الإدارة الغائبة لأزمة الطائرة الروسية

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 16 نوفمبر 2015 - 1:45 ص بتوقيت القاهرة

الأزمة الجديدة التى تواجهها الدولة المصرية بعد الانفجار الذى أسقط الطائرة الروسية من ارتفاعها الشاهق وبركابها المائتين وأربع وعشرين تلقى بظلالها الكثيفة على الاقتصاد والمجتمع فى مصر، وتقتضى لذلك معالجة جادة ومستنيرة من جانب الدولة والمواطنين، ولكن ردود الفعل التى تسابقت بعد الحدث الغادر هى أقل بكثير مما هو مطلوب للتقليل من آثاره والخروج منها فى أقرب وقت ممكن، بل والاستعداد لتجنب وقوع أعمال مماثلة فى المستقبل وتوقى النتائج السلبية لتكرار مثل هذه الأحداث فى دول صديقة، سواء فى الوطن العربى أو خارجه، مثلما جرى فى فرنسا ليلة الجمعة الماضية.

وأول ما يجب أن نفعله هو الحفاظ على رباطة الجأش والتعقل فى فهم ما جرى وعدم استبعاد أى من الأسباب المحتملة لما وقع فى سماء سيناء، والابتعاد عن نظرية المؤامرة فى تفسير ردود الفعل على هذا الحدث. النتيجة المؤكدة لسقوط الطائرة الروسية هى آثارها الاقتصادية من توقف السياح عن القدوم إلى مصر من الدول التى كان ملايين من مواطنيها يفدون إليها بقصد التمتع بسواحلها المشمسة أو زيارة آثارها، وما يترتب على ذلك من مزيد من الانخفاض فى حصيلة البلاد من النقد الأجنبى، وربما تضاؤل تدفق الاستثمارات الأجنبية، وذلك فى وقت هبط فيه احتياطى النقد الأجنبى إلى أدنى مستوياته وأخفقت الصادرات فى الارتفاع إلى مستوى يقلل من حجم العجز فى الميزان التجارى، والذى فشلت كل مصادرنا من النقد الأجنبى فى تقليل العجز فى ميزان المدفوعات، الذى يتجاوز ستة بلايين من الدولارات، وخصوصا أنه ليس من المتوقع أن تعوض قناة السويس انخفاض حصيلة النقد الأجنبى بسبب ركود التجارة العالمية، ولا أن تحصل مصر على مزيد من العون الخليجى بينما تستمر أسعار النفط فى الهبوط فى الأسواق العالمية. هذا هو أخطر الآثار المترتبة على هذا الحدث، ولكن من المستبعد أن يؤدى هذا الحدث إلى تغير فى علاقات مصر الدولية وخصوصا مع الدول الكبرى فى الغرب أو الشرق. سياسات هذه الدول تقوم على المصلحة، ولا مصلحة لها فى وقف التعامل مع الحكومة المصرية التى تمثل أكبر دولة فى الشرق الأوسط من حيث عدد سكانها، والتى تجد نفسها فى خندق واحد مع هذه الدول فى الحرب ضد الإرهاب، حتى وإن كان هناك فتور فى العلاقات الشخصية بين قادة بعض الدول الغربية والقادة المصريين بسبب صورة الحكومة المصرية فى الإعلام الغربى فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.

***

ولذلك فالمطلوب ممن يديرون الأمور فى الحكومة المصرية ألا يستسلموا لحديث المؤامرة الذى طغى على تغطية الإعلام المصرى للنتائج التى ترتبت على هذا الحادث، لأنه أمام حديث المؤامرة لن يملك المسئولون إذا ما صدقوه سوى أن يقفوا مكتوفى الأيدى فى انتظار ضربات أخرى من المتآمرين، ويقاطعوا الاتصالات مع قادة الدول المتآمرة وخصوصا كلا من رئيس الوزراء البريطانى والرئيس الأمريكى، ولا أعرف ما إذا كان الرئيس الروسى سيدخل أيضا فى قائمة المتآمرين المتخيلين على مصر بعد قرار السلطات الروسية بوقف رحلات الطيران بين البلدين. لحسن الحظ أن المسئولين المصريين لا يبدو أنهم يصدقون حديث المؤامرة، فهم لا يتوقفون عن التعامل مع قادة ومواطنى الدول «المتآمرة» فى نظر الإعلام المصرى. الرئيس السيسى التقى برئيسة شركة لوكهيد التى تنتج الطائرات الحربية الأمريكية، وتطلع إلى مزيد من التعاون معها، كما كان وزير البحرية الأمريكى فى زيارة للقاهرة خلال الأسبوع الماضى، واجتمع مع وزير الدفاع وعدد من القادة العسكريين.

وإذا كانت مشاعر الأسف على انخفاض أعداد السياح القادمين إلى شرم الشيخ قد دفعت قطاعات عديدة من المواطنين المصريين إلى إبداء تضامنهم مع العاملين فى المدينة سواء بتعمد زيارتها فى هذه الأوقات الصعبة، أو بدعوة الجاليات المصرية فى الخارج للقدوم إليها لقضاء الإجازات، أو بتخفيض أسعار الطيران إلى هذه المدينة، إلا أن رد الفعل الحكومى مدهش فى عدم تناسبه مع خطورة الحدث. الأمور تمضى وكأن شيئا على هذه الدرجة من الآثار السلبية لم يحدث، وذلك باستثناء الدعوة لاجتماع مجلس الوزراء فى المدينة، وذلك للتأكيد على أن المدينة آمنة وأنها مفتوحة لاستقبال أعداد كبيرة من السياح كما كان الحال فى الماضى. وليس من المعروف ما إذا كان صدى هذه الزيارات قد وصل إلى الإعلام الغربى أو الروسى المستهدف أساسا بمثل هذه الرسائل الضمنية.

***

لقد طلب الرئيس من الحكومة تشكيل لجان لإدارة أزمات المرافق عندما تهبط أمطار غزيرة وتتعرض بعض بقاع الوطن لسيول أو كوارث طبيعية مثلما جرى فى الإسكندرية ومحافظتى البحيرة ومرسى مطروح وفى وادى النطرون. لا شك فى خطورة هذه الأحداث ومأساويتها وكشفها عن الفشل الكبير لأجهزة الدولة فى توقى الأزمة والاستعداد المناسب لمواجهتها. ولكن ألا تمثل حادثة سقوط الطائرة الروسية أزمة أبعد مدى وتستحق اهتماما مماثلا على الأقل؟ ألا تضرب الاقتصاد المصرى فى وقت تشتد فيه حاجته إلى موارد إضافية تمثل السياحة واحدا من أهم روافدها؟ ألا يصيب هذا الحادث بكل ما قيل حوله عن غياب الأمان فى المطارات المصرية سمعة مصر وسمعة أجهزتها الأمنية فى مقتل، وهى التى لم تكن موضع غرام خاص من جانب الإعلام الغربى؟

لم أكن فى مصر عندما وقع هذا الحادث واجتهدت لمعرفة رد فعل الحكومة. طبعا زار رئيس الوزراء ومعه وزير الطيران وبعض قادة القوات المسلحة موقع سقوط الطائرة. وأدلى كل من الرئيس ووزير الخارجية بعض التصريحات. وتوقف الأمر عند ذلك فى انتظار أن يأتى الفرج من السماء ويخرج تقرير لجنة التحقيق معلنا للعالم كله، وعلى عكس التوقعات كلها، بأن الحادث ناجم عن عطل فنى ألمَّ بالطائرة، ومن ثم تعود أفواج السياح إلى التدفق إلى كل المواقع السياحية فى مصر، وتستعيد أجهزة الدولة هيبتها التى أطاحت بها الصحافة الغربية وخصوصا البريطانية .

يستحق هذا الحادث أن تتألف له لجنة لإدارة الأزمة تتشكل على أعلى مستوى، وتواصل اجتماعاتها بانتظام إلى حين تنجلى كل الآثار الخطيرة التى تترتب على هذا الحدث. يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة هذه اللجنة ويشترك فى عضويتها وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والطيران والمالية والسياحة ومحافظ البنك المركزى ورؤساء جهازى المخابرات العامة والأمن الوطنى ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ومحافظو شمال وجنوب سيناء والأقصر وأسوان. تجتمع هذه اللجنة أسبوعيا لمتابعة آثار هذا الحادث على علاقات مصر بالدول الأجنبية وعلى ٍسياحتها واقتصادها، وتتخذ الخطوات الضرورية للحد من الآثار السلبية المترتبة عليه، وتجتهد لوضع سياسات بديلة للتعويض عما ينجم عنه من خسائر، وتقدم هذه البدائل لرئيس الجمهورية لإعلامه بها وللأمر بتنفيذها إذا كانت تخرج عن سلطة رئيس الوزراء. ولا تكتفى هذه اللجنة باتخاذ القرارات، وإنما تتابع تنفيذها من خلال ممثلين للوزارات والهيئات الممثلة فيها يجتمعون تقريبا بصفة يومية لتكون لديهم آخر المعلومات عن تطور الموقف فى جميع المجالات ذات الصلة ومدى التقدم فى تنفيذ قرارات اللجنة.

وحتى لا تسقط اللجنة فى فخ التقارير الحكومية التى ترسم صورة وردية لما يجرى حول مصر، وحتى لا تستبعد أى احتمال فيما يتعلق بالأخطار المحيطة بالأمن القومى فربما تضم إلى عضويتها واحدا أو اثنين من خبراء العلاقات الدولية المدنيين من المشهود لهم بالشجاعة والعلم والاستقلال فى الرأى ليحثا اللجنة على ألا تستبعد أيا من احتمالات تهديد الأمن الوطنى مهما بدا من قلة تحققه.

ولعل المهمة الأولى التى يجب أن تضعها اللجنة على جدول أعمالها هى كيف تتعامل الحكومة والشعب فى مصر مع إعلان تحقيق اللجنة الدولية التى تشكلت لدراسة أسباب حادث الطائرة الروسية بأن الحادث ناجم عن عمل إرهابى انطلق من مطار شرم الشيخ. سنسعد جميعا لو جاء تقرير اللجنة بغير ذلك، ولكن مهمة لجنة كهذه هى أن تحتاط لكل الاحتمالات، فإذا كان أسوأ هذه الاحتمالات هو الذى ستخرج به اللجنة الدولية، فسنكون على الأقل مستعدين للتعامل مع آثاره على أحسن وجه.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ــ ومدير شركاء التنمية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved