احتياطى الغاز الذى تبخر!

بلال فضل
بلال فضل

آخر تحديث: الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 9:04 ص بتوقيت القاهرة

ما الذى يحدث بالضبط فى ملف حدود مصر البحرية؟ خلال الفترة الماضية نشرت أسئلة كثيرة ومعلومات خطيرة طرحها الدكتور نائل الشافعى مؤسس موسوعة المعرفة حول هذه القضية، كان آخرها مجموعة من الأسئلة طرحها حول أداء اللجنة القومية للبحار، ولأن أسئلته لم تلقَ إجابات شافية، لا أملك إلا مواصلة نشر ما يثيره من معلومات لعلها تلفت إنتباه أى أحد يخاف على هذا البلد إلى مصارحة الشعب بحقيقة ما يجرى فى هذه الملفات الخطيرة.

يقول الدكتور نائل الشافعى فى رسالته الجديدة: «وجهت فى 8 ديسمبر، عشرة أسئلة إلى اللجنة القومية للبحار، مطالبا إياها بالشفافية وعرض اتفاقيات الترسيم والغاز على الشعب قبل إبرامها، خاصة أن لها تاريخ من الأخطاء الفادحة، ولذا استنجدت فى المقال بالفريق أول عبدالفتاح السيسى، وبعد أربعة أيام فقط مما نشرته فوجئنا بالصحافة القبرصية تعلن عن سفر الرئيس القبرصى إلى القاهرة لتوقيع اتفاقية تقاسم مكامن الغاز Unitization وفرض منطقة تنقيب منسق (أو سمّها إن شئت «منطقة حظر تنقيب») بعرض 10 كم بطول الحدود المصرية القبرصية. اليونيتايزيشن لا تصلح بين طرفين أحدهما (قبرص) تدعمه أكبر عشر شركات نفط فى العالم بأحدث المعلومات السيزمية الحقيقية وغير ذلك، بينما الطرف الآخر (مصر) ليس بإمكانه إجراء مسوح سيزمية بنفسه فى مياهه، ناهيك عن تحدى مزاعم سيزمية عن امتداد مكمن للغاز داخل مياه الطرف الآخر. أما عن حزام التنقيب المنسق، فهل سيسرى على حقل أفروديت القبرصى، الذى يقع على بعد 2 كم من الحدود المصرية، أم أنه يعنى فعليا، منع مصر من استغلال مكامن الغاز على حدودها؟ كما أرجو أن يخبرنا السيد رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلى منصور، بسبب وطبيعة العجلة فى توقيع تلك الاتفاقية من قبل الرئيس «المؤقت» عدلى منصور، دونما الانتظار لرئيس منتخب وبرلمان منتخب؟

حتى عام 2010، كانت وزارة البترول تنشر أن الاحتياطى المؤكد، المدقَق من بيت خبرة عالمى، يكفى احتياجات مصر لمدة 30 عاما. وفى لحظة تبخر وأصبحت مصر تتسول الغاز، كما يشير تقرير بلومبرج الصادر فى 2 ديسمبر 2013.. كيف؟ فى عام 2005، كان هناك فائض كبير فى انتاج مصر من الغاز الطبيعى، فبالإضافة للغاز الذى كانت تصدره مصر دون إسالة إلى إسرائيل والأردن، فقد افتتحت مصر فى ذلك العام محطتين لإسالة الغاز الطبيعى لتصديره: المصرية الإسبانية للغاز فى دمياط بتكلفة 1.3 مليار دولار؛ والشركة المصرية لإسالة وتصدير الغاز فى إدكو، بتكلفة 2 مليار دولار. وفى نهاية 2005، كانت مصر تتبوأ المركز الثالث عشر بين أكبر منتجى الغاز المسال فى العالم، وباحتياطى مؤكد ذلك العام قدرته وزارة البترول بنحو 1931 مليار متر مكعب. إلا أن الخبير النفطى الدكتور إبراهيم زهران يؤكد أن معملى الإسالة تم إنشاؤهما بالرغم من عدم وجود أى فائض من إنتاج مصر من الغاز وأن وزارة البترول اضطرت فى عام 2006، لتخفيض نسبة استهلاك محطات الكهرباء من الغاز من 98% إلى 38%، لكى توفر الغاز لمعملى الإسالة. وبعد ثورة يناير 2011، توقف تزويد الغاز لمحطة الإسالة الإسبانية بدمياط، فرفعت القضية للتحكيم الدولى.

وحسب إحصائية الاحتياطى المؤكد للغاز الطبيعى بمصر التى نشرتها وزارة البترول فى 2010 (والموثقة من بيت الخبرة وود ماكنزى) فإن الاحتياطى المؤكد فى 2008 كان 2,152 مليار متر مكعب. وحسب إحصائية من الوزارة (فى نفس المرفق) فإن معدل استهلاك مصر من الغاز الطبيعى هو 56 مليار متر مكعب فى 2008، ومن تصريحات وزراء البترول المتعاقبين فإن ذلك الاستهلاك لم يتغير تقريبا حتى 2013. فبافتراض أن مصر لم تنتج أى غاز على الإطلاق منذ 2008 (وهو غير صحيح)، فإن الاحتياطى المؤكد كفيل بتلبية احتياجات مصر لنحو 30 سنة. فلماذا بدأت مصر تقترض الغاز منذ 2012؟ لا توجد إجابة لهذا السؤال إلا أن الاحتياطى المؤكد لم يكن مؤكدا قط، بل كان مُسيـّسا، ويجب رفع قضية دولية على بيت الخبرة وود ماكنزى بتهمة التضليل. وتوجد سابقة لذلك حين قاضت الحكومة الأمريكية بيت الخبرة الأكبر آرثر أندرسن لتدقيقه وتصديقه على الأرقام المضللة فى ميزانيات شركة إنرون المفلسة. فأُجبر على توقف عن مزاولة مهنة التدقيق فى 2002.

بينما يتوهم مسئولون فى وزارة البترول المصرية أن إسرائيل ليس أمامها من بديل لكى تصدر غاز لفياثان إلا تسييله فى دمياط لأنها الأقرب، ولأن فيها معمل إسالة متعطل لعدم وجود غاز. إلا أن تلك الأمانى غاب عنها أن معمل الإسال لا تملك مصر منه سوى 20%، وأن إسرائيل تناقش الفكرة مع الحكومة الإيطالية صاحبة معظم المعمل. والواقع أن مصر هى التى بحاجة ماسة لاستيراد الغاز هذا الصيف لمواجهة متطلبات محطات الكهرباء. وتقوم بالفعل شركة شركة دلك الإسرائيلية المنتجة لغاز حقل تمار بدراسة هندسية لتعديلخط أنابيب حسين سالم لكى يقبل الغاز فى الاتجاه العكسى لتصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر.

ومازالت مصر فى قحط هيدروكربونى يستفحل عاما تلو الآخر مع الضخ الجائر وتراجع احتياطات الحقول وإحجام شركات النفط عن التقدم لمزادات التنقيب فى مصر منذ عام 2000، عندما اعتمدت مصر ما سمته «عقد القرن» للتعاقد مع شركات التنقيب وبدون استشارتهم. ومن أخطر ما فى ذلك العقد هو أن الدولة لا تحدد سلفا سعر الغاز أو البترول فى حال اكتشافه (ولا حتى تحدد آلية تُستخدم لتحديده حين يُكتشف)، وتؤجل تحديد السعر حتى تنفق الشركة المليارات فى التنقيب وبعد أن تكتشف الغاز أو النفط تقرر الوزارة كيفية المحاسبة! وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لشبهات فساد واسعة. نتيجة لذلك هربت شركات النفط الكبرى من مصر، وأُعطِيت امتيازات التنقيب لفنانين ولاعبى كرة قدم وراقصة، حسب الخبير النفطى الدكتور ابراهيم زهران.

وعلى الرغم من انعدام الاهتمام بأنشطة التنقيب والانتاج (أبستريم) بمصر، فلا نسمع كلمة أو جهد من أى مسؤول لمعالجة القضية. بينما جميع مسؤولى وزارة البترول يتسابقون للإدلاء بتصريحات جوفاء «داونستريم» حول أنابيب البوتاجاز، وهى قضية تموينية فى الأساس».

(كل المعلومات والأرقام المذكورة مدعومة بمصادرها فى موسوعة المعرفة).

Shafei@marefa.org)

belalfadl@hotmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved