شارون بطل الحلول العنيفة

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الجمعة 17 يناير 2014 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

كتب آفى شلايم، أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة أوكسفورد، مقالا بجريدة الجارديان البريطانية عن رئيس الوزراء الإسرائيلى أرئيل شارون الذى توفى منذ ايام قليلة ويعد أحد أكثر شخصيات إسرائيل بروزا وإثارة للجدل. واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن حياته العملية الطويلة والمتنوعة كجندى وسياسى كانت تتمحور بشكل كبير حول قضية واحدة هى الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب. وقد كان باعتباره جنديا مشاركا بقوة فى هذا الصراع المرير. وأصبح شارون السياسى معروفا بـ«البلدوزر» لاحتقاره منتقديه وتحركه بشكل لا رحمة به نحو تحقيق الأمور. كما كان شخصية كثيرة العيوب، حيث عُرف بوحشيته وخداعه وفساده. وهو على الرغم من تلك العيوب يحتل مكانا خاصا فى حوليات تاريخ بلده.

•••

وقدم الكاتب شارون بأنه كان قوميا يهوديا متحمسا، ومتشددا، وصقرا يمينيا شديد الصلابة. كما كان يبدى تفضيلا دائما للقوة على الدبلوماسية فى التعامل مع العرب. إذ كان يعامل الدبلوماسية على أنها امتداد للحرب بوسائل أخرى.

وإشارة شلايم إلى العنوان الذى اختاره شارون لسيرته الذاتية «المحارب» مثل شخصية كوريولانوس عند شكسبير، كان شارون آلة محاربة فى المقام الأول. وقد استنكر منتقدوه كونه ممارسا لـ«صهيونية المدفع»، باعتباره تشويها لفكرة اليهودى القوى النزيه الذى لا يخشى شيئا. وكان شارون يمثل عند الفلسطينيين الوجه العسكرى القاسى البارد للاحتلال الصهيونى.

•••

وأسهب الكاتب عن تاريخ شارون الوحشى فيروى عن أول جريمة حرب ارتكبها الميجور شارون، فى عام 1953، وهى قتل 69 مدنيا فى قرية قبية الأردنية. وباعتباره وزيرا للدفاع، قاد غزو لبنان فى حرب خداع فشلت فى تحقيق أى من أهدافها الجيوبوليتيكية الكبيرة. وقد اكتشفت لجنة تقصى حقائق أن شارون مسئول عن عدم منع المذبحة التى قامت بها قوات الكتائب المسيحية ضد اللاجئين الفلسطينيين فى مخيمى صبرا وشاتيلا فى بيروت. وحُفرت هذه الإدانة على جبينه كوصمة عار. لكن من تنبأ بأن الرجل الذى أُعلن غير مناسب لتولى منصب وزير الدفاع سوف يكون رئيسا للوزراء.

وكيف أن شارون حاول إعادة اختراع نفسه كرجل سلام خلال حملة انتخابات 2001. وراعى المتحدثون باسمه فكرة أن كبر السن يصاحبه تحول شخصى من الجندى الدموى إلى الساعى لتحقيق السلام بصدق. ويشير الكاتب إلى وصف الرئيس جورج دابليو بوش بـ«رجل السلام» لشارون. وقد كان الصراع العربى ــ الإسرائيلى خلال الأربعين عاما الماضية اهتمامى البحثى الرئيسى، إلا أنى لم أصادف أدنى دليل يدعم هذا الرأى. إذ كان شارون رجل حرب بامتياز، وكارها للعرب، ومؤيدا عدوانيا لمبدأ الصراع الدائم. ولهذا السبب، ظل بعد توليه السلطة على ما كان عليه دائما، وهو الإيمان بكل الحلول العنيفة.

•••

وأضاف آفى أن الشغل الشاغل لفترة رئاسة شارون للوزارة كان «الحرب على الإرهاب» ضد الجماعات الفلسطينية المقاتلة. ولم تجر مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية فيما بين عامى 2001 و2006، واعتبر شارون ذلك أمرا يفخر به. وكان شارون يرى أن المفاوضات تنطوى بالضرورة على تقديم تنازلات. ونتيجة لذلك كان يتحاشى هذا البلاء.

لهذا السبب رفض شارون كل الخطط الدولية التى تهدف إلى حل الدولتين. وكانت إحدى تلك الخطط مبادرة السلام العربية عام 2002 التى عرضت على إسرائيل السلام والتطبيع مع كل أعضاء جامعة الدول العربية الاثنين والعشرين مقابل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضى الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية. وكانت المبادرة الأخرى خريطة طريق الرباعية عام 2003 التى تصورت ظهور دولة فلسطينية إلى جوار إسرائيل مع نهاية عام 2005.

•••

ووصف الكاتب شارون بأنّه كان أحاديا بامتياز. وكان هدفه النهائى إعادة رسم الحدود الاسرائيلية من جانب واحد، حيث تضم مساحات كبيرة من الأراضى المحتلة. وكانت المرحلة الأولى هى بناء ما يُسمى الحاجز الأمنى فى الضفة الغربية، وهو ما أطلق عليه الفلسطينيون جدار الفصل العنصرى. وأصدرت المحكمة الدولية حكمها بعدم مشروعية هذا الجدار. ويبلغ طول الجدار ثلاثة أضعاف طول حدود ما قبل 1967، ولم يكن الغرض الأساسى منه هو الأمن وإنما خطف الأراضى.

كانت المرحلة الثانية تتكون من فك الارتباط بغزة من جانب واحد فى أغسطس من عام 2005. وشمل ذلك ترحيل 8 آلاف يهودى وتفكيك مستوطنات كثيرة وكان ذلك إجراء مفاجئا صادما قام به رجل كان يُسمى أبو المستوطنين الروحى. وصُور الانسحاب من غزة على أنه إسهام فى خريطة طريق الرباعية لكنه لم يكن شيئا من هذا القبيل. فقد كانت خارطة الطريق تدعو إلى المفاوضات، بينما رفض شارون التفاوض. وكان المقصود بخطوته الأحادية تجميد عملية السلام، وبالتالى الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية والإبقاء على الوضع الجيوبوليتيكى القائم فى الضفة الغربية.

يشير المصطلح القانونى «اللامبالاة منعدمة الشعور» إلى ذلك السلوك الذى يتسم بقدر كبير من الإفراط والقسوة والرعونة وعدم الكفاءة بالمعنى الأخلاقى، وعدم مراعاة أرواح الآخرين، ويستحق قدرا كبيرا من اللوم فيما يتعلق بالمسئولية الجنائية. وكان شارون يجسد هذا النوع من اللامبالاة فى مقاربته للفلسطينيين.

•••

وختم شلايم المقال قائلا: قرب نهاية حياته النشطة انشق عن حزب الليكود لينشئ حزب كاديما الوسطى. لكن كاديما ليس له الآن سوى مقعدين من مقاعد الكنيست المائة والعشرين. وبذلك تكون محاولة شارون فى اللحظة الأخيرة لإحداث إعادة اصطفاف فى السياسة الإسرائيلية قد انتهت بالفشل.

لقد كان ميراثه الدائم هو تمكين وتشجيع بعض العناصر الأكثر عنصرية وكراهية للأجانب وتوسعية وتصلبا فى النظام السياسى الإسرائيلى الذى يعانى من الخلل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved