اليابان.. العملاق النائم يستيقظ

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 16 أكتوبر 2021 - 8:05 م بتوقيت القاهرة


نشرت مؤسسة بلومبرج مقالا للكاتب هال براند يتناول فيه التغييرات التى تحدث فى السياسة الخارجية اليابانية بسبب خوفها من الصين وتذبذب السياسة الخارجية الأمريكية.. نعرض منه ما يلى.
لثلاث مرات فى العصر الحديث، أحدثت استجابة اليابان للتحولات الكبيرة فى النظام الدولى، بإعادة صياغة شاملة لسياساتها الخارجية، تغييرا جذريا لمجرى التاريخ.
تمر اليابان الآن بمرحلة انتقالية، حيث ينتقل منصب رئاسة الوزراء من يوشيهيدى سوجا إلى فوميو كيشيدا. صحيح أن الانتقال لا يمثل مرحلة جديدة، حيث إن كليهما ــ مثل جميع رؤساء وزراء اليابان بعد الحرب ــ يمثلان الحزب الليبرالى الديمقراطى. لكن المهم فى هذه القصة هو أن اليابان تقترب من ثورة رابعة فى سياساتها الخارجية، وذلك نتيجة لعدائية الصين وتذبذب السياسة الخارجية الأمريكية.
كل الثورات الثلاث السابقة فى اليابان أعقبت اضطرابات جيوسياسية كبيرة. الأولى جاءت بعدما فتح الغرب عنوة اليابان فى خمسينيات القرن التاسع عشر. وكانت النتيجة حدوث ما عرف بـ«إصلاحات ميجى»، وبناء اقتصاد حديث وجيش قوى، وظهور اليابان كقوة عظمى سحقت الصين ثم روسيا فى الحروب الكبرى.
حدثت الثورة الثانية خلال الثلاثينيات. وقتها حدث انهيار الاقتصاد العالمى، ورغبت اليابان فى تحقيق أهداف لها على الأراضى الصينية، وبالتالى توجهت اليابان إلى تبنى نزعة عسكرية والتوسع الاستعمارى لتحقيق الاكتفاء الذاتى الاقتصادى فى آسيا، وهو ما ساعد على اندلاع الحرب العالمية الثانية.
جاءت الثورة الثالثة بعد الهزيمة الساحقة لليابان فى الحرب العالمية الثانية واحتلال القوات الأمريكية لها، وتخلى اليابان عن السياسة الخارجية المستقلة والاعتماد على الولايات المتحدة فى الحفاظ على أمنها، وهو ما سمح بإعادة إعمار اليابان كمحرك للازدهار الإقليمى وساعد فى دفع منطقة شرق آسيا نحو عصر من الاستقرار والسلام النسبيين.
•••
ومع ذلك، فإن عصر السكون اليابانى ينتهى، والسبب الرئيسى هو عدوانية الصين؛ تتحدى بكين سيطرة طوكيو على جزر سينكاكو فى بحر الصين الشرقى، وتهدد تايوان التى تحمى الجناح الجنوبى لليابان، وتقوم ببناء قدرات بحرية وجوية مصممة للتغلب على طوكيو وحلفاء الولايات المتحدة. ويرى البعض أن قيادات الصين تقدم كل الدلائل التى تثبت رغبة الصين فى إعطاء اليابان، التى عصفت بالصين خلال الحرب العالمية الثانية، درسًا مؤلمًا.
انسحب الرئيس دونالد ترامب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهى صفقة تجارية هدفت إلى حد كبير إلى منع الصين من الهيمنة اقتصاديًا على المنطقة، وهددت بتفجير التحالف الثنائى بين طوكيو وواشنطن.
أعاد الرئيس جو بايدن الإيقاع الطبيعى للعلاقات الأمريكية اليابانية، لكنه لم يُدخِل أمريكا بعد فى صفقة تجارية كبرى فى المحيط الهادئ ولم يُوجِد صيغة تُعيد التوازن العسكرى الإقليمى المتدهور، ويلوح فى الأفق أيضًا الخوف من أن رئاسة بايدن قد تكون مجرد استراحة بين أحادية ترامب والعودة إلى «أمريكا أولا».
•••
اليابان لم تجلس مكتوفة الأيدى مع وجود تهديدات متزايدة؛ فى عام 2016، أنشأت حكومة رئيس الوزراء شينزو آبى مفهوم «منطقة المحيطين الهندى والهادئ الحرة والمفتوحة»، ولعبت اليابان دورًا رئيسيًا فى إحياء الحوار الأمنى الرباعى مع أستراليا والهند والولايات المتحدة، وعملت طوكيو ببطء على فك القيود الدستورية المفروضة على قوتها العسكرية. اتخذ التحالف الأمريكى اليابانى طابعًا معاديًا للصين، حيث تساعد القوات الجوية والبحرية اليابانية القوات الأمريكية فى القيام بدوريات فى نقاط التوتر البحرية المحتملة.
ولعل أخطر ما فى الأمر هو أن القادة اليابانيين بدأوا فى التلميح إلى أن طوكيو قد تساعد الولايات المتحدة إذا اندلعت حرب إقليمية للدفاع عن تايوان، أو دحر العدوان الصينى. تضع اليابان صواريخ مضادة للسفن على جزر ريوكيو، وهى أرخبيل يمتد جنوبًا بالقرب من تايوان، وتضع خططًا لاستخدام غواصاتها لخنق وصول الصين إلى المحيط الهادئ المفتوح فى حالة الحرب.
كل هذا يحدث بينما تعمل طوكيو مع واشنطن لتأمين سلاسل التوريد ومساعدة الدول الديمقراطية فى عملية تسريع الابتكار فى التقنيات الرئيسية، مثل أشباه الموصلات، وتقديم مساعدات عالية الجودة فى البنية التحتية للدول النامية، ومجالات أخرى يتنافس فيها النفوذ الصينى. ردا على صعود الصين، بدأت اليابان بهدوء نهوضها كقوة عظمى.
•••
ومع ذلك، بينما تأمل اليابان فى عودة الولايات المتحدة، فإنها تتحوط من التراجع الأمريكى. عقدت حكومة شينزو آبى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ بعد انسحاب الولايات المتحدة (تم إطلاق نسخة مصغرة، الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ، فى عام 2018). يواجه فوميو كيشيدا الآن التحدى المتمثل فى إبقاء الصين خارج تلك الاتفاقية مع احتمال انضمام تايوان إليها. وقعت طوكيو اتفاقية تجارية كبيرة مع الاتحاد الأوروبى وافتتحت تحالفًا لسلسلة التوريد مع أستراليا والهند، لتقليل الاعتماد الاقتصادى على الصين فى وقت كانت السياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة فى موضع شك.
يقول الباحث آدم ليف أنه يمكن اعتبار أن ما يحدث فى السياسة اليابانية تطورات أكثر منها تغييرات ثورية. لا يزال الإنفاق الدفاعى محدودًا بنسبة 1٪ من الناتج المحلى الإجمالى. ولا يزال الحديث المفتوح عن تطوير ترسانة نووية من المحرمات. لكن خط الاتجاه يسير، بشكل لا لبس فيه، نحو سياسة خارجية يابانية أكثر «طبيعية» ــ أى نحو دور أكبر فى العالم وأقل خجلا.
•••
من منظور أمريكى تكمن هنا فرصة عظيمة. نظرًا لموقعها الجغرافى وقوتها الاقتصادية والعسكرية وتطورها التكنولوجى وقيمها الديمقراطية، يمكن أن تكون اليابان حليفًا مهمًا فى هذا القرن كما كانت بريطانيا فى الماضى.
ومع ذلك، فإن تحقيق أقصى استفادة من التحالف سيتطلب من الولايات المتحدة إثبات قدرتها على البقاء فى المحيط الهادئ، سواء من خلال الترتيبات الأمنية، مثل اتفاقية أوكوس الأخيرة مع أستراليا والمملكة المتحدة، أو من خلال المبادرات الاقتصادية، مثل اتفاقية التجارة الرقمية الإقليمية، التى بإمكانها منح واشنطن دورًا مركزيًا فى عملية ازدهار المنطقة فى المستقبل.
على النقيض من ذلك، بالنسبة للصينيين، تنذر صحوة اليابان بالسوء. تشير أحد مقاطع الفيديو الدعائية الصينية المبالغ فيها بأن بكين ستضرب «باستمرار» اليابان بأسلحة نووية إذا انضمت إلى حرب على تايوان. يحذر المسئولون الصينيون من اليابان الجديدة العدوانية والعسكرية. المفارقة هى أن اليابان الديمقراطية تستجيب فى الغالب بشكل دفاعى للتهديدات الصينية.
إن عدوانية بكين تزيد من احتمالية أن تشهد اليابان ثورة أخرى فى السياسة الخارجية ــ والتى من شأنها أن تأتى مرة أخرى على حساب الصين.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved