حكومة مؤقتة وجنيف مؤجل

سلام الكواكبي
سلام الكواكبي

آخر تحديث: السبت 16 نوفمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

أعلنت فى الأيام الأخيرة توافقات فى حدودها الدنيا بين مكونات الائتلاف الوطنى السورى. وكانت فى مجملها تصب فى قضية الحسم فى مسائل مهمة نظريا أو فعليا أو مبدئيا. فشهدت اسطنبول اجتماعات ماراثونية لإعلان حكومة مؤقتة تقوم بتفعيل دور المجالس المحلية الموجودة فى المناطق غير الخاضعة لسلطة النظام السورى ووضع تصورات حول عملية إعادة الإعمار التى يتحدث عنها السوريون وكأنها خشبة الخلاص من جرعات التشاؤم اليومية. وكذلك تبدى من عملية التصويت على أسماء الوزراء الجدد بأن السعى للتوافق بلغ أقصى درجاته من خلال التصويت على أسماء كل مرشح على حدة، وهو مما لم يجر التعارف عليه، حيث يجرى عادة منح أو حجب الثقة لمجمل الوزارة.

وقد احتوت على أسماء تقنيين مشهود لهم بالخبرة وحسن الأداء، وأخرى لممثلين عن بعض الكتل فى الائتلاف. وحفلت الصحافة الإلكترونية البيضاء والصفراء بالتعليقات والتحليلات المتسرعة. وعجت صفحات شبكات التواصل الاجتماعى بالتحليلات مسبقة الصنع أو التفكير. ودخل المتابعون من السوريين فى متاهات القيل والقال، خصوصا ما تم نشره ونثره من قبل من خابت ظنونهم الشخصية وليست الوطنية. وكأن الأمر يتعلق بتشكيل وزارة مركزية فى دولة طبيعية تمارس دورها الكامل فى ظل التعاون الإقليمى والدولى. وفات الجميع، وخصوصا من لم ترد أسماؤهم، بأنها وزارة مؤقتة ليست لديها أية سيطرة إدارية أو قانونية على مناطق محددة لا تقوم فيها سلطة النظام بإدارة الأمور. وكذلك، فحتى ما هو خارج على إطار هذه السيطرة، فهناك سلطات أمر واقع مشتتة التبعيات فى أفضل الحالات، أو أنها خاضعة لسلطة احتلال من قبل قوى ظلامية تمارس الإجرام والنهب والخطف الشخصى والاجتماعى والاقتصادى. وبدا أن منتقدى هذه التشكيلة الجديدة المؤلفة فقط من تسعة أسماء، يبحثون عما يسلون به أوقات فراغهم أو يسعون إلى إضافة فقرة جديدة على قاموس النقد من أجل النقد من دون طرح البدائل أو التصورات، وهذه رياضة متطورة جدا لدى الشخصيات البعيدة عن أرض الواقع أو عن ألم هذا الواقع.

 

الهام، مبدئيا، هو أن هذه الحكومة قد تشكلت بسلبياتها وبإيجابياتها. وكذلك، فقد نجح الائتلاف فى ضم أحد المكونات الكردية الأساسية إلى صفوفه لتعزيز موقعه التمثيلى للسوريين. وعلى الرغم من وجود القوة الأساسية عسكريا للأكراد تحت سيطرة مجموعة تعادى الائتلاف من جهة وتتوافق فى مواقفها وممارساتها مع النظام من جهة أخرى، مع إصرارها على ادعاء العكس، فإن إدماج المكون الكردى يعتبر إنجازا سياسيا على الأقل بالنسبة للمعارضة السورية فى مرحلة صعبة للغاية تطرح فيها مشاريع حكم ذاتى ويغازل النموذج الكردى فى العراق مخيلة الكثيرين منهم فى سوريا.

إضافة إلى هاتين الخطوتين المتقدمتين بنظر البعض، فقد جرى تحديد موقف واضح من المشاركة فى جنيف 2 من دون لبس ميز المرحلة السابقة. وسعى المتحدثون باسم الائتلاف إلى طرح موقف موحد يذهب بهم إلى هذا المؤتمر الموعود، والذى لم تظهر بشائر انعقاده بعد، مع ربط هذا الموقف بما سبق من وثائق صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو عن لقاءات دولية مؤثرة أوصلت إلى ما يسمى وثيقة جنيف 1 فى العام المنصرم بنقاطها الست، وانتهاء ببيان من يسمون أنفسهم بأصدقاء سوريا فى لندن فى الشهر الماضى.

 

والمرحلة القريبة المقبلة ستعتمد أساسا على وضع مرجعية تفاوضية مستندة إلى مهارات يمكن اكتسابها من خلال الاصغاء والقراءة والتمرين، ولا يمكن لأحد ادعاء تملكها مسبقا. التفاوض على مصير وطن لا علاقة له بالمماحكات الشخصانية أو المفاوضات البازارية أو لعب طاولة النرد. السياسيون السوريون المحنكون داخل مكونات الائتلاف المتعددة ليسوا منزلين وعليهم أن يدركوا بأن التفاوض على أمر بهذه الأهمية لا علاقة له البتة فيما سبق وخبروه حول توحيد أو تفريق مجموعات حزبية أو تآلفات مرحلية بعيدا عن رؤية سياسية واضحة.

بانتظار أن تتآلف القوى الإيجابية لدى السوريين بعيدا عن المهاترات الصبيانية أو الأنوات الشخصية أو العقد النفسية، تجد الثورة السورية نفسها بين فكى كماشة لا رحمة لها: النظام بممارساته التى لم تعد بحاجة للتعريف، وقوى ظلامية دخيلة وهجينة ولا علاقة لها بتطلعات السوريين. وهنا تصبح مسئولية من يتصدى للعمل الحكومى أو السياسى أو العسكرى على المحك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved