تذكرتان للسماء

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 16 نوفمبر 2014 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

هنا أسفل السماء المغبرة.. تراب وعفار، جدار يليه جدار، حتى يصل الأمر بنا إلى طريق مسدود أو أنفاق تأخذ من فيها إلى الهاوية.. لاجئون أصبحوا غير مرحب بهم فى كل مكان وأى مكان، بعد أن اكتمل العدد.. هنا اكتمل العدد، وهناك اكتمل العدد. ربما لم يعد أمامهم سوى أن يضبوا الباب وراءهم ــ إن كان لا يزال هنالك باب ــ ويحزموا حقائبهم ويرحلوا إلى المريخ.. رحلة إلى العالم الآخر، مثلما نسمع أحيانا فى الصحف عن تنظيم رحلات إلى الفضاء. لكن هى رحلات مكلفة وتجريبية، فهل سيحرم الفقراء أيضا من الصعود إلى أعلى؟ يقول أحد أبطال فيلم «بين النجوم» (Interstellar) الذى يعرض حاليا فى دور السينما: «من قبل كنا ننظر إلى السماء ونتساءل عن موقعنا بين النجوم، أما حاليا فننظر إلى تحت أقدامنا، إلى الأرض، ونتساءل حول مكاننا فى التراب». فى الفيلم تحاول مجموعة من المستكشفين استعمار كوكب آخر هربا من الفوضى وأشياء أخرى، عملا بمقولة العالم الروسى الراحل قسطنطين تسيولكوفيسكى (1857 ــ 1935): «الأرض هى مهد البشرية، لكن الانسان لا يمضى حياته كلها فى المهد»، وهو الذى كان قد تنبأ بأن الطائرات النفاثة والصواريخ وسفن الفضاء والأقمار الصناعية لاشك ستتلو الطائرات ذات المحرك التوربينى.

•••

ربما يبدو الأمر وكأنه مزحة، لكن البعض يأخذها فعليا بجدية شديدة، حتى فى مجتمعات نامية كالهند وأخرى ناهضة كالصين.. أما فى الولايات المتحدة الأمريكية فهناك أبطال بارزين لأسطورة استعمار القمر والمريخ والكواكب المجاورة، وهم يعدون العدة لذلك، ومن بينهم مؤسس موقع أمازون ــ جيف بيزوس ــ الذى أنشأ شركة عام 2000 لتنظيم الرحلات الجوية دون المدارية، ورجل الأعمال ــ روبرت بيجلو ــ الذى يعكف على تصاميم للمساكن الفضائية بغرض إقامة مشروعات للاستثمار العقارى ومنتجعات سياحية على سطح القمر والمريخ. والاسم الأهم فى هذا المجال هو الملياردير ــ إيلون ماسك ــ الذى لم يتجاوز الثالثة والأربعين من عمره، صاحب شركتى «سبيس اكس» و«تسلا موتورز». يصمم الأخير عربات صديقة للبيئة ويطور صواريخ ومركبات الفضاء، بل دشن فى منتصف أكتوبر الماضى، سيارة كهربائية بمحركين اثنين ما يجعلها أسرع من مثيلاتها ماركة فيرارى. قرأ الموسوعة البريطانية بالكامل وهو فى الثامنة واخترع أول لعبة فيديو شهيرة وهو فى الثانية عشرة، ويسكن قصرا منيفا على المحيط الهادى بولاية كاليفورنيا، حيث يصمم أعماله ويجرى تجاربه فى المعمل الخاص به أمام شاشات عملاقة، كما وصفته مجلة «فوربس»، مضيفة أنه الشخصية الحقيقية التى ألهمت فيلم الرجل الحديدى أو (Iron man)، وهو مقتنع تماما بضرورة غزو الفضاء وإقامة حيوات أخرى على عدة كواكب، حماية للإنسان مما قد يصيب الأرض.

هدفه الأساسى هو المريخ، فمثله مثل الكثيرين يرى أن المريخ سيتحول قبل نهاية القرن الحالى إلى مجموعة من المستعمرات يسكنها مغامرون كهؤلاء الذين أتوا إلى أمريكا وغيرها من الأراضى الجديدة واستقروا بها وعمروها. أما القمر، فيشبهه بعض العلماء بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) التى تكاد تكون خالية من السكان لقسوة الظروف الطبيعية، ويتوقعون أن يضم نشاطا علميا وسياحيا محدودا فى ظل تجهيزات معينة. لذا اهتمت دولة فقيرة كالهند بالوصول إلى المريخ، ونجحت فى ذلك قبل شهرين معتمدة على تقنيات منخفضة التكاليف نسبيا، فقد أرسلت مركبتها الفضائية إلى الكوكب الأحمر بعشر تكلفة الدول الغربية، وهو ما حدث من قبل فى سنة 2010 عندما بعثت بأول مركبة غير مأهولة إلى القمر.

•••

ارتفعت العديد من الأصوات المنددة «بالطموح الفضائى» للوكالة الهندية، معتبرة إياه نوعا من تبديد المال العام فى بلد ثلث سكانه (حوالى 1.2 مليار نسمة) يعيشون تحت خط الفقر، وكان الرد أن فى ذلك تجسيدا لحلم الزعيم الراحل نهرو الذى يرجع لستينيات القرن الفائت، حينما تحدث عن وضع العلم فى خدمة الفقر. وهو المبدأ الذى اعتمدته الوكالة الهندية للفضاء بمدينة بنجلور على مدى الثلاثين عاما الأخيرة: بواسطة الأقمار الصناعية ربطت مثلا بين 200 مستشفى فى أنحاء البلاد لتخلق شبكة طبية متكاملة يمكن من خلالها التشخيص عن بعد، وجاء ذلك مثلا على حساب توفير خدمات التليفون والتليفزيون فى الأماكن النائية. فضلت استخدام بحوث الفضاء وما شابه للتنبؤ بالكوارث الطبيعية والمناخ وتوفير برامج للتعليم، حتى لو تم اقتطاع الميزانية من قوت الشعب ولحمه الحى، لكن على الأقل حددوا الأولويات واستوعبوا دور التقدم العلمى سياسيا ومغزاه. وصلوا متأخرين عن الأمريكان والروس حوالى أربعين سنة، لكن وصلوا إلى الكوكب الأحمر فى النهاية وصعدوا إلى القمر بثمن لا يتعدى 7 روبيات للكيلومتر، وهو ما يساوى تكلفة مشوار بالتوك التوك الهندى المعروف «بالريكشو»، أى أن ثمن رحلة المريخ بالكامل لم يتجاوز 53 مليون يورو. أرادت أن تثبت أن حلم النجوم والتطلع إلى السماء ليس حكرا على الأغنياء، بل العالم الجديد لا يزال مفتوحا أمام الأقل حظا بين سكان الأرض، لكن على هؤلاء حجز أماكنهم على الكوكب الأحمر قبل فوات الأوان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved