تركيا وإيران على مسرح الشرق الأوسط

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 9:34 ص بتوقيت القاهرة

 شهدت الفترة الأخيرة تحركات تركية تعددت محاورها على اتساع المنطقة العربية وماجاورها، ومن أهم تلك المحاور، الحوار والتقارب المتزايد بينها وبين إيران.. والذى دفع البعض لتوقع تبلور نوع من التحالف الثنائى بينهما،يمكن أن يغير من صيغة ومعادلة التوازن الإقليمى الحالية.

ولاشك أن الحركة التركية الإقليمية والتى تستهدف ــ حسب تصريحات وزير خارجيتها ــ التأكيد على الحضور التركى مع ملفات المنطقة كقوة اقليمية، ورغبة أكثر فى بناء شرق أوسط جديد، هذه الحركة تنطلق من الطموحات التركية لأن تصبح دولة إقليمية عظمى تحرك الأحداث فى المنطقة وتتخاطب بذلك مع القوى المعنية بتطوراتها خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى. وتنطلق كذلك من اعتبارات داخلية بدرجة كبيرة،حددت إطارها وتتفاعل معها ومن أهم هذه الاعتبارات أن حكومة حزب العدالة قد نجحت فى تحقيق تنمية اقتصادية ملموسة، وتسعى للانتقال إلى مرحلة اخرى تركز على تحقيق الرفاهية للمواطن التركى.

ويعتبر هذا هدفا استراتيجيا يصب فى مصلحة الحزب، ويوفر أرضية ومناخا مناسبا لمحاصرة القوى المعادية سواء الأحزاب القومية أو المؤسسة العسكرية.. فجوهر حركة الحكومة إذن هو رفاهية المواطن التركى ليكون الداعم الأساسى لها. ولهذا جاء المحور الاقتصادى ليكون أساس التحرك التركى الإقليمى..فلقد نجحت من خلال علاقاتها المتطورة مع سوريا والعراق وإيران ودول مجلس التعاون الخليجى ومصر من مضاعفة حجم التبادل التجارى إلى حوالى ثلاثة أضعاف خلال خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعقدت اتفاقيات تسهل انسياب السلع التركية إلى جميع دول المنطقة، ومضاعفة حجم الاستثمارات الخليجية داخل أراضيها.

وقد أدركت الحكومة التركية أن ذلك الهدف الإستراتيجى يتطلب غطاء سياسيا داعما، وهو ما دفعها للانخراط فى ملفات المنطقة واعتماد نظرية تصفير المشاكل مع دول المنطقة، وبالتالى جاءت زيارة وزير الخارجية التركى إلى شمال العراق لتكشف عن تغير استراتيجى فى علاقات أنقرة بالحكومة الكردية فى شمال العراق، ورغم أنه يمكن تفهم هذه الزيارة ضمن إجراءات تركيا لتصفية حزب العمال الكردستانى، فإنه يمكن تفهمها كذلك فى إطار دعم نفوذها وتأثيرها داخل العراق ومع كل القوى السياسية العراقية على اختلافها، وتقديرها أن الحاجة إلى زيادة التأثير التركى فى العراق تتطلب إعادة صياغة للعلاقة مع إقليم كردستان العراق.

كما أن التطور المتزايد فى العلاقات مع سوريا،والذى تلاشت فيه المطالبة السورية بلواء الإسكندرونة، وتصاعد خلالها التنسيق والتعاون الأمنى يشير بوضوح إلى تقدير تركيا للتأثير السورى فى بعض الملفات المثارة فى المنطقة، والتى يمكن أن تساعد دمشق أنقرة على الانخراط فيها وتأكيد حضورها داخلها. وتشهد هذه العلاقات تطورات متلاحقة، وبحيث أصبح تقارب دمشق وأنقرة مثار قلق وتوتر فى طهران، الأمر الذى ظهر بوضوح فى تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيرانى لاريجانى (4/11) فى بغداد، حيث أشار إلى أن بعض دول الجوار تساعد الإرهابيين بحجة محاربة الاحتلال الأمريكى وهم فى الحقيقة يحبون أمريكا أكثر، وكان يعقب على اتهامات الحكومة العراقية لسوريا.

ولعل هذه التحركات التركية والتى بدأت تتداخل فى مناطق النفوذ والحركة الإيرانية، كانت أحد الدوافع وراء الزيارة الأخيرة لأردوغان إلى طهران، لاستيعاب القلق الإيرانى بهذا الخصوص.. إلا أن ما صدر منه خلال الزيارة يحتاج إلى متابعة ودراسة، خاصة قوله إن تركيا وإيران هما عماد الاستقرار فى الشرق الأوسط، وأن تركيا لا يقلقها البرنامج النووى الإيرانى، وهو ما أسعد الرئيس الإيرانى الذى صرح بأنه لا تستطيع أى قوة غير إيران وتركيا ملء الفراغ فى الشرق الأوسط، وأن إيران وتركيا يمكنهما صياغة نظام إقليمى جديد. وهو ما دفع إلى التساؤل، هل تتجه تركيا إلى صياغة تعاون إستراتيجى مع إيران؟ وهل يمكن التوفيق بين الطموحات التركية والمشروع الإستراتيجى الإيرانى فى المنطقة دون توتر؟

الحقيقة أن البلدين يحرصان حتى الآن على زيادة مساحات التفاهم، وكلاهما يدرك وجود تناقض واختلاف واضح مع طبيعة وحجم مصالح كل منهما داخل ملفات المنطقة، الا أنهما يبذلان محاولات جادة لضبط هذاالاختلاف وتداخل المصالح فى نفس الدوائر بقدر الإمكان.

فتركيا تحتاج إلى عدم معارضة إيران لدخولها فى بعض الملفات ذات الامتداد الإيرانى ــ خاصة لبنان وفلسطين ــ لتؤكد قدرتها كقوة إقليمية تمتلك مزيدا من الأوراق فى تعاملها مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وتسعى إيران للانفتاح على أوروبا. كما أن حركتهما داخل العراق لم تصل لمرحلة التصادم حتى الآن، وهناك تنسيق استراتيجى بينهما فى الملف الكردى.

وقد أدركت تركيا أن مجمل حركتها تحتاج إلى غطاء شعبى داعم، ومن هنا يمكن تفهم مواقفها الحادة من السياسة الإسرائيلية بصفة عامة، وهو ما وفر لها قبولا شعبيا فى دول المنطقة بدأ ينافس الطموحات الإيرانية على هذا المستوى.
وفى تقديرى أن ما يحدث بين طهران وأنقرة هو نوع من الحوار الواعى، يؤكد كل طرف خلاله على حدود مصالحه..وإذا كانت إيران قلقة من الحركة التركية المتصاعدة بصفة عامة، إلا أن المرحلة الحالية من المواجهة مع الغرب تفرض عليها تجاوز ذلك والتعامل معه بصورة هادئة دون التنازل عن بعض الأساسيات. وعلى سبيل المثال لم تتوافق إيران مع الحركة التركية تجاه سوريا، حيث ترى فيها مشروعا غربيا بالأساس يسعى لجذب دمشق بعيدا عن طهران، وهو الأمر الذى دفع مصادر لبنانية مرموقة للتأكيد على تجاوز الحركة والتأثير الإيرانى فى لبنان للدور السورى، وأن حل الأزمة اللبنانية والفلسطينية سوف يرتبط بحل الأزمة النووية، وبصورة مباشرة من البوابة الإيرانية، وهو ما يدفع إلى ترجيح أن زيارة أردوغان لطهران رغم التصريحات الإيجابية التى صاحبتها لم تنجح فى إرساء قواعد تحالف ثنائى قادر على تحريك الأحداث فى المنطقة. ولعل مراجعة تصريحات الرئيس التركى خلال زيارته إلى سلوفاكيا 3/11 التى أكد فيها أن بلاده لا ترغب فى امتلاك دول مجاورة لها سلاحا نوويا، ووجه تحذيرا لإيران فيما يتعلق ببرنامجها النووى قائلا: «إن هذه لعبة خطيرة».. كما أكد أردوغان أمام البرلمان التركى فى نفس اليوم أن تقارب بلاده مع إيران لا تعنى تبديلا فى سياستها الخارجية،يؤكد ذلك بصورة كبيرة.

الخلاصة أن كلا من تركيا وإيران تواصلان تحركهما لتثبيت النفوذ ودعم المصالح فى المنطقة، وأن كلا البلدين يحتاج الآخر فى الفترة الحالية لعدم تعويق حركته، وإن كانت النوايا الطيبة والتصريحات الايجابية لن تكفى للحيلولة دون تصادم المصالح مستقبلا. ومن الملاحظ ان الحركة التركية تتم بصورة هادئة ومن خلال لغة خطاب سياسى أكثر وعيا وتفهما لمصالح الآخرين، بينما لاتزال الحركة الايرانية حادة وقلقة، إلا أن الحرص المتبادل على توسيع مساحات التفاهم يستوعب عناصر التوتر.

ولاشك أن الدرس التركى الإيرانى يطرح عددا من المؤشرات الجديرة بالاهتمام.. والتى من أهمها، أنه من الثابت أنه بقدر ما تتسع الساحة لحركة البلدين بقدر ما تضيق أمام الدور الإقليمى للكتلة العربية، التى نجحت حركة البلدين فى اختراقها وخلق محاور داخلها، كما أن ممارسات البلدين تؤكد على حقيقة أنه رغم تداخل واختلاف المصالح، إلا أن هناك محاور للحركة يمكن أن توفر فرصا مناسبة للتفاهم والحوار ــ خاصة مع إيران ــ تؤكد على المصالح العربية وتستوعب مظاهر العداء. ولعل ذلك يتطلب ضرورة التحرك الجاد للدول العربية ذات التأثير، خاصة مصر، للقيام بمبادرة للم الشمل العربى وتجاوز الحساسية القائمة فى العلاقات مع بعض الأطراف، خاصة سوريا، لصياغة محور عربى يستعيد زمام المبادرة وتحريك الأحداث فى المنطقة، ولا يغيب عن التحركات الإقليمية والدولية على الساحة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved