بعد فشل ماكرون وإبلاغ لبنان بقرار الضربة!

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 16 نوفمبر 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

حين يقول جان عزيزمستشار الرئيس اللبنانى ميشال عون إن حكومته أبلغت رسميا بأن حربا شاملة سوف تشن على لبنان قريبا.. وحين يعلن الرئيس عون رسميا وبنفسه أن سعد الحريرى رئيس وزرائه(المستقيل غيابيا) محتجز فى السعودية.. وكذلك حين يرضى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بمجرد الإياب من غنيمة الرحلة غير المقررة سلفا للرياض لإعادة الحريرى إلى بيروت، ثم يتطوع بالقول ــ كاذبا – إن الحريرى ليس مقيد الحرية، فإن السؤال لم يعد هو هل تقع هذه الحرب أم لا ؟ وإنما يصبح السؤال هو متى تقع؟ وهل تبقى محصورة فى لبنان، أم تمتد إلى جبهات أخرى مشرعة الأبواب للقتال ؟.. وذلك ما لم تحتشد معارضة داخلية قوية فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، بقدر يكفى لإجهاض قرار الحرب، أو تبادر ايران بمبادرة لخفض التوتر فى الخليج والمشرق العربيين، أو تفاجئنا القاهرة بمشروع عربى، أو عربى – روسى – أوروبى للسلام والأمن والتعاون فى الشرق الأوسط «الكبير».

قبل أن نعود بالتفصيل إلى تصريح جان عزيز، وفشل زيارة ماكرون للرياض بوصفهما أخطر مؤشرين على ترجيح احتمالات الحرب على احتمالات التراجع من حافة الهاوية، تجدر الإشارة إلى أن الوقت لن يطول حتى تندلع تلك الحرب، ما لم تتوافر الشروط سالفة الذكر توا لمنعها.. بعضها أو كلها، وذلك لأسباب تتعلق بالظروف المناخية، لأنه ما إن يبدأ شهر ديسمبر، ويحل معه فصل الشتاء بغيومه وأمطاره وثلوجه وعواصفه، فسوف يتعذر القيام بعمليات عسكرية كبيرة، خاصة وأن الحديث يدور عن غزو شامل، بما يعنى اجتياحا بريا، جنبا إلى جنب مع القصف الجوى، كما سبقت الإشارة، وكما سيتضح أكثر من مضمون حديث مستشار الرئيس اللبنانى، فما الذى قاله الرجل تحديدا؟

مساء الاثنين الماضى صرح عزيز لقناة «الجديد» التليفزيونية اللبنانية قائلا: «تلقينا رسالة خارجية مباشرة تقول إن الوضع ليس قصة استقالة (الحريرى) ولا قصة سقوط حكومة واستبدالها، وليست عودة إلى حرب 2006، أو غارات 13 أكتوبر، ولكن ما يحصل اليوم فى لبنان هو عودة إلى عشية 1982 (عام الغزو الاسرائيلى وصولا إلى احتلال بيروت )، وأن هناك قرارا كبيرا اتخذ على المستوى الدولى الأعلى بضرب لبنان، وأن اللعبة انتهت، وعليكم أن تتكيفوا مع هذا القرار، وأن تتخذوا ما يمكن اتخاذه من إجراءات لحماية أنفسكم».

بالطبع لا تحتاج تصريحات الرجل إلى شرح، لكنها فى الوقت نفسه تشرح أسباب إخفاق زيارة الرئيس الفرنسى للرياض فى «إطلاق سراح الحريرى» وإعادته إلى لبنان، وتطوعه لمداراة خيبته بالكذب قائلا إن رئيس الوزراء اللبنانى (المستقيل) ليس مقيد الحرية، فمن الواضح أن ماكرون أبلغ فى العاصمة السعودية بذلك «القرار المتخذ على المستوى الدولى الأعلى» الذى تحدث عنه مستشار الرئيس عون علنا لأول مرة، وبالطبع أيضا، فإن أحدا لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليفهم أن المقصود بتعبير المستوى الدولى الأعلى هو الولايات المتحدة الأمريكية، بل وأعلى سلطة فيها، وهو الرئيس دونالد ترامب شخصيا، وسواء كان الضيف الفرنسى أبلغ بالقرار من المسئولين السعوديين، أم من مسئولين أمريكيين، فإن المغزى واحد، وهو أن فرنسا لم تعد، ولا تستطيع أن تكون فرنسا ديجول أو شيراك بحيث تقف ضد هذا الجموح الأمريكى الجديد، خصوصا وأن الضحية المباشرة هذه المرة ستكون لبنان ذات العلاقة التاريخية شديدة الخصوصية بالدولة الفرنسية، ومن ثم اكتفت باريس بدورها التقليدى، الذى حاول كل من ديجول وشيراك التمرد عليه، وهو أكل الفتات المتبقى على المائدة الأنجلو – أمريكية، أو المتناثر تحتها، ولذا قلنا إن ماكرون كان كاذبا حين قال إن حرية الحريرى فى الرياض ليست مقيدة، لأن عودة رئيس الوزراء اللبنانى إلى بلاده تتناقض مع ذلك القرار المتخذ على المستوى الدولى الاعلى، والذى تعد استقالة الحريرى، واحتجازه جزءا لايتجزأ من خطة تنفيذه.

لعلى هنا أذكر القراء بما سبق أن كتبته فى «الشروق» يوم 16 مارس الماضى تحت عنوان «حرب ستيفن بانون المقبلة فى الشرق الأوسط»، ثم فى يوم 29 يونيو الماضى تحت عنوان «الهاوية أم حافتها فقط؟»، وأخيرا فى الأسبوعين السابقين على مقال اليوم بعنوانى: «قيود التحالف الخليجى الاسرائيلى»، و«الحسابات الخاطئة وراء نذر الحرب فى المنطقة».. والغرض من هذا التذكر أو التذكير هو الاستدلال على أن الخط البيانى نحو إشعال الحرب فى المنطقة بقيادة إسرائيلية، ومباركة أمريكية، بدءا من لبنان، ثم التحول ضد إيران كان فى تصاعد مطرد، منذ تولى ترامب الرئاسة الأمريكية فى يناير الماضى، وليس الغرض هو الزعم بالعلم ببواطن الأمور، أو ادعاء شىء من بعد النظر، ولكنها المتابعة بمجرد النظر لمن يريد أن يرى.

يقينا فإن تخاذل الرئيس ماكرون ينبئ بعدم جدوى توقع معارضة أوروبية قوية، لذلك القرار الدولى عالى المستوى لضرب لبنان، إذ إن فرنسا هى الشريك الثانى الأهم فى قيادة الاتحاد الأوروبى مع ألمانيا المشغولة بأزمة العجز عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات سبتمبر الماضى، وبالطبع فإن بريطانيا هى دائما فى الجيب الأمريكى.

ومع أن المعارضة الحادة من جانب ألمانيا (شرودر) وفرنسا «شيراك» لخطة الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش لغزو العراق، لم تمنع الغزو، فإن الوضع مختلف داخل واشنطن هذه المرة، إذ لم يكن أحد فى إدارة بوش يعارض خطته المشئومة تلك، كما كانت أغلبية الكونجرس تؤيده، بينما الواضح الآن أن أركان إدارة ترامب وزعماء الكونجرس يعارضون جموحه المعلن فى الشرق الأوسط والخليج، على نحو ما بدا من تصريح ركس تيلرسون وزير خارجيته وآخرين قالوا علنا إنهم يعارضون تحويل لبنان إلى مسرح للحرب بالوكالة فى الشرق الأوسط، ومن هنا فإن معارضة دولية وإقليمية مصحوبة بمبادرات لخفض التوتر، ومشروعات للسلام والأمن والتعاون فى الاقليم، يمكن أن تزيد من فاعلية المعارضة الداخلية فى الولايات المتحدة لوقف الانزلاق أو الدفع نحو الحرب.

أما عن المعارضة فى إسرائيل، فإنها تتمثل فى تحفظين، الأول أن لا يكون الهجوم على لبنان أو توجيه ضربة لإيران مدفوعين بالضغوط أو الإغراءات السعودية فقط، والثانى هو ضمان أنجع وسائل الدفاع عن العمق الاسرائيلى، ضد صواريخ حزب الله، وصواريخ حماس والجهاد الإسلامى من غزة، وهما تحفظان لا يمكن لأحد خارج دائرة صنع السياسة فى تل أبيب (وبالطبع واشنطن) الحكم بتوافر متطلباتهما من عدمه، لكن وفقا لدان شابيرو سفير إسرائيل السابق فى واشنطن، وجيورا إيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى الاسرائيلى، فإنه يمكن تفادى الحرب إذا كان الاندفاع الحالى نحو حافة الهاوية سيجبر اللبنانيين جميعا على تبنى خطة طويلة الأجل، ومدعومة بقرار دولى لإخضاع سلاح حزب الله للقرار السياسى اللبنانى الرسمى.

معنى ما تقدم أنه توجد فرصة، ضئيلة حقا ولكن يمكن تعظيمها لتفادى الكارثة، وتستطيع الدبلوماسية المصرية أن تلعب دورا رئيسيا فيها، بداية بتهدئة الأعصاب فى الرياض، ومساندة السعودية فى الحصول على ضمانات توقف تهديدات إيران وحلفائها، من خلال مشروع عربى روسى، نتوقع تأييدا نشطا له من ألمانيا، مما سيجذب التأييد الفرنسى، فيصبح مشروعا عربيا روسيا أوروبيا تدعمه الصين أيضا، ويضمنه مجلس الأمن، نقصد مشروعا شاملا للسلام والأمن والتعاون فى المنطقة ككل، ويقدم لإيران أيضا من الضمانات ما يقنعها بأنها لم تعد مستهدفة أمريكيا وإسرائيليا.

صحيح أن المشكلات عميقة، وأن كثيرا من الجبهات الداخلية مثل سوريا واليمن لا تزال ساخنة.. ولكن حربا تقودها إسرائيل، وترعاها أمريكا نيابة عن العرب، وبالأصالة عن نفسيهما.. لن تبقى لشعوب المنطقة شيئا من مصلحة أو كرامة أو استقلال ما بين المحور الشيعى، والمحور الصهيونى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved