إلى رغبتها فى إنشاء منطقة عازلة بعمق ٣٥ كيلومترا، بحجة استيعاب اكثر من 3 ملايين لاجئ سورى مقيمين فيها.

هناك أيضا قوات مدعومة وممولة من قطر خصوصا ما يسمى بـ «الجيش السورى الحر»، الذى انتهى أمره ليتحول إلى أداة فى يد المخابرات التركية، وهذا الجيش دخل مع الغزاة الأكراد شمال سوريا فى الأسبوع الماضى.

وتدعم قطر ايضا غالبية الفصائل الإسلامية المتطرفة بتنسيق كامل مع تركيا، فى حين توقفت غالبية بلدان الخليج عن هذا الدعم الذى كانت تقدمه للمسلحين المعارضين لبشار الأسد، بعد أن اكتشفت أنهم إرهابيون ومن نفس النوعية التى تحاربهم فى الخليج.

فى وقت ما من عام ٢٠١٤ كانت التنظيمات الإرهابية تسيطر على حوالى نصف مساحة سوريا، ووقتها تكون ما يسمى بالتحالف الدولى لمحاربة داعش ودخلت سوريا تحت هذه الحجة قوات من العديد من دول العالم بقيادة الولايات المتحدة.

الغريب أن داعش زاد قوة بعد هذا التحالف ولم يكسره إلا التدخل الروسى، الذى وجه ضربات قاصمة لهذا التنظيم الإرهابى، إضافة إلى جهود المقاتلين الأكراد وحزب الله اللبنانى وإيران.

تم دحر داعش تماما وسيطرته على الأرض لكن ظلت خلاياه النائمة تمارس اعمالا ارهابية جوالة كلما سمحت الظروف!!. لكن القوات الأمريكية ظلت موجودة بصورة رمزية فى شمال شرق سوريا بحجة حماية الأكراد، ثم انسحبت قبل أيام لتتركهم فريسة للأتراك، ولها وجود أيضا قرب الحدود السورية الإيرانية، بهدف منع إقامة جسر إيرانى يبدأ من طهران مرورا ببغداد ثم دمشق ومنها إلى بيروت خدمة للمصالح الإسرائيلية.

إسرائيل ليس لها قوات مباشرة على الأرض السورية، لكنها تعربد ليل نهار فى السماوات السورية المستباحة، وتوجه ضربات بصورة دورية لكل المقدرات السورية العسكرية، بحجة محاربة النفوذ الإيرانى، ثم تبين أنها كانت تدعم الفصائل الارهابية، ليس حبا فى أيديولوجيتها المتطرفة، ولكن كى يتم استنزاف الجيش السورى وتتواصل الحرب الأهلية، فتكون هى الكاسب الأكبر من المأساة السورية المستمرة منذ مارس ٢٠١١.

فى رأيى الجميع مدانون من اول النظام الذى ادت سياساته لهذا الواقع البائس، وكذلك المعارضة المسلحة التى رهنت نفسها لدول واجهزة مخابرات اقليمية ودولية، فكانت النتيجة ضياع سوريا لسنوات طويلة. كما لا يمكن اعفاء الاكراد من المسؤلية. هم يسيطرون على حوالى 30% من الاراضى. تحالفوا مع الامريكان والاسرائيليين، وكالعادة تم «بيعهم» فى اللحظة الاخيرة، وهذه المرة للاتراك!!

تلك هى الصورة على الأرض فى سوريا الشقيقة وهنا يحق لنا أن نسأل كيف وصلت سوريا إلى هذه الحالة، وكيف نمنع تكرار هذا الكابوس فى أى دولة عربية أخرى؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved